صناعة السيارات الصينية: نمو مذهل يلفه الغموض

طرق الصين تعج بالسيارات من كافة الانواع والمناشئ


بينما تعاني اقتصادات العديد من الدول الغربية الامرين من تأثيرات الازمة الاقتصادية التي ما برحت تعصف بالعالم منذ سنتين تقريبا، وبينما تستعد هذه الدول لولوج عصر يتسم بالتقشف وشد الاحزمة على البطون، تتحدث الصين عن بزوغ حقبة جديدة من الرخاء حيث تعد صناعة السيارات فيها على وجه الخصوص العدة لمقارعة وتحدي عمالقة صناعة السيارات العالميين.
كنت في بكين قبل ايام بصحبة صديق اسمه ريك هال، وهو مؤسس اكبر شبكة توزيع مستقلة للسيارات في استراليا. كنا واقفين على مقربة من ساحة تين أن مين (السلام السماوي) الشهيرة في قلب العاصمة الصينية نحاول استشراف مدى تنوع ماركات السيارات المستخدمة في الصين من خلال مراقبة السيارات المارة في الطريق ذي العشرة ممرات الذي يقطع العاصمة.
وريك من المهتمين بتطور صناعة السيارات في الصين، وهو يزور البلاد منذ سنوات عديدة ويعتبر شاهدا على النمو المذهل لهذه الصناعة.
وتعبير “المذهل” هو المناسب فعلا لوصف ما يحدث في هذه الصناعة. فقد سبقت الصين اليابان في العام الماضي بوصفها اكبر منتج للسيارات في العالم. اما في هذه السنة، فقد بزت الولايات المتحدة لتصبح اكبر سوق للسيارات ايضا.
لست صحفيا خبيرا في شؤون السيارات، ولكني تمكنت، من وقفتي مع ريك على ناصية الطريق، من التعرف على العديد السيارات الامريكية والاوروبية واليابانية والكورية التي كانت تمر من امامنا.
ولكن ماذا عن منتجات شركات صناعة السيارات الصينية التي يربو عددها على العشرين والتي نمت في السنين العشرين الماضية؟
امعن ريك النظر في السيارات المارة امامنا، ثم هز برأسه وافرد ذراعيه وبدأ يضحك.
“مستحيل” قال ريك “كل هذه الانواع والاطرزة، انه لأمر مربك فعلا”.
تنفست الصعداء عندما شعرت بأن خبيرا محنكا في شؤون السيارات يشعر بنفس الذهول الذي اشعر به. ففي اليوم السابق، وفي المؤتمر الصحفي الذي عقد بمناسبة افتتاح معرض بكين للسيارات 2010 (وهو الآن بالطبع الاكبر من نوعه في العالم) شعرت بالحيرة فعلا.
مسألة هوية

