عمارة المسلمين في عهد الرسول ﷺ وخلفاؤه الراشدين

عمارة المسلمين في عهد الرسول ﷺ وخلفاؤه الراشدين

جامعة نجران - كلية الهندسة - قسم الهندسة المعمارية - مسفر اليامي

مقدمة تاريخية:

عندما ظهر الدين الإسلامي في القرن الأول من الهجرة (القرن السابع الميلادي)، تميز بالبساطة الشديدة والصرامة، حيث أثرّت هاتين الخاصتين على طراز العمارة الإسلامية في ذلك الوقت، وإذا نظرنا إلى المسجد النبوي الشريف ومسجد قباء ومسجد القبلتين في طابعها الأول، فإننا نجد أمثلة لأسلوب معماري بسيط وغير معقد، ومن الحقائق المعروفة أن الإسلام قد ظهر في شبة الجزيرة العربية، في بيئة صحراوية يغلب عليها تأثير البداوة، الأمر الذي دعا البعض لقول أن شبة الجزيرة العربية في ذلك الوقت كانت تعاني من فراغ عمراني يذكر في ذلك العصر، بالرغم من وجود آثار مهمة لحضارات قديمة في جنوب وشمال شبة الجزيرة العربية (شافعي، 1981).

بطبيعة الحال لم يبدأ التطور الحقيقي للعمارة والحضارة الإسلامية إلا بعد أن قامت بعض الشعوب الأخرى التي بها حضارات قديمة مثل حضارة مصر وبلاد الفرس وغيرهم، باعتناق دين الإسلام ليصبح دينًا لهم، وبالتأكيد أن العمارة الإسلامية قد ورثت خبرات عديدة من الحضارات القديمة التي تسبقها، مثلها في ذلك مثل غيرها من مراحل التطور والنمو التي تسبقها لتبدأ حقبة جديدة لها أساليبها الخاصة بها وأنواع منشآتها ومبانيها الجديدة والمتميزة، وأيضًا لها أساليبها الإنشائية التي تتميز بها، إضافةً إلى العناصر الزخرفية والجمالية، كما يمكن القول إن الحركة المعمارية في الدول الإسلامية بدأت مع هجرة الرسول الكريم محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم مع أصحابه إلى المدينة المنورة لتأسيس دولة بها، وذلك حينما أختار المكان المناسب لبناء داره ومسجده، فرغم بساطة البناء والإنشاء إلا أن تصميم المسجد الأول في المدينة المنورة كان أصح الأقوال هو أساس التأثير بالمساجد التي تليه (Spahic، 2010).

ولد الرسول صلى الله عليه وسلم يتيم الأب في مكة المكرمة سنة 570م، أي قبل اثنين وخمسين سنة من الهجرة، أتته رسالة النبوءة وهو في الأربعين من عمره، كما قضى بمكة ثلاثة عشر سنة يدعو أهلها للإسلام، ثم هاجر للمدينة المنورة وقضى فيها ما يقارب عشر سنوات قبل أن ينتقل لله سبحانه وتعالى، أتى بعده خلفاؤه الراشدين رضي الله عنهم، أولهم أبي بكر الصديق الذي قضى أقصر مدة في الخلافة وكانت سنتين، ومن ثم خلفه عمر بن الخطاب، وبعده عثمان بن عفان الذي قضى أطول مدة في الخلافة حيث كانت اثنتا عشر سنة، وآخر الخلفاء الراشدين الأربعة رضوان الله عليهم كان علي بن أبي طالب، وبالتالي تكون مدة عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدين من عام 661م وحتى عام 664م، أي ما يقارب ثلاثة وخمسين عامًا، كما يبيّن الشكل رقم (1) الفتوحات الإسلامية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين (الذهبي، 748).

image

شكل رقم ( 1 ): خارطة الفتوحات الإسلامية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدين. المصدر: MEDIUM

تمهيد:

جسّدت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة نقطة البداية وحجر الأساس في تاريخ العمارة الإسلامية؛ حيث كان لمزاولته مهام القيادة في المدينة المنورة أثرًا في التكوين الداخلي للعمارة في المدينة، فيما بعد استُحدثت وظائف جديدة داخل المدينة لكي تتناسب مع كونها عاصمةً للدولة الإسلامية، التي اتخذت الإسلام منهجًا، ومنذ ذلك الحين بدأت تتضح العمارة في الحضارة الإسلامية، فبعدما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة جثت ناقته عند موقع مسجده، فقد كان في ذلك الوقت مكانًا يصلي فيه رجالًا من المسلمين، فاشتراه الرسول صلى الله عليه وسلم بعشرة دنانير، وكان يوجد بالموقع شجر الغرقد ونخيل وقبور للمشركين، فأمر صلى الله عليه وسلم بقطع الأشجار والاستفادة منها ونقل القبور احترامًا لها، بعد ذلك بنى هو وأصحابه الكرام المسجد النبوي الشريف من مواد بسيطة كاللبن والحجارة وسعف النخيل، يوضح الشكل رقم (2) المسجد النبوي الشريف في وسط المدينة (عزب، 1418).

