المعاهدات في الإسلام .. د/ راغب السرجاني

[CENTER][SIZE=“3”]

المطلب الأول: تعريفات مهمة
العهد في اللغة:
العَهْدُ: الأمانُ، واليمينُ، والذِمَّةُ، والحِفاظُ. وقد عَهِدْتُ إليه أي أوصيته. ومنه اشتُقَّ العَهْدُ الذي يكتب للوُلاةِ. وتقول: عليَّ عَهْدُ الله لأفعلنَّ كذا . والعهد أَيضًا: الوفاء، وفي التنزيل: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: 102] أَي: من وفاء …

تعريف المعاهدة اصطلاحيًّا:
هي عقد العهد بين الفريقين على شروط يلتزمونها، وهي موادعة المسلمين المشركين سنين معلومة… وقال الكاساني : الموادعة وهي المعاهدة، والصلح على ترك القتال، يقال: توادع الفريقان أي تعاهدوا على أن لا يغزو كل واحد منهما صاحبه. وقال ابن قدامة: “ومعنى الهدنة، أن يعقد لأهل الحرب عقدًا على ترك القتال مدة، بعوض وبغير عوض… وتسمى مهادنة وموادعة ومعاهدة…”.

المطلب الثاني: مشروعية المعاهدات
الأدلة على مشروعية المعاهدات كثيرة منها: قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] فهذا أمر من الله تعالى يوجب الوفاء بالعهود والمواثيق. وقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [النساء: 90] ففي الآية بيان وتقرير بعقد المعاهدة والوفاء بها.

ومن السنة نجد أمثلة كثيرة تؤكد مشروعية المعاهدات في الإسلام منها: عَقدُه صلى الله عليه وسلم الكثير من المعاهدات بينه وبين أعدائه ومنها: وثيقة المدينة فهي من أنفس العقود وأحقها بالنظر والتقدير، وهي تعد نبراسًا للمسلمين في أصول العلاقات الدولية بينهم وبين مخالفيهم، وكذلك صلح الحديبية، وأيضًا موادعته لكثير من القبائل مثل بني ضمرة، وبني مدلج، وكذلك إقراره صلى الله عليه وسلم لحلف الفضول في الجاهلية، وقد تم هذا الحلف في بيت عبد الله بن جدعان في مكة. قال صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ شَهِدْت فِي دَارِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبّ أَنّ لِي بِهِ حُمْرَ النّعَمِ، وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْت».

وعَنْ أنس قَالَ: قَلَّمَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا قَالَ: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ» . ويقول كذلك: «‏لِكُلِّ غَادِرٍ‏ ‏لِوَاءٌ‏ ‏يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ» .

المطلب الثالث: الشروط التي يجب توافرها في المعاهدات

يشترط في العهود التي يجب احترامها والوفاء بها، الشروط الآتية:

1- ألا تخالف حكمًا من الأحكام الشرعية المتفق عليها. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ».
2 - أن تكون عن رضا واختيار، فإن الإكراه يسلب الإرادة، ولا احترام لعقد لم تتوفر فيه حريتها.
3 - أن تكون بيّنة واضحة، لا لبس فيها ولا غموض حتى لا تؤوَّل تأويلاً يكون مثارًا للاختلاف عند التطبيق.

المطلب الرابع: وجوب الوفاء بالعهد

أكدت الآيات القرآنية وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم على وجوب الوفاء بالعهد ومن ذلك قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، وقوله تعالى: {وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا} [الأنعام: 152]، وقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91]، وأيضًا: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34]، وقال: {وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا} [الأحزاب: 15]، والكثير من الآيات يشير إلى هذا المعنى العظيم…

وأما أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر فهي كثيرة أيضًا نذكر منها:
عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «‏أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا ‏خَالِصًا، ‏وَمَنْ كَانَتْ فِيه خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا، إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا ‏ ‏عَاهَدَ ‏غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ ‏ ‏فَجَرَ»، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ ‏ ‏أَخْفَرَ‏ ‏مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ النَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ‏ ‏صَرْفٌ ‏ ‏وَلَا ‏ ‏عَدْلٌ» . وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لِكُلِّ غَادِرٍ‏ ‏لِوَاءٌ‏ ‏يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «‏مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ؛ فَلَا ‏‏يَشُدُّ عُقْدَةً ‏وَلَا يَحُلُّهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ‏ ‏أَمَدُهَا‏ ‏أَوْ ‏يَنْبِذَ ‏إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ».

ويوضح الشيخ محمود شلتوت أن “الوفاء بالمعاهدة واجب ديني، يُسأل عنه المسلم فيما بينه وبين الله، ويكون الإخلال بها غدرًا وخيانة”.

المصدر: كتاب (أخلاق الحروب في السنة النبوية) للدكتور راغب السرجاني.

[/size][/center]