بدا المعرض لاول وهلة كغيره من المعارض التي تعودنا عليها، فالموسيقى نفسها وكذلك الاضواء البراقة المنطلقة من كافة الاتجاهات واسراب الفتيات الجميلات اللواتي يبدو عليهن الضجر احيانا وهن يعرضن تشكيلة لا متناهية من السيارات المختلفة.
ولكن عند هذه النقطة بدأت تنتابني مشاعر الحيرة. فعند جناح شركة فولفو الشهيرة سألت عن الشركة الصينية - التي لا يتعدى عمرها الـ 12 عاما - التي اشترت فولفو مؤخرا من شركة فورد.
اقتربت من احد المستشارين الاعلاميين التابعين للشركة وقلت له: "كانت هذه السيارة سويدية في يوم من الايام، ثم اصبحت امريكية عندما اشترتها فورد، وهي الآن مملوكة لشركة صينية. اريد ان اعرف هويتها الحالية: هل هي سويدية ام امريكية ام صينية؟"
تجنب المستشار الاجابة على سؤالي، وسألني عوضا عن ذلك ما اذا كنت ارغب في تفقد السيارات من الداخل، او اذا كنت راغبا في الاطلاع على بعض النشرات الاعلانية.
بدا واضحا لي انه لم يكن يعرف الجواب. ولم يكن ذلك مفاجئا، حيث ان سيارات فولفو كانت تصنع في الصين قبل ان تشتري الشركة الصينية علامتها التجارية.
ولكن ماذا عن الماركات الصينية الجديدة المختلفة؟
في جناح احدى الشركات الصينية التي عرضت تشكيلة من سيارات الصالون، التقيت بمصمم اسباني يعمل لدى شركة رينو الفرنسية. كان المصمم يراقب تصاميم السيارات الصينية بدقة واهتمام.
قال لي مشيرا الى احدى السيارات المعروضة: “ان الخلف يشبه سيارة رينو ميجان، وبينما تشبه المقدمة سيارة مرسيدس سي ال اس.”
“اذن فهي سيارة صينية، اي تقليد للسيارات الاخرى”. كنت افكر في الشكاوى الا متناهية من الميل الصيني لقرصنة الموسيقى وبرامج الكمبيوتر.
هز المصمم الاسباني كتفه وقال مبتسما: "كلنا نقلد الآخرين. لهذا تتشابه السيارات الحديثة الى حد بعيد. المسألة الحقيقية هي جودة الانتاج والاناقة."
صعد الاسباني الى داخل السيارة وبدأ بفحصها، وقال "يمكن للقطع البلاستيكية ان تكون احكم صنعا، كما ان رائحة السيارة ليست كرائحة سيارة جديدة."
الا انه اضاف: "اعطهم خمس سنوات وسيصبحون منافسين اقوياء لرينو، لا شك لدي في ذلك."
تطلع الى الخارج

اثناء زيارتي لجناح احدى الشركات الصينية المتخصصة بانتاج السيارات الرياضية الفارهة، واثناء تفقدي باعجاب سيارة صينية الصنع تشبه الى حد بعيد سيارات فيراري الايطالية الشهيرة، التقيت بهيديشي ميسونو، رئيس المصممين الاسبق في شركة تويوتا اليابانية.
توقعت ان يسخر ميسونو من الميل الصيني للتقليد، ولكني وجدته قلقا على مستقبل صناعة السيارات في اليابان.
لماذا؟ يقول ميسونو إن طلبة التصميم الذين يدرسهم في اليابان ميالون الى التركيز على اليابان ذاتها، بينما يركز طلابه الصينيون على العالم الخارجي.
“اذا نظرت الى اعينهم عندما احدثهم” قال لي "ستعجب بهم فعلا، فهم ينظرون الى الخارج ويريدون ان يصبحوا مصممين من الطراز العالمي. وسوف يكون لهم ذلك ويلتحقون بركب العالم بسرعة."
من الناحية التقنية، تمكنت شركة صينية واحدة - BYD - من تخطي الجميع بالفعل. فالسيارة الكهربائية التي انتجتها مؤخرا مزودة ببطارية بلغت من التطور حدا دفع بالمستثمر الامريكي الشهير وارن بوفيت الى استثمار 250 مليون دولارا من ماله الخاص في الشركة.
اكتشفت فجأة اني - من خلال معرض السيارات - كنت اشاهد ملخصا للثورة الصناعية الصينية التي تمكنت بسرعة فائقة من التحول من لاشيئ الى ان تصبح المصنع الاكبر في العالم.
ولكن بقيت احجية واحدة: لماذا لا تصدر الصين نسبة اكبر من السيارات التي تنتجها الى الخارج؟
يجيب صديقي ريك هال: "المسألة بسيطة جدا، فالطلب على السيارات داخل الصين من القوة بحيث لا يحتاج المنتجون الى تصدير سياراتهم الى الخارج. ولكن انتظر حتى يقررون العكس، وعندئذ سترى المنافسة الحقيقية (للمنتجين الغربيين)."
وقد بدأت هذه العملية فعلا في استراليا، حيث قرر ريك في العام الماضي للمرة الاولى استيراد بعض السيارات الصينية الصنع.
ويقول ريك إن زبائنه وقعوا في حب هذه السيارات.

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
تسلم على الموضوع