صفات من .............................؟

صفات المتقين



إن الحمد لله نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً .

أما بعدُ :

وبعد أن ذكرنا معنى التقوى وشرفها وطريق الوصول إليها نرى من المفيد كذلك أن نتعرف على أصحاب هذه الرتب العليه ، والدرجات السنية ، حتى لا تدعيها النفوس وهى عارية منها ، وقد يكون العلم بها مما يشحذ الهمم فى طلبها ، وبذل نفائس الأنفاس فى خطبتها وقرانها .

يقول ابن القيم رحمه الله :
واما السابقون المقربون فنستغفر الله الذى لا إله إلا هو أولاً من وصف حالهم وعدم
الاتصاف به ، بل ما شممنا له رائحة ، ولكن محبة القوم تحمل على تعرف منزلتهم والعلم بها ، وإن كانت النفوس متخلفة منقطعة عن اللحاق بهم ، ففى معرفة حال القوم فوائد عديده :

منها أن لا يزال المتخلف المسكين مزرياً على نفسه ذاماً لها ، ومنها أن لا يزال منكسر القلب بين يدى ربه تعالى ذليلاًله حقيراً يشهد منازل السابقين وهو فى زمرة المنقطعين ،
ويشهد بضائع التجار وهو فى رفقة المحرومين ، ومنها أنه عساه أن تنهض همته يوماً إلي التشبث والتعلق بساقة القوم ولو من بعيد ، ومنها أنه لعله أن يصدق فى الرغبة واللجوء إلى من بيده الخير كله أن يلحقه بالقوم ويهيئه لأعمالهم فيصادف ساعة إجابة لا يسأل الله فيها شيئاً إلا إعطاه ، ومنها أن هذا العلم هو من أشرف علوم العباد ،
وليس بعد علم التوحيد أشرف منه ، وهو لا يناسب إلا النفوس الشريفة ، ولا يناسب النفوس الدنيئه ، فإذا رأى نفسه تناسب هذا العلم وتشتاق إليه وتحبه وتأنس بأقلة فليبشر بالخير فقد أهل له ، فليقل لنفسه : يا نفس فقد حصل لك شطر فاحرصى على الشطر الاخر ، ومنها أن العلم بكل حال خيراً من الجهل
ومنها أنه إذا كان العلم بهذا الشان همه ومطلوبه فلابد ان ينال منه بحسب استعداده ولو لحظه ولو بارقة ، ولو أنه يحدث نفسه بالنهضة إليه ، ومنها أنه لعله يجرى منه على لسانه ما ينتفع به غيره بقصده أو بغير قصده

والله لا يضيع مثقال ذرة فعسى أن يرحم بذلك العالم ، وإياك أن تظن أن بمجرد علم هذا الشأن صرت من أهله ، هيهات ما أظهر الفرق بين العلم بوجوه الغنى وهو فقير وبين الغنى بالفعل ، وبين العالم بأسباب الصحة وحدودها وهو سقيم وبين الصحيح بالفعل ، فاسمع الأن وصف القوم وأحضر ذهنك لشأنهم العجيب وخطرهم الجليل ، فإن وجدت من نفسك حركة وهمة إلى التشبه بهم فاحمد الله وادخل فالطريق واضح والباب مفتوح:

إذا أعجبتك خصال امرئ فكنه تكن مثل ما يعجبك
فليس على الجود والمكرمات إذا جئتها حاجب يحجبك

1- فمن صفات المتقين أنهم يؤمنون بالغيب إيماناً جازماً:
والغيب هو ما غاب عن حواسنا ما أخبرنا الله عز وجل بوجوده أو أخبرنا به رسوله صلى الله عليه وسلم ، كالإيمان بالله وملائكته والإيمان بالأخرة ، ولا شك أن هذه الصفة أخص صفاتهم ، فإنها التى تدعوهم إلى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والانقياد الكامل لأمر الله عز وجل
ونهيه ، وهذه الصفة هى أول صفة وصفهم الله عز وجل بها فى كتابه.

