مشهد من مشاهد البطولة النادرة في بلاد الرافدين

(( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ))

إن القلم ليجف حبره وان الفكر ليشل ونحن نسطر بطولات فتياننا وشبابنا ممن نذروا أنفسهم لمقارعة المحتل الصليبي الكافر ونصرة هذا الدين وحماية الأرض والعرض من دنسهم .
وانه لفخر وما أعظمه من فخر وإنها لرجولة وما أعظمها من رجولة ونحن نكتب عن بطولات رجال المقاومة الميامين .
وهذه قصة ليست من نسج الخيال وإنما واحدة من قصص الأبطال في مجتمع العراق اليوم يرويها أخ لنا عن أخيه (( الشهيد نور الدين الدليمي)) .

نور الدين شاب من مواليد 1986 كان متفوقا في دراسته وشاب أنيق نظيف يحب الرياضة وخاصة كرة القدم كان أمله الوحيد أن يكون مهندسا .
ولكن قدر الله تبارك وتعالى أن يقبل في كلية العلوم قسم الفيزياء , وهذا الاختصاص كان لا يتفق مع رغبته حيث انه كان يتمنى أن يقبل في قسم علوم الحياة طالما انه لم يستطع الحصول على الهندسة .
ولعدم تمكنه من تغيير تخصصه آثر تأجيل السنة الدراسية 2004 -2005 م لحين أن يتحقق له ما يريد .
وكان شابا متواضعا وسيما كثير المحافظة على صلوات الجماعة والجمع مداوم على ذكر الله وقراءة القرآن بل يحفظ من القران ما شاء الله أن يحفظ .
وخلال فترة التأجيل وحيث يرى نور الدين ما يحل ببلده الجريح على يد الأمريكان وعملائهم , قرر الانخراط في صفوف المجاهدين وبالتحديد (( رجال جيش المجاهدين )) .
ومن ذلك الحين لم تكتحل عيناه بالنوم إلا قليلا , وكان مندفعا متحمسا لان ينال ما يستطيع من أعداء الله الكفرة وفي عموم مناطق نفوذ جيش المجاهدين , وتخصص بالعبوات الناسفة وكان دعائه دوما (( اللهم لا تلوث يداي بدماء معصومة وإذا أردت أن تقبضني شهيدا فأقبضني مقطع الأوصال حتى إذا ما سألتني يوم القيامة عن ذلك قلت لك يارب هذا كله في سبيلك ومن أجل حبي لك ولنبيك المصطفى صلى الله عليه وسلم )) .

وكان رحمه الله بارعا جدا في العبوات الناسفة حتى قال فيه احد إخوانه (( من حيث الرجولة فهو بطل من بين الأبطال ومن حيث العبادة فنحسبه من الصالحين والله حسيبه )) .

ويقول إخوانه في صفوف الجهاد (( والله انه قام بأكثر من مائة عملية على فلول العدو الأمريكي , ووالله قلما تخيب عملياته ولا أبالغ إن قلت أنها أصابت أهدافها كلها , وكان رحمة الله عليه يصور بيده كل عملياته )) .
وقبل سنة ونيف أراد الزواج وكانت ابنة عمه التي قتل الأمريكان أبوها تحبه كثيرا فقرر أن يتزوجها ولم تمض على وفاة أبيها إلا ثلاثين يوما .

وكانت إذا ما أغضبته قال والله لااتزوجن عليك , وفي نفسه يقول كما يروي هو رحمه الله (( اللهم زوجاتي من الحور العين )) .

وقد رزقه الله تعالى منها بطفلة اسماها (( عائشة )) وكان يحبها كثيرا ويقول (( إيه بنيتي إذا جعل الله في العمر بقية فسأربيك تربية صالحة ولن أجعلك تحتاجين لأحد )) .

وكان بارا بوالديه وبالرغم من عصبية أمه فكان يقول لزوجته (( والله إن سمعت أن أمي قد غضبت عليك فسيكون ذلك آخر يوم بيني وبينك )) .

وقبل أن يتوفاه الله تعالى بجمعتين صعد المنبر لان خطيب المسجد كان مشغولا وخطب عن الشهادة ولااتصور إن من سمع الخطبة لم يتأثر أو يبكي من أعماق قلبه , وكان رحمه الله حسن الصوت بالقرآن .

