لماذا يعتنق الأوروبيون الإسلام؟

لماذا يعتنق الأوروبيون الإسلام؟

“لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك” سمعتها بلكنات غربية عديدة، في منتصف شهر فبراير الماضي على متن الطائرة المتجهة من برلين إلى جدة، والتي كانت تقل الحجيج من الولايات المتحدة، وبلجيكا وفرنسا، وسويسرا، وألمانيا، وهاييتي.

جلس إلى جواري شاب في الخامسة والعشرين من عمره، شعره أحمر، ولحيته كثيفة، ينقل طوال الرحلة آيات وأدعية متعلقة بالحج، في دفتر قديم، يكتب باللغة العربية أولا، بخط بديع، ثم يكتب النطق بالحروف اللاتينية، ويسألني كل خمس دقائق أو أقل، عن معنى كلمة أو كيفية تشكيل حرف. ثم بدأ يردد نشيد “طلع البدر علينا”، معتبرا أنه من أذكار زيارة المدينة المنورة.

يتكلم بشوق منقطع النظير عن الكعبة، والمدينة، وعن سعادته بأن تطأ قدماه أخيرا، “أرضا لايعبد فيها غير الله”، يلعن وسائل الإعلام الغربية التي لا تعرض سوى الخبائث، ولا يحن لبلاده التي لا يجد فيها محلا ينظر إليه، فالحوائط مليئة بالإعلانات العارية، والصحف والمجلات لا تختلف كثيرا في ذلك.

سألته عن عمله، فقال إنه لا يجد من يقبل به موظفا عنده، رغم أنه يحمل شهادة عليا في الدراسات الكيميائية، ولكن لباسه العربي، وإصراره على الصلاة في المسجد، وعدم قبوله في البقاء وحده في غرفة مع موظفة شابة، اضطرته للبقاء عاطلا عن العمل.

هو مواطن من ألمانيا الشرقية سابقا، انهارت الشيوعية، وشعر بفراغ في حياته، وأحس بغربة في ألمانيا الجديدة، وهيمنة قيم الرأسمالية، ونمط حياة لم يعرفه من قبل، ولا يقبل به قلبه، ففتش عن هوية جديدة يختارها، غير مفروضة عليه. فوجد من دله على الطريق إلى الإسلام، فآمن بأن خير طريق في هذه الحياة، وفي الآخرة هو “الصراط المستقيم”.

شاب آخر البسمة لا تغادر ثغره، لا تراه إلا قادما من المسجد الحرام، أو رائحا إليه، طلبت منه أن نذهب سويا يوما لرمي الجمرات، فوافق، وسألته عن سبب إسلامه، فرد باستخفاف من هذا السؤال: “لأن الله هداني”، وقال إن له توأما يشبهه في كل شيء، وفي مرة وجد شابا عربيا، يقابله في الطريق، يعانقه بحرارة، ويصر على دعوته لتناول القهوة عنده، وفهم منه في أثناء الحديث، أنه يقصد أخاه، ولكن لا ضير من دعوته هو أيضا، ولم يطل الحديث بينهما، حتى عرض عليه الشاب العربي الإسلام، فاستغرب كثيرا من هذا الأسلوب،فكيف يقتنع بعقيدة لم ولا يفكر في التعرف عليها. فرد عليه الشاب المسلم بأن “من عرف الإسلام، لا يهدأ له بال حتى ينطق الشهادة، والأفضل له أن يعجل بها”.

قال ذهبت إلى البيت مستاء من هذا التكهن، بأني سأصبح مسلما، ولكني استغربت من هذه الثقة التي شعرت بها في حديث هذا الشاب العربي المسلم. ثم وجد نفسه يفكر في حياته، أب بروتستانتي، وأم كاثوليكية، لكن الدين لا يعني لأي منهما شيئا، حيث لم يلتقيا عند تفهم كل منهما لمذهب الآخر، بل لأنهما اتفقا على أن يجعل كل منهما دينه خلف ظهره.

