النفط العربي و ضرورة تفريخ عوائد بديلة موضوع مطروح للنقاش

يوصف البترول في ادبيات الموارد الاقتصادية،بأنه هبة من هبات الطبيعة للموضع.وبذلك فأن علاقة تواجده بالموضع،تعطيه بعدا جيوبوليتيكا مهما،بحيث يمكن اعتباره،ثروة قومية استراتيجية للمالك،في بلد الموضع،ومن ثم فأن المصلحة الوطنية والقومية،تتطلب عناية فائقة بهذه الثروة،وحرصا شديدا على صيانتها،حفاظا عليها من الاستنزاف المبكر، والتبديد السريع،خاصة وان جزءا منها يمثل حصة الاجيال القادمة.

ولأن العمر الزمني للبترول محدود،ومحكوم بدالة معدلات الانتاج الحالية،منسوبة الى الاحتياطيات الراهنة المؤكدة،بافتراض بقاء بنية هيكل استهلاك الطاقة،على ماهو عليه الان،وعدم ظهورموارد بديلة منافسة في السوق، تنحيه جانبا، فانه بات يعد موردا ناضبا لا محالة.وهذا يحتم على المالك،ان ينظم الانتاج،ويرشد الاستخدام،بما يحقق اعلى درجات الحفاظ على هذه الثروة الطبيعية المهمة،وذلك لأن استنزافها،من دون المبادرة لتعويضها بموجودات ملموسة بديلة،بهيئة رأسمال وطني،يتراكم طرديا مع مرور زمن الاستنفاد،يعني تفريطا غير مبرر،بهذه الثروة الطبيعية.

ومن هنا،فان الانجرار وراء الاستراتجيات الدولية،لزيادة معدلات الإنتاج، بزعم تعظيم ارباح المنتجين،والحرص على تداول العوائد النفطية الريعية، في كبريات المصارف الغربية،والبورصات العالمية،لتحقيق عوائد استثمار مجزية،في أصول غير منظورة،يعني تحويل هذا المورد الطبيعي الاستراتيجي، المخزون في باطن الأرض العربية مجانا،إلى حين بروز الحاجة الحقيقية العربية له، إلى أصل ريعي سائل، يكون عرضة إلى مخاطر تآكل القيمة الحقيقية له بالتضخم،وتقلبات أسعار صرف الدولار،ناهيك عن أساليب الابتزاز السياسي،والضغوط المستترة،لإنعاش الاقتصاديات الغربية،من مخاطر الأزمات المالية،التي تتعرض لها بشكل دوري،وإنعاشها كلما اقتربت من حافة الانهيار،وهو ما عكسته مؤخرا، بشكل جلي، ازمة ديون منطقة اليورو.

والمتأمل في الظاهرة البترولية في الاقتصاديات العربية ولاسيما أقطار الخليج العربي، يلاحظ أنها أصبحت باثارها التراكمية العامة،ومنعكساتها السلبية،في ضوء معدلات الانتاج الحالية،ظاهرة استهلاكية تبذيرية،بمرور الزمن،انصبت على اشاعة مظاهر رفاهية مباهاة،تحاكي اتجاهات الرفاهية المعولمة،في معظم مساراتها المعاصرة.حيث بان اثرانفاق العوائد النفطية واضحا،في بهرجة العقارات،والتطاول المهووس في البنيان، وظهور ناطحات سحاب عربية، وانتشار ظاهرة الاستهلاك ألبذخي ألتبذيري، المتمثل باستيراد كل شيء تقريبا، مما يعمل على تبليد التوجهات التدبيرية، في الحس الجمعي العام،ويضغط باتجاه العمل على ترحيل،الكثير من اشكاليات التنمية المستدامة،التي يتطلب الحضور المركزي لعائد الريع البترلي لأقطار الخليج فيها،بكل ثقله المالي،الى مراحل تالية،ومنها على سبيل المثال،اشكاليات التخلف المزمن،والبطالة السافرة،في مقابل عمالة وافدة متهافتة، وغياب افق التنمية القومية الشاملة،وتأخر تحقق التكامل الاقتصادي،وانتشار الأمية بصورتها،الهجائية والحضارية،وزحف افة التصحر،واطلالة شبح العوز الغذائي المحدق بالعرب،بانفجارهم السكاني، الامر الذي ينبئ بمستقبل غير واعد،ما لم يتم (استنبات) صناعات منتجة بديلة،موازية لظاهرة استنزاف هذا الرأسمال الناضب في المستقبل غير البعيد.