قال الله تعالى : ] ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [( البقرة : 2 – 4 )

ومدحهم الله عز وجل كذلك فى هذه الأيات الكريمات بأنهم أهل الهداية الحقيقية بالقرأن .

قال القاسمى : قال الناصر فى الانتصاف : الهدى يطلق فى القرآن على معنيين:
أحداهما : الارشاد وإيضاح سبيل الحق ومنه قوله تعالى :
] وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى [( فصلت : 17)
وعلى هذا يكون الهدى للضال باعتبار أنه رشد إلى الحق سواء حصل له الاهتداء أو لا .
والأخر: خلق الله تعالى الاهتداء فى قلب العبد ومنه :
] أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [ … ( الانعام : 90 )
فإذا ثبت وروده على المعنيين فهو فى هذه الأية يحتمل أن يراد به المعنيان جميعاً .

وعلى الأول فتخصيص الهدى بالمتقين للتنويه بمدحهم حتى يتبين أنهم هم الذين اهتدوا وانتفعوا به كما قال تعالى : ] إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا [( النازعات : 45 )
وقال ] إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ [ ( يس : 11 )

وقد كان صلى الله عليه وسلم منذراً لكل الناس فذكر هؤلاء لأجل أنهم هم الذين انتفعوا بإنذاره ، وهذه الأية نظير أية :] قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ [( فصلت : 44 )
2- ومن صفاتهم أنهم يعفون ويصفحون :

كما قال تعالى : ] وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [( البقرة : 237 )
وقد قال عز وجل :
] وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [(الشورى : 40 )

فأخبر الله عز وجل أن من اتصف بهذه الصفة فأجره فى ذلك على الله عز وجل كما رغبهم الله عز وجل فى مغفرته إذا فعلوا ذلك فقال عز وجل فى سورة النور ] وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [ ……( النور : 22 )
وقال تعالى فى وصف المتقين ] وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [( أل عمران : 134 )

قال العلامة محمد رشيد رضا :
قال الراغب : الغيظ أشد الغضب ، وهو الحرارة التى يجدها الإنسان من فوران دم قلبه ،
وفى روح المعانى : أن الغيظ هيجان الطبع عند رؤية ما ينكر ، والفرق بينه وبين
الغضب على ما قيل : أن الغضب يتبعه إرادة الانتقام البته ، ولا كذلك الغيظ .

وقال الزمخشرى : كظم الغيظ هو ان يمسك ما فى نفسه منه بالصبر ولا يظهر له أثراً ،
ويروى عن عائشة أن خادماً لها غاظها فقالت : لله در التقوى ما تركت لذى غيظ شفاء .
] وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [ العفو عن الناس هو التجافى عن ذنب المذنب منهم وترك مؤاخذته مع القدرة عليها ، وتلك مرتبة فى ضبط النفس والحكم عليها وكرم المعاملة قل من يتبوأها ،
فالعفو مرتبة قبل مرتبة كظم الغيظ ، إذ ربما يكظم المرء غيظه على حقد وضغينة ،
وهناك مرتبة أعلى منها وهى ما أفاده قوله عز وجل : ] وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [
فالإحسان وصف من اوصاف المتقين ، ولم يعطفه على ما سبقه من الصفات بل صاغه
بهذه الصيغة تمييزاً له بكونه محبوباً عند الله تعالى ويروى أن بعض السلف غاظه غلام له فجأة غيظاً شديداً فهم بالانتقام منه فقال الغلام ] وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظ [َ فقال : كظمت غيظى ،
قال الغلام : ] وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاس ِ [فقال : عفوت عنك . قال ] وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [
قال : اذهب فأنت حر وجه الله . فهذه الواقعة تبين لك ترتيب المراتب الثلاثة .

جزاك الله خيرا