يقول وقعت أحداث غريبة في حياتي، مثل انتحار صديق لي في العشرين من عمره، ثم انتحارزميلة لي بعد عامين. كان يتفق مع كليهما في الشعور بالغربة في هذه الحياة، وعدم القدرة على فهم العالم المحيط. كان ثلاثتهم يعشقون الوحدة، حتى حين تزوج لم يشعر أنه يقتسم حياته مع إنسان آخر، بل زادت تعقيدات الحياة، وشعر بأن الفراغ الداخلي لا يزيده فراغ الآخرين إلا تعاسة.

وفي مرة ذهب إلى محطة القطار، وشعر أنه نسي إلى أين يريد أن يسافر، ونظر حوله فأحس بأن العالم حوله تائه ضائع، البعض يفقد الطريق إلى محطة القطار، والبعض يصل إلى المحطة ولا يعرف إلى أن يريد السفر، وأي قطار يأخذ، أما المسلم وحده، فهو الذي يعلم تماما أنه يريد السير في طاعة الله، وجنته هي الهدف، ويعرف ما يوصله إلى هناك، دون حاجة لتغيير القطار في الطريق.

عاد للبيت يفتش عن الترجمة التي أهداها إليه الشاب العربي، وأخذ يقرأ فيها، فإذا بالكثير من الأسئلة التي كانت تنغص عليه حياته، تجد أخيرا الإجابات الشافية، عرف لماذا خلقه الله، وكيف يعبده، وكيف ينظر إلى الرسالات السابقة، وكيف تكون الآخرة، وما هي صفات الله، وكيف يفهم نقائض هذا العالم، شعر أخيرا على حد قوله ب “اليقين”، وكأنما فعل ما أمره الله به “فاعبد ربك حتى يأتيك اليقين”.

وبدأ يلحظ على نفسه تصرفات لم يألفها من قبل، فلا يأكل إلا بيده اليمنى، ولا يبدأ الطعام قبل أن يستحضر فضل الله عليه، ولا ينام إلا على جنبه الأيمن، ولا ينفرد بإمرأة أجنبية عنه، ويأنف أن يستخدم اسم المسيح بدلا من الله في حديثه.

وفي ليلة من ليالي شهر أغسطس الماضي، شعر بأن الشهادة تتردد داخل صدره، وأنه لابد أن ينطق بها في أسرع فرصة، حاول الاتصال بصديقه المسلم فلم يعثر عليه، ترك له رسالة هاتفية بضرورة الاتصال به، ولكنه لم يرد عليه. قضى ليلة شعر فيها بأنه يفقد هويته غير المسلمة، وأن نبتة جديدة تتفتق داخل قلبه.

جاء إليه صديقه العربي في اليوم التالي مصطحبا معه زميلا له، لكنه لم يترك له الفرصة ليقول له إنه يريد النطق بالشهادة، بل أخذ يمارس الدعوة معه، ويلاحقه بالحجج، دون أن يدعه يتحدث، وقبل أن ينصرف تمكن (عبد الحق) –وهذا اسمه بعد اسلامه- أن يقول له، إن ما ذكره له عن الشهادة التي تتردد داخل الصدر، حتى تنطلق منه، صحيح وإنه قد وصل إلى مرحلة اليقين.

ولكن الشاب العربي المسلم ودعه، غير مكترث بما قاله له عبد الحق، ولكن بعد ساعة اتصل به، وطلب منه أن يكرر له ما قاله عند انصرافه، ولم يصدق أذنيه، وعاد ليأخذه لينطق بالشهادة في المسجد، ويقطع على نفسه العهد بألا يدع صلاة تفوته، وألا يقرب المعاصي، بل يحاول التكفير عما فاته في عمره.