إن المطلوب الآن من أقطار الخليج العربي، الانتباه على عجل، إلى خطورة الآثار الراهنة للظاهرة البترولية،على مسار تطور البنية المجتمعية،والاقتصادية العربية،والانتباه بشكل خاص،إلى مخاطر نضوب هذا المورد الطبيعي،بالسعي الحثيث إلى استثمار الفوائض النفطية العربية والخليجية منها بشكل خاص،في مجالات التنمية العربية،وتحفيزالتشابكات الاقتصادية البينية العربية،وتوظيف جزء منها،في دعم مطالب انتفاضات التغيير العربي،لتحصينها من مخاطر شراء الذمم، بالابتزاز المالي الأجنبي،الذي يسعى لخطفها لصالح أجندات خارجية،وحرفها عن مسارها الحقيقي،تحت وطأة العوز المادي،في تلك الاقطار التي طالتها التغييرات،وما يتركه الابتزاز الاجنبي، من ضرر بالغ،على مجمل الامن القومي والاقتصادات العربية.

ولاجرم ان تلك التحديات،تستدعي مغالبة الزمن، باستغلال فرصة اللحظة، باعتبار أن عنصر الزمن،هو الاخر،مورد ناضب غير قابل للتجدد،مما يتطلب التعجيل بتفعيل التوظيف على قاعدة( نفط العرب للعرب)،وتحريك الفرص الاستثمارية على قاعدة الميزة النسبية،في نفس الوقت،قبل نفاد احتياطيات النفط الخليجي،لتنمية الصناعات البديلة،وقبول فكرة النفقات الضائعة،في الصناعة ذات العائد الاستراتيجي،من دون تردد،عند توريد التكنولوجيات المتطورة، واستيعاب الكوادر، والكفاءات العربية المهاجرة، التي استقطبتها،سوق العمل في البلدان الصناعية، وبأثمان زهيدة،إذا ما قورنت بكلفة فرصة اعدادها البديلة، والعمل على إحلالها محل العمالة الأجنبية الوافدة،التي أفرزت ظاهرة الازدواجية السكانية في اقطار الخليج العربي، وما ترتب عليها من مخاطر جدية، تهدد الكيان العربي الخليجي،بأضرار فادحة،حيث بات الكل،يدرك اليوم،مخاطر طمس الهوية،ويتلمس اضرارمسخ الشخصية العربية،كتداعيات حتمية لهذه الظاهرة الخطيرة،التي تلازمت بجدلية صارمة، مع الظاهرة البترولية الريعية.

ويبقى الحرص على اعتماد إستراتيجية وجوب(أن يكون احد آخر برميلين للنفط في العالم عربيا)،وبتصور مركزي،عند تعاطي صانع القرار العربي مع مقتضيات صيانة الثروة النفطية العربية،بحس تاريخي مسؤول،يتخطى الحسابات الفنية المجردة،منهج عمل صائب،تقتضيه ضرورات مقاصد اطالة امد عمر تلك الثروة القومية لأبعد سقف زمني ممكن.

وهكذا فأن الحد من تنامي ظاهرة الاستهلاك البذخي، والعمل على مغادرة ظاهرة التواكل،والتعكز على اقتصاد الريع النفطي، والشروع باعتماد تنمية قومية شاملة،تنهض بالتصنيع،في كافة قطاعات الاقتصاد الخليجي والعربي،على عجل،من خلال المباشرة باعتماد استراتيجية نقل مكثف للتكنولوجيات الملائمة للخصوصيات العربية، وتوطينها،بالانتفاع من الاطر الفنية والكفاءات العربية،وتنمية رأس المال المنتج البديل للنفط،في إستراتيجية(تفريخ)موارد تدر عائدات بديلة،بأولويات محددة،لمواجهة مرحلة نفاد البترول القادمة الينا في يوم لا ريب فيه.