بيّن عزب (1418) أن وظيفة المسجد النبوي تعتبر أول وظيفة أحياها الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، فليس مكانًا للصلاة والعبادة وحسب، وإنما كان له تأثير سياسيًا وحضاريًا واجتماعيًا وأيضًا ملتقى علميًا، كانت هذه من وظائف التي يؤديها المسجد الشريف، التي جعلت مكانته أكثر من كونه مركزًا للعبادة، فقد كان أهم مكان في المدينة المنورة.

image

شكل رقم (2): صورة توضيحية للمسجد النبوي متوسطًا المدينة ومنازل المسلمين.

المرجع: عبد الغني، محمد. (1418). المساجد الأثرية في المدينة النبوية.

استنتج عزب (1418) دروسًا معمارية مستوحاة من الرسول صلى الله عليه وسلم في بناء المسجد النبوي الشريف في المدينة، أولها عند اختيار الأراضي التي يرغب بالبناء عليها، وتكون ذات ملكية خاصة، فيجب أخذ موافقة ملّاكها وتقدير سعرها وشرائها في حال رغبوا بالبيع، أما الثاني فهو في تهيئة الموقع وإحضار مواد البناء، فبينما يتم تنظيف الموقع من الأشجار، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتجهيز اللبن، الذي يحتاج وقت محدد لكي ينشف ويصبح صالح للاستخدام في البناء، كل هذا من أجل كسب الوقت، وهذا يشبه النمط المتبع في عصرنا الحالي، عند وضع الجداول الزمنية المحددة لإنجاز عناصر أي مشروع، حيث بالإمكان تنفيذ مرحلتين أو أكثر في وقت واحد، مما قد يوفر مدة إنشاء المشروع، والدرس الثالث كان في استغلال مواد البناء المتوفرة في البيئة المحيطة، حيث استخدمت جذوع النخيل في الأعمدة، والجريد في السقف، واللبن في حوائط المسجد، والتي كانت متوفرة في المدينة المنورة، وكان رابع الدروس أنه كان يشجع أي عنصر جديد يمكن أن يضاف إلى المسجد، فيسهل من فعالية وظيفته، فكانت القناديل التي أسرجها تميم الداري نموذجًا على ذلك، فقد ترك حرية الإبداع والابتكار عند المسلمين في المسجد، وفق الضوابط الشرعية.

السمات المميزة للعمارة في هذه الفترة:

شرع الرسول صلى الله عليه وسلم في تحديد وظائف المدينة من الداخل، فشيّد منازله بجانب المسجد النبوي، حيث كانت مبنية من اللبِن، وكانت جذوع النخيل والجريد مستخدمة في الأسقف، وقواطعها الداخلية من الجريد المكسي بالطين، وكانت أبوابها ونوافذها مبنية بإتقان حيث تم استغلال التهوية، فقد كانت مرحبة في الدخول إلى المقصد والخروج بكل سلاسة، فكانت البساطة والخصوصية والتوافق مع البيئة المحيطة هي من المتطلبات التي يلزم توافرها في المسكن الإسلامي، فقد انعكست كثيرًا على عمارة المساكن عبر الحضارات الإسلامية، وكان لتقسيم السكان في أحياء المدينة ذو أهمية كبرى، فكل حي كانت تسكنه قبيلة أو أسرة، وكانت مسئولية توزيع السكان في يد الرسول صلى الله عليه وسلم باعتباره القائد، فكان يقسّم القبائل والأسر في أحياء معينة، ويترك حرية التقسيم والتخطيط للقبيلة، كما كانت البيوت مبنية من اللبن والجريد ومغطاه بالطين، وكانت عبارة عن طابق بناء واحد، حتى عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأصحبت بعض البيوت من أكثر من طابق، كما حدّد صلى الله عليه وسلم موقع سوق المدينة في المناخة، وكان يهمه أن يكون في المدينة سوق، حيث لا يدوم الاستقرار إلا به، واهتم الرسول صلى الله عليه وسلم في تحصين المدينة، فأمر بحفر خندق بطول حوالي 1200 ذراع، أي حوالي 600 مترًا (شافعي، 1981).