في الأيام التالية لاحظ زملاؤوه في العمل أنه تغير، فالاستراحة لم تعد مخصصة لتناول الطعام معهم، بل ليهرول مسرعا إلى المسجد، والزميلات أصبحن يشتكين من عدم مخاطبتهن إلا كتابيا، وهو ما يشكل صعوبة في بعض الأحيان، لأنه فني أسنان صناعية، ويحتاج الأمر إلى تشاور في العديد من التفاصيل، ولكن الزملاء ما عادوا يطيقون “إن شاء الله” التي ينطقها عشر مرات في كل دقيقة.

استدعته صاحبة العمل وسألته عن سبب توتر علاقته بزملائه، وزميلاته بصورة خاصة، فقال لها إنه ليس مستعدا أن يتنازل عن قناعته بأن مشيئة الله تسبق كل شيء، وأنه لن يرضيهم على حساب دينه، فهو يعلم أن الرزق بيد الله، وأنه لن يهمل في أدائه لعمله مطلقا، ولا يأبه لآراء من معه، فطلبت منه أن يتوقف عن الدعوة لدينه في كل مناسبة، والاستهزاء من زملائه. ثم دعته للاحتفال بعيد ميلادها، فسألها كيف تحتفل بهذه المناسبة، وهي لا تشكر خالقها على أن أوجدها، ولا تقوم بحقه عليها، ثم تركها وقد فغرت فاهها، من الدهشة.

وعن علاقته بأسرته، قال إن أخاه لم يتغير، لأن الدين لا يعني له شيئا، وأمه تعرف بعض الجارات التركيات، وترى أن الإسلام دين طيب، مادام يعطيه الراحة والطمأنينة، أما أبوه فيرى فيه “الشخص الإرهابي العدواني المستعد للقضاء على الحضارة والمدنية، من أجل بعث أفكار، ترددها حفنة من المجانين”، ولا يفوت أبوه الموظف في الحكومة فرصة إلا ويكيل له السب والنقد، لكن عبد الحق يحرص على أن يكون بارا بوالديه، كما أمره دينه، حتى وإن قسيا عليه، وضايقاه، بل وآذياه.

ويقول إنه عرف المال الكثير، ولم يشعر بالسعادة، وعرف الزوجة الجميلة، ولم يعرف السعادة، وحصل على الوظيفة الموموقة، ولم يعرف السعادة، وجرب كل شيء في الدنيا، فلم يشعر يوما، بلحظة واحدة من الطمأنينة والسعادة، التي تملأ صدره، منذ أن فتح الله قلبه لدينه.

ثم شاهدت أخوين ملامحهما عربية، في كل مرة يخاطبهما شخص عربي، يعتذران بأدب جم عن عدم إتقانهما لهذه اللغة. عجبت لأمرهما، وتحدثت معهما، فوجدتهما من أكراد تركيا. ورغم أنهما في العشرين من عمرهما، لكنهما لم يسلما –حسب قولهما- إلا قبل ثلاثة أعوام. عجبت لقولهما، فأوضحا لي أن أباهما شيوعي، من أنصار حزب العمال الكردستاني الذي كان يتزعمه عبد الله أوجلان –المسجون حاليا في تركيا-، والذي لم يؤد الصلاة في حياته أبدا، ولم يعرفهما عن الإسلام شيئا، وحين كان المعلمون يسألونهما عن دينهما، يقولان إنهما بلا دين، كما علمهما أبوهما.

صدمني ذلك، واستنكرت ما فعله أبوهما، فقالا إن حزب العمال الكردستاني كان بوتقة لكل الطوائف، من السنة والشيعة والعلويين واليزيديين والمسيحيين، فكان يمحو عنهم ما يفصل بينهم من عقائد أو ملل، ليتوحدوا على اللادين، من أجل استقلال كردستان عن تركيا.

