تذكر يا أخي: ما كل ما تعلمه تبثه بين النّاس فليس كل ما يعلم يقال !

[CENTER] [CENTER][FONT=comic sans ms]بـــــسم الله الرحمن الرحيــــم

ترَّفّق عليَ هداك المليك *** فإن لـكـل مقامٍ مقـالا[/font][/center]

[SIZE=5][FONT=traditional arabic]الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده … أمّا بعد :
فهذا المقال عبارة عن تذكير لي و لإخواني السلفيين أسأل الله أن ينفعنا بذلك جميعًا ، فقد قال الإمام الشاطبي يرحمه الله تعالى في كتابه الموافقات [4 / 189 - 190] : (ليسَ كلُّ ما يُعلمُ ممَّا هم حقٌّ يُطلب نشره ، و إن كان من علم الشَّريعةِ ، وممَّا يُفيدُ علْمًا بالأحكامِ ، بل ذلك ينقسمُ :
منه ماهو مطلوب للنّشر- وهو غالب علم الشريعة- ، ومنه مالا يطلب نشره بالنسبة إلى حالٍ أو وقتٍ أو شخصٍ)
اهـ

فينبغي لك أخي طالب العلم قبل أن تنشر في الناس كلمة أو تبث فيهم رأيا ترى أنه حق حتى تراعي الظروف الثلاثة التي ذكرها لنا الإمام الشاطبي و هي : المكان : و قد عبّر عنه بالحال ، و الزّمان : و قد عبّر عنه بالوقت ، و الإنسان : وقد عبّر عنه بالشّخص.

وممّا عمّت به البلوى عند الكثير تهاونهم في مراعاة هذه الأمور الثلاثة عند نقلهم للكلام و بثـه بين الناس جاهلين أو متجاهلين ، غير مكترثين ولا مقدرين الآثار السلبية الناتجة عن هذا الإهمال و التجاهل.
و الشريعة الإسلامية من أسمى مطالبها جلب المصالح و تحقيقها و دفع المفاسد و تقليلها فهذا الرسول صلى الله عليه و سلم كان يكتم أسماء المنافقين و كان يخبر صاحب السر حذيفة رضي الله عنه ، فما كان يبث أسماءهم على عامّة الناس وما كان يشهر بهم على المنابر و الأماكن العامّة و ذلك دفعًا للفتن و الإحن.

وكذلك حذيفة بن اليمان رضي الله عنه كتم أسماء المنافقين عن عامّة النّاس إلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سأله فقال أنشدك الله هل ذكر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمي في أسماء المنافقين فقال لا ولا أزكي بعدك أحد.

قال الدكتور تقي الدين الهلالي رحمه الله في كتابه الماتع [الهدية الهادية إلى الطائفة التجانية ص: 74]: ( وإنّما كتم حذيفة أسماء المنافقين لأن المفسدة التي في ذكرها تفوق المصلحة التي في كتمانها، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح).اهـ
و قال الشيخ ربيع حفظه الله في [شريط 3: من شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري] : (يخبر [النبي صلى الله عليه و سلم] حذيفة فقط بأسماء بعض المنافقين لا كلِّهم لماذا؟ دفعًا للفتن عليه الصلاة و السلام).اهـ

فلنا في رسول الله صلى الله عليه و سلم و صحابته أسوة حسنة إن كنا نحذر الفتن و نود الخلاص منها.
ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ يَقُولُ: (هَلَكَةُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ. فَقَالَ مَرْوَانُ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ غِلْمَةً . فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : لَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَ بَنِي فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ لَفَعَلْتُ فَكُنْتُ أَخْرُجُ مَعَ جَدِّي إِلَى بَنِي مَرْوَانَ حِينَ مُلِّكُوا بِالشَّأْمِ فَإِذَا رَآهُمْ غِلْمَانًا أَحْدَاثًا قَالَ لَنَا عَسَى هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونُوا مِنْهُمْ . قُلْنَا : أَنْتَ أَعْلَمُ).[رواه البخاري : كتاب الفتن ، باب قول النبي صلى الله عليه و سلم هلاك أمتي على أُغَيلِمةٍ سفهاء رقم: 6534].
قال الشيخ ربيع حفظه الله و هو يشرح في هذا الحديث [نفس المصدر] : (هنا يسر إلى أبي هريرة رضي الله عنه أسماء هؤلاء الذين تهلك الأمة على أيديهم و لو شاء لصعد على المنبر و قال يعني سيأتيكم بنو فلان و بنو فلان هم حملة الفتنة، لكن الرسول أسر هذا إلى أبي هريرة ، عَرَّف أبا هريرة بأسمائهم و أسماء أبائهم و قبائلهم عليه الصلاة و السلام ، و أبو هريرة لم يبح بهذا السر ، إمّا لأن رسول الله استكتمه و إمّا خوفًا من الفتنة كما علّمه الرسول عليه الصلاة و السلام يعني الابتعاد بالأمة عن الفتن). اهـ