أدت التوسعات التي صحِبت حركة الفتوحات الإسلامية في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إلى إقامة عدد من المدائن والقواعد العسكرية، والتي تحولت فيما بعد إلى مدن، وكان أولها هي مدينة البصرة التي أسسها عقبة بن غزوان سنة 12هـ (633م)، ثم الكوفة التي كان تأسيسها سنة 17هـ (638م)، ثم مدينة الفسطاط التي أسسها عمرو بن العاص سنة 21هـ (642م)، وبعدها القيروان التي تأسست سنة 45هـ (665م) من قبل عقبة بن نافع (عزب، 1418).

أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ببناء مدينة الفسطاط في مصر سنة 21هـ (642م)، والتي كانت في موقع نموذجي على ضفاف نهر النيل، فبدأ ببنائها عمرو بن العاص، وشيّد بها المسجد الجامع، وكان يسمى أيضًا على اسمه، وكان يبلغ مساحة 25*15م، كما شيّد عمرو في الجهة الشرقية من المسجد دار الإمارة، وبنى أيضًا دارًا له بجانبه، وكانت الأسواق تحيط بالمسجد، وتوجد أيضًا مساجد صغيرة غير المسجد الجامع، كانت خاصة بالقبائل وموقعها في ضواحي تلك القبائل، مثل مسجد المهرة، والمسجد الأبيض وغيرها، وأمر أيضًا بتأسيس مدينة البصرة التي شيدها عقبة بن غزوان سنة 12هـ (633م)، وكان موقعها عند ملتقى نهري دجلة والفرات، فبناء في منتصفها مسجد، كما شيدت بها قواعد عسكرية أيضًا، أما مدينة الكوفة التي أسسها سعد بن أبي وقاص فكانت تشبه مدينة البصرة من ناحية التخطيط، فقد كان في منتصفها مسجد تؤول إليه طرق المدينة، التي كان يبلغ عرضها ما يقارب إحدى عشر مترًا إلى إثنين وعشرون مترًا، ففي عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه أصبحت الكوفة عاصمةً للخلافة الإسلامية (عزب، 1418).

فيما يلي بعض المباني والمنشآت المهمة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدين:

المسجد النبوي الشريف.

بناه الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة الأولى من الهجرة (622م)، فكان يبلغ من الطول سبعين ذراعًا في عرض ستين ذراع، أي حوالي طول 35 مترًا، وعرض 30 مترًا، أما ارتفاع سقف المسجد فكان خمسة أذرع، أي ما يقارب 2.5 مترًا، كما جعل الأساسات من الحجارة والجدران من اللبن، وكانت الأعمدة من جذوع النخل، وأما السقف فكان من الجريد، كما يوجد به ثلاثة أبواب، باب في مؤخر المسجد الذي أصبح فيما بعد باتجاه القبلة، وبابان أحدهم باب الرحمة، وأما الآخر فكان يسمى بباب جبريل، وكانت قبلته إلى المسجد الأقصى، وعندما حولت لمكة، تم إغلاق الباب الجنوبي وفتح باب في جهة القبلة القديمة، وكانت أسقف الأروقة الثلاثة مغطاه بالجريد، كما بنى عريش لأهل الصفة وهم فقراء المهاجرين في الجزء الجنوبي من المسجد، انظر الشكل رقم (3) والشكل رقم (4) (عبد الغني، 1416).

image

شكل رقم (3): المسجد النبوي الشريف عندما كانت القبلة إلى القدس. المصدر: Nabimuhama

image

شكل رقم (4): مسقط المسجد النبوي الشريف. المصدر: Zhihu.com

توسعة المسجد النبوي في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم:

قام الرسول صلى الله عليه وسلم بالتوسعة الأولى للمسجد النبوي في السنة السابعة من الهجرة (628م)، وكان سبب توسعته نظرًا لزيادة أعداد المسلمين، فقد زاد أربعين ذراع في العرض من الجهة الغربية، وثلاثين ذراع في الطول من الجهة الشمالية، أي ما يقارب عشرون مترًا عرضًا، وخمسة عشر مترًا طولًا، حتى أصبح المسجد مربع الشكل، فأصبحت مساحته الكلية مئة ذراع في مئة ذراع، أي خمسين مترًا في خمسين مترًا، وزاد ارتفاعه مترًا، فأصبح ارتفاعه 3.5 مترًا، أيضًا تم وضع منبر عبارة عن مقعد من درجتين، كما تم نقل عريش أهل الصفة للجهة الشمالية نظرًا لتحويل القبلة إلى مكة، انظر الشكل (5) والشكل (6) (عبد الغني، 1416).