وفي يوم الجمعة المصادف 19/1/2007 كان نور الدين على موعد مع زوجاته بإذن الله من الحور العين وكان على موعد مع ما أعده الله تعالى لعباده المؤمنين المجاهدين , ففي هذا اليوم كانت هناك تحركات أمريكية قوية في موقع نشاطه وجهاده وخرج يستطلع المكان وعاهد الله واقسم أنهم لن يمروا بسلام ورجع مستعجلا وكان الوقت قريبا من أذان الجمعة الأول وقام يعد العبوات الناسفة المعدة للدروع الأمريكية وأثناء عملية الربط حصل خطأ أدى إلى انفجار العبوة عليه مما أدى إلى تمزق جسده كما أراد ودعا ولكنه لا يزال فيه أنفاس .
وكما يقول أخوته حاولنا إخلائه إلى اقرب مركز صحي فأحالنا إلى المستشفى الأردني ومع الأذان الثاني للجمعة فارق الحياة وكان يرفع إصبعه السبابة ويبتسم وكأنه فرح مسرور وقد باع النفس والروح والجسد لله رب العالمين وكأن الملائكة تبشره بالفوز بالجنة وتقول له(( ربح البيع أبا عائشة )) .
كشف عليه الطبيب الأردني واخبرنا بأنه فارق الحياة وقال (( إنا لله وإنا إليه راجعون )) ونحن قلنا (( الحمد لله إنا لله وإنا إليه راجعون , اللهم أجرنا في مصيبتنا وأخلف لنا خيرا منها )) .
وفي الطريق للعودة إلى المنزل وحيث كان الجثمان موضوع وملفوف في بطانية في سيارة أحد إخوته حصل انخفاض في إطار أحد إطارات السيارة الخلفية وبسبب الاستعجال للوصول ولإكمال الدفن لم يتوقف السائق وفي الطريق صادفهم رتل أمريكي نزل إلى سيارات موكب التشييع مسرعا وطلب من الكل الترجل من السيارات وبعد تفتيش دقيق واخذ بصمات ومسح الأيدي للتأكد من نوع البارود وهل إن في الموكب مجاهدين !!.
يقوا أحد إخوة نور الدين فوالله إن الأمريكي لا يستطيع الاقتراب كثيرا من الجثمان أو لمسة وكأن الله تعالى أراد أن يحفظ هذا الجثمان طاهرا من دنس الأمريكان حيا وميتا , ويضيف أخوه قائلا دعوت الله تعالى وقلت (( اللهم إن كنت تقبلته شهيدا وكتبته في ديون الشهداء والصالحين اللهم ففرج عنا مانحن فيه )) فيقول والله ماهي إلا دقائق حتى جاء الضابط الأمريكي وهو يعتذر ويتأسف لنا عن التفتيش ويواسينا …الله أكبر إنها الكرامة وأولى البشائر .

ومن ثم وصل الجثمان الطاهر إلى مسجد المنطقة التي يعيش فيها نور الدين ليكون آخر عهده بالمسجد ثم طلب من الموكب بأن يتوقف قليلا و الذي حظره جمع كبير جدا من الناس واغلبهم من المجاهدين وهم يبكون أخ لهم في الله ويستبشرون بموعود الله إما نصر يعز الله به أولياؤه أو الموت على مامات عليه نور الدين .
فطلب احد إخوته أن يزور نور الدين المسجى منزله ليسلم على أهله والأحباب , وكان يخشى كثيرا من أن تكون ردة فعل أمه عنيفة ولاتتمالك نفسها ولكن 00 (( يثبت الله الذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد )) .
فكان رحمه الله يوصي والدته انه إذا ما جاءتها بشارة استشهاده أن تحمد الله وتمنع النساء من شق الجيوب ولطم الخدود وان تستقبله بالحلوى , فوجدنا والدته تحمل كيسا من الحلوى وتقول (( هلا هلا هلا بابني رفعة راسي هلا بابي عائشة عفيه ابني هايه المرجيه منك …الله يرحمك وليدي …ويتقبلك مع الشهداء …والله ماكان من الحاضرين إلا أنهم أجهشوا بالبكاء …وحمدوا الله على هذه الصلابة وهذا الإيمان … وكانت هناك طفلة قريبة من الجثمان لا يتجاوز عمرها الست سنوات تقول (( اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها )) .

ثم انتقل الجثمان ليوارى الثرى في مقبرة المنطقة بين تشييع الأهل والأحبة والمسلمين 00 (( عريس وأهله يزفونه زفة إسلامية)) وكان موكبا مهيبا تذل له أعناق الملوك والجبابرة من غير صلاة ولاتغسيل ولا كفن وهذه هي أحكام الشهداء .
ولكن بقي أمر وهي أن نور الدين اقسم أن لا ترجع آليات الأمريكان دون عقاب وفي اليوم الثالث لاستشهاده مرت الآليات الأمريكية بالقرب من المقبرة التي دفن فيها وكانت هناك عبوة قام هو بزرعها فوقف عليها احد المجاهدين ولما مر الموكب الأمريكي قريبا منها فجرها ذلك البطل ودمرت آلية (( همر أمريكية )) وبذلك أبر الله قسم نور الدين وهو في قبره .

وبتاريخ 12/2/2007 يقول أحد أخوته قلنا لما استشهد نور الدين (( إنا لله وإنا إليه راجعون , اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرا منها )) .
وكنا نقول يارب انه عبد صالح من عبادك فلا تقطع عقبه , فزفت لنا البشرى بان زوجته حامل فنسأل الله تعالى أن يعوضنا بدلا عنه بولد يحمل اسمه وما ذلك على الله بعزيز .


أرجوا منكم إخواني النشر