وقبل ثلاث سنوات سافر أحد الأخوين إلى تركيا، وجلس مع عمه في متجر لإصلاح الساعات، وحان وقت الصلاة فقام يصلي، واستغرب الشاب القادم من الغرب ذلك، فسأله العم عن الخالق، فقال له إنه تعلم من أبيه أن “العالم نشأ وحده”، فطلب العم منه أن يقابله في الساعة السابعة مساء في الضفة الأخرى من البحيرة، وذهب الشاب وانتظر حتى الثامنة، ولما أوشك على الانصراف ظهر العم، واعتذر عن التأخر مبررا ذلك بأنه كان في الطريق، فسقط الجسر، ثم فجأة عاد من تلقاء نفسه سليما، فضحك الشاب من هذه الفكرة، فرد عليه العم: “تستبعد أن ينصلح الجسر وحده، وتؤمن بأن العالم كله ينشأ من تلقاء نفسه”.

وأخذ العم يلقنه دينه من الألف حتى الياء، علمه الصلاة، ومعناها، وعلمه أهمية مراقبة الله في السر والعلن، فأسرع الشاب يتصل بأخيه في أوروبا، يخبره بما حدث له، فسخر منه أخوه، مذكرا إياه بنمط الحياة الذي اعتاده، من شرب للخمور، وفساد في الأخلاق لاحد له، فقال له إن الله هداه، ولن يعود لذلك.

وفعلا بعد عودته من الرحلة التي استغرقت أسبوعين، لم يفرط في آداء الصلاة، وبقى على ذلك، وظن أهل البيت أنها نوبة سنتنهي بعد حين، ولكن لما استمرت طويلا، ورأوا تحسن أخلاقه وتبدل طباعه، بدأ أخوه يفكر في هذا الأمر، واستغرق التفكير عامين كاملين، حتى قرر هو الآخر أن يجرب حياة الإسلام، فمن الله عليه بحب هذه الحياة الجديدة، ثم جاء الحج ليمحو عنهما ظلام “سنوات الجاهلية” كما يسمونها.

أما أبوهما فقد بدأ أخيرا في الذهاب معهما لصلاة الجمعة، ولكنه مازال مصرا على عدم الصيام في رمضان، عدم التراجع بعد عن أفكاره المنافية للإسلام.

شعرت في مكة أن العالم يعود من جديد، يفتش في ميراث محمد صلى الله عليه وسلم، عن الهدى، يأتون من كل فج عميق، يبحثون عن النور الذي ضاع من بلادهم. يلعنون الحرية المطلقة، ويمقتون القيم والمبادئ التي لا تستمد قوتها من عند الله، نقموا على المجتمع الذي يشحن الوالدين إلى بيوت المسنيين، ويتعلم الطفل من الوالدين ومن المدرسة كل شيء، سوى جدوى وجوده في العالم، ومن أين أتينا، وإلى أين نذهب.

لقد كانت بادرة كريمة من خادم الحرمين الشريفين ومن نجله الأمير عبد العزيز بن فهد، أن استضافا هؤلاء الشباب حديثي العهد بالإسلام، لتأدية فريضة الحج على نفقتهما، جعله الله ذلك في ميزان حسناتهما، ويكفي أن الكثيرين من هؤلاء قطعوا على أنفسهم العهد، ألا يتركوا من حولهم يتيهون في الظلمات، بل أن يدعوهم إلى طريق الحق.

وفي رحلة العودة، وجدت عيونا اغرورقت بالدمع حزنا على الرحيل عن أطهر البقاع، ودعاء إلى الله بالعودة مع قومهم، بعد أن يكون الله قد هداهم. وإذا كانت توقعات المسؤولين في الاتحاد الأوروبي تدل على أن أعداد المسلمين ستصل في عام 2020 في أوروبا وحدها إلى حوالي 200 مليون مسلم، فلتستعد المملكة، فالمسلمون قادمون من الغرب أيضا، بإذن الله.

كتبها صحفي مصى

جزاك الله خيرا وجعله في ميزان حسناتك

سبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله

جميل جدا أخي الكريم , أسأل الله ان يجازيك خيرا … كما أثلجث صدورنا بهذا الموضوع الطيب

جزاكماالله خيرا على مروركم أخ جنرال الهندسه و الأخت نسمه