image

شكل رقم (5): المسجد النبوي بعد التوسعة الأولى. المصدر: Mafaza

image

شكل رقم (6): مسقط المسجد النبوي بعد التوسعة الأولى. المصدر: ،Kharisma

المسجد في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم:

تولى الخليفة أبو بكر الصديق الخلافة الإسلامية بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يضيف أية تغييرات في المسجد النبوي، سوى أنه قام بتغيير جذوع النخيل القديمة بأخرى جديدة، لأنه كان منشغلًا في حروب الردة عن الإسلام، وأيضًا لقصر مدة خلافته، فقد انتهت خلافته بعد وفاته سنة 13هـ (634م) (عبد الغني، 1416).

توسعة المسجد النبوي في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

وضّح عبد الغني (1416) التوسعة الثانية للمسجد النبوي التي كانت في عهد الخليفة عمر بن الخطاب في سنة 17هـ (638م)، فقد بنى أساساته من الحجارة بعمق 1.8 مترًا، وزاد من ناحية القبلة نحو عشرة أذرع، أي حوالي خمسة أمتار، وأما من ناحية الشمال فزاد ثلاثين ذراعًا، أي حوالي خمسة عشر مترًا، وفي الناحية الغرب فزاد عشرين ذراعًا، أي حوالي عشرة أمتار، أما من ناحية الشرق فلم يزد فيها شيئًا، وبالتالي أصبح طول الكلي للمسجد من الشمال إلى الجنوب، 140 ذراعًا (70 مترًا)، وأما العرض فكان يساوي حوالي 120 ذراعًا (60 مترًا)، وأصبح ارتفاع سقف المسجد 11 ذراعًا (5.5 مترًا)، كما بقيت الأعمدة والمنبر على شكلها السابق، وأيضًا تم فتح باب يسمى باب السلام في الجدار الغربي، وباب النساء في الجدار الشرقي، وباب إضافي في الجدار الشمالي، وفرشت أرضية المسجد بالحصباء (أحجار صغيرة)، كما أضيفت في الجهة الشرقية من المسجد دكة خارجية، كان ارتفاعها ذراعًا واحدًا، أي حوالي نصف المتر، وسميت بالبطيحاء، انظر الشكل رقم (7) والشكل رقم (8).

image

شكل رقم (7): المسجد النبوي الشريف بعد التوسعة الثانية. المصدر: .Kharisma

image

شكل رقم (8): مسقط المسجد النبوي الشريف بعد التوسعة الثانية. المصدر: كلية الآثار بمصر.

توسعة المسجد النبوي في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه:

قام الخليفة عثمان بن عفان بالتوسعة الثالثة للمسجد النبوي في سنة 29هـ (649م)، فكانت التوسعة من جهة الجنوب وهي جهة القبلة، ومن جهتي الغرب والشمال، فأضاف من جهة الجنوب رواقًا، ووضع جداره في القبلة موضع مكانه حتى اليوم، حيث لم تتم بعده أية زيادات، كما أضاف رواقًا من الجهة الغربية، وزاد عشرة أذرع من الجهة الشمالية، وبالتالي كانت توسعته من جهاته الثلاث بمقدار عشرة أذرع أي حوالي خمسة أمتار، كما بني من الحجارة المنقوشة والجص، وكانت سقف المسجد مغطى بخشب الساج، وهو خشب كان يأتي من الهند، وله رائحة طيبة، وأما أعمدة المسجد فكانت من الحجارة المنقورة والمحشية بالرصاص والحديد، كما بنى أيضًا المقصورة وهي مقام الإمام من لبن، ووضع بها طيقان، ليرى المسلمين منها الإمام، فالطيقان هي الفراغ الذي يقع بين كل حديدتين في الشباك، انظر شكل (9) وشكل (10) (عبد الغني، 1416).

image

شكل رقم (9): المسجد النبوي الشريف بعد التوسعة الثالثة. المصدر: Hajjumrah.

image

شكل رقم (10): مسقط المسجد النبوي بعد التوسعة الثالثة. المصدر: كلية الآثار بمصر.

بعد استشهاد عثمان بن عفان رضي الله عنه، انتقلت الخلافة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ففي عهده لم يكن هناك ما يلزم التوسعة أو البناء، فبقي على حاله حتى توالت التوسعات للمسجد النبوي، من عهد الدولة الأموية حتى التوسعة الثامنة في عهد الملك عبد العزيز -رحمه الله- (عبد الغني، 1416).