ومن ذلك أيضًا ما قاله الإمام البخاري رحمه الله : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
(حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِعَاءَيْنِ ؛ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ) [رواه البخاري كتاب العلم ؛ باب حفظ العلم رقم :117]

قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله : (فالشاهد من هذا كله قوله حفظت من رسول الله صلى الله عليه و سلم وعائين . فالوعاء: ما يحفظ به الماء أو اللبن أو نحو ذلك .
ما يتعلق بالشريعة بينّه رضي الله عنه و نشره ، و أمّا الثاني فهو ما يتعلّق بالخلافة ، وكأنّه رضي الله عنه خاف من الفتنة التي تشمله و غيره فلذلك أخّره ، ولا نقول كتمه ، [و إنّما] أخّره ، و هو لم يتكلم بهذا الكلام في آخر رمق من حياته حتى نقول إنّه لم يبثه بل تكلّم به مبكرا ، و لعله أخّر بثه إلى وقت لا تخشى فيه الفتنة) .اهـ [شرح صحيح البخاري شريط 13 وجه أ].

وقال الشيخ ربيع حفظه الله و هو يعلّق على هذا الحديث [المصدر السابق] : (ففيه أنه ليس كل ما يعلم يقال ، ليس كل ما يعلم يقال ، فإنّ من العلم ما لو بثثته للناس لترتب عليه ضرر فهذا مَـا يجوز نشره ، يعني يضر بالناس هذا غير الأحكام و الحلال و الحرام و العقائد في الأمور السياسية مثلا التي لا ينقص الأمة الجهل به الشاهد أنه لا كل ما يعلم يقال ، وما كل ما عندك تخبر الناس ، فيه كلام يعني يجب أن يفكر العاقل قبل أن يتكلم ، هل يفيد الناس بهذا الكلام ، هل يفيد إخوانه في الله ، يفيد أو يترتب على كلامه ضرر، لو كان يترتب على كلامه ضرر ولو كان يرى أنه على حق فلا يجوز له أن يقول هذا ، فالذي يرى رأيا و يرى أنّه حق و يسعى في نشره و يخالط و يوالي و يعادي من أجله و يفرق الناس به، لو فرضنا أنه عندك رأي ترى أنه حق و سألت فلان و فلان من العلماء قالوا لك: حق لكن ترى أنه ضرر و يترتب عليه آثار سيئة ، ماهو نص من كلام الله و من كلام الرسول و لا أصل ، إنّما يترتب عليه فتنة و فرقة ، فلا يجوز لك نشره حماية للأمّة من التفرق و التصدع و الفتن و إذا كان سلفيا ما يتكلم حماية لإخوانه السلفيين من التفرق و التمزق).اهـ

و الشاهد من هذ التذكير أن يربـأ السلفي الصادق الحريص على لمّ شمل إخوانه و جمع كلمتهم أن يكون كأولئك الذين لا هم لهم إلا تحديث الناس بكل ما في جعبتهم من أمور قد سمعوها من بعض مشايخهم أو أسروها لهم فيبثونها عند كل أحد في كل مجلس في النت و المنتديات العامّة ، غير آبهين بالفتن و الخلافات و التمزقات ، ولا مراعين لا جلب مصلحة و لا درء مفسدة مترتبة على ذلك.
فالحذر الحذر أن يكون الواحد منا سببًا لإيقاظ فتنة بين السلفيين هم في غنا عنها.
و الأدهى من ذلك و الأمر أن يكون هذا الكلام المبثوث المزروع و المنشور زورًا و بهتانًا ، فقل لي بربك كيف تلقى مولاك يوم القيّامة و النبي صلى الله عليه و سلّم يقول ( أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ) كررها ثلاثا؟!
كيف تكون نظرة عوام النّاس لك فضلًا عن السلفيين فضلًا عن طلبة العلم منهم ؟!

تذكر قول النبي صلى الله عليه و سلّم : (كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع) [مقدمة صحيح مسلم].
و الحاصل أن السلفي الأثري ينبغي له أن يكون مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر ماستطاع إلى ذلك سبيلا ، فقد أخرج الإمام ابن ماجة بإسناد حسن بمجموع طرقه –كما قال الألباني رحمه الله- أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (إن من النّاس مفاتيح للخير مغاليق للشر و إن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير ، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه ، و ويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه). [الصحيحة: 1332].

هذا و أسأل الله أن يعصمنا من الفتن ما ظهر منها و ما بطن ، و أن يوفقنا جميعًا للعمل بهدي النبي صلى الله عليه و سلم و هدي صحابته من بعده فإن في ذلك النجاة من الفتن و الخلاف، و أن يمن علينا كذلك بالعمل بنصائح العلماء الربانيين فإن العمل بنصائحهم و توجيهاتهم الفلاح و النجاح ، و أسأله جل و علا أن يرزقنا الإخلاص في كل ما نقوله و نكتبه و أن يستر علينا و لا يفضحنا إن ربي لسميع الدعاء ، و صلى الله على نبينا محمد
و على آله و صحبه
و سلم.
منقوووول

[/font][/size]
[/center]