مسجد قباء.

هو أول مسجد بني في المدينة، أسّسه الرسول صلى الله عليه وسلم في أول يوم من التاريخ الهجري، بقرية قباء في الجنوب الغربي من المدينة المنورة، وذكرت بعض المراجع التاريخية أن المسقط الأصلي عبارة عن قطعة أرض مربعة الشكل، محاطة بسور مبني من الحجر المأخوذ من جبال المدينة، ولم تكن به أروقة مغطاة عند بنائه، كما ذُكر أنه توجد في المسجد بئر نُسبت لأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وفي عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، قام بتحسينه وتجديده، فزاد في مساحته، كما لم يخرج عن بسطاته كما في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، كما أقام عمر بن عبد العزيز مئذنة للمسجد، والتي تعتبر أول مئذنة أقيمت فيه، وتوالت عليه التوسعات والتجديدات من العهد الأموي، حتى العهد السعودي (عبد الغني، 1418).

مسجد الفتح.

يقع المسجد على جبل سلع بالمدينة، ضمن الساحة المعروفة بساحة المساجد السبعة، كما أنه يعد أكبر تلك المساجد، بناه عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فقد كان له رواقًا وحيدًا ذو ثلاث أعمدة، ثم تهالك مع الوقت، فجدده الأمير سيف الدين 575هـ، فجعله رواقً واحدًا، وله ثلاثة عقود، بُني من حجارة البازلت (حجارة سود)، ومسقطه عبارة عن إيوان طوله سبعة عشر ذراعًا، أي حوالي 8.5 أمتار، كما كان ارتفاعه 4.5 أمتار، كما أقيم له محراب صغير في جدار القبلة، وينفتح الجدار الشمالي للإيوان على ساحة صغيرة مسورة، بطول 8.5 أمتار، وذو عرض 6.5 أمتار، كما أيضًا كُسيت الحوائط من الخارج والداخل بالجير الأبيض (عبد الغني، 1418).

مسجد الجامع ( تاج الجوامع).

بناه عمرو بن العاص رضي الله عنه في سنة 21هـ (642م)، بأمر من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد بني بمدينة الفسطاط في مصر، كما أنه شُيد على ضفاف نهر النيل، بمساحة تقدر 50 ذراعًا في 30 ذراعًا، أي 25 مترًا في 15 مترًا، فقد بنيت جدران الجامع من الطوب اللبن والآجر، وكان سقف المسجد منخفضًا، ومبنيًا من الجريد والطين، وكان له بابان واحدًا في الشرق، والآخر في الغرب، أيضًا كانت توجد به بئر، تعرف باسم البستان، فقد كانوا المسلمون يستخدمونها للوضوء، توالت عليه التجديدات والتوسعات مع مرور الزمان، حتى أصبحت مساحته الكلية 13.200 مترًا (عزب، 1418).

الرأي والخلاصة:

يعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدين رضوان الله عليهم، هم أول المهندسين للعمارة الإسلامية، فمن عهدهم بدأت مسيرة العمارة الإسلامية بالانتشار في شتى أنحاء الجزيرة العربية وما جاورها، فقد أثرت تلك العمارة تأثيرًا وصل إلينا في هذه الأوقات، كيف لا وفي تلك الحبقة بنيت أول المساجد، وأُسست أول المدن الإسلامية، المدنية منها وكذلك العسكرية، فقد كانت تتسم تلك الحبقة، بالبساطة وعدم التعقيد، فما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما يتعلق بالعمارة بشكل عام، يرتقى إلى البذور التي تم حصاد محصولها في وقت لاحق خلال الحقبة الأموية والعباسية وما بعدها.

المراجع:

الذهبي، شمس الدين. (748). تاريخ الإسلام . دار الكتاب العربي: لبنان.

شافعي، فريد. (1981). العمارة العربية الإسلامية ماضيها وحاضرها ومستقبلها . مكتبة جامعة الملك سعود: الرياض.

عبد الغني، محمد. (1416). تاريخ المسجد النبوي الشريف . مكتبة الملك فهد الوطنية: المدينة المنورة.

عبد الغني، محمد. (1418). المساجد الأثرية في المدينة النبوية . دار الرشيد: المدينة المنورة.

عزب، خالد. (1418). تخطيط وعمارة المدن الإسلامية . وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: قطر.

Foreign References:

Spahic, Omer. (2010). Some Lessons from Prophet Muhammad (SAW) in Architecture: The Prophet’s Mosque in Madinah . Intellectual Discourse, 18(1).‏

إعجاب واحد (1)