موسى بن عقبة .. إمام المغازي

من هو موسى بن عقبة
الإمام، الثقة، الكبير، أبو محمد موسى بن عقبة بن أبي عياش القرشي، مولاهم، الأسدي، المطرفي، المدني، مولى آل الزبير، ويقال: بل مولى الصحابية أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص الأموية، زوجة الزبير بن العوام رضي الله عنهما [1]، وحدَّث عنها.

نشأة موسى بن عقبة
أدرك موسى بن عقبة جمعًا من الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ومنهم: أنس بن مالك، وعبد الله بن عمر، وسهل بن سعد، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم، وعداده في صغار التابعين رحمهم الله.

وقد روى العلم عن جمع من التابعين، مثل: علقمة بن وقاص الليثي، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وسالم بن عبد الله بن عمر، وأخيه حمزة، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، ونافع بن جبير بن مطعم، ونافع مولى ابن عمر، وعروة بن الزبير، وعكرمة مولى ابن عباس، والزهري، وأبي الزناد عبد الله بن ذكوان، ومحمد بن المنكدر، وعطاء السليمي، وخلق سواهم.

قال مخلد بن الحسين: سمعت موسى بن عقبة، وقيل له: رأيت أحدا من الصحابة؟ قال: “حججت وابن عمر بمكة عام حج نجدة الحروري، ورأيت سهل بن سعد متخطأ عليَّ فتوكأ على المنبر فسار الإمام بشيء”.

وذُكر أن موسى بن عقبة طلب العلم وهو كهلٌ، ويروى في ذلك أنه جاء وصالح بن كيسان إلى الزهري يطلبان العلم، فقال لهما: “حُبِسْتُمَا حَتَّى إِذَا صِرْتُمَا كَالشَّنَّانِ لا تُمْسِكَانِ مَاءً، جِئْتُمَا تَطْلُبَانِ الْعِلْمَ”.

من روى وأخذ العلم عن موسى بن عقبة
وقد روى عنه خلق كثير، منهم: إبراهيم بن طهمان، وبكير بن عبد الله بن الأشج -مع تقدمه، وشعبة بن الحجاج، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وابن جريج، ومالك، وسفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، وأبو إسحاق الفزاري، ومحمد بن فليح، وابن المبارك، وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، وإسماعيل بن عياش، وفضيل بن سليمان، والدراوردي، ومخلد بن الحسين، وغيرهم.

ثناء العلماء على موسى بن عقبة
وهو ثقة جليل حافظ إمام، أثنى عليه الكبار: مالك بن أنس، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وابن سعد وغيرهم. وله جهادٌ، قال موسى بن عقبة: “غزوت الروم في خلافة الوليد بن عبد الملك مع سالم بن عبد الله”.

ذكره محمد بن سعد في “الصغير” فِي الطبقة الرابعة من أهل المدينة. وذكره فِي “الكبير” في الطبقة الخامسة، وقال: “كَانَ ثقة، قليل الحديث”، وفي رواية عند ابن عساكر: “وكَانَ ثقة، ثبتا، كثير الحديث”.

وذكره خليفة بن خياط في الطبقة الخامسة من أهل المدينة (برقم: 2375)، وعن إبراهيم بن المنذر: عن معن بن عيسى، قال: كان مالك إذا قيل له: مغازي من نكتب؟ قال: “عليكم بمغازي موسى بن عقبة، فإنه ثقة”.

وقال ابن المنذر أيضا: حدثني مطرف، ومعن، ومحمد بن الضحاك، قالوا: كان مالك إذا سئل عن المغازي؟ قال: “عليك بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة، فإنها أصح المغازي”.

وكان موسى بن عقبة من أسرة علم، فأخواه إبراهيم بن عقبة ومحمد بن عقبة، من ثقات المحدثين، قال الواقدي: “كان لإبراهيم وموسى ومحمد بني عقبة حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا كلهم فقهاء محدِّثين، وكان موسى يفتي، وكان إبراهيم ثقة قليل الحديث”.

وقال مصعب بن عبد الله الزبيري: “كَانَ لَهُ هَيْئَةٌ وَعِلْمٌ”، وقال الواقدي: “كان فقيهًا مفتيًا”. وقال أحمد بن حنبل: “ثقة”. وقال الذهبي: “كان من العلماء الثقات”. وقال ابن معين: “موسى بن عقبة مَديني ثقة”. وقال أبو حالت: “صالح ثقة”، وذكر ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: سَألتُ أبي عن موسى بن عقبة، فقال: “ثقة، وله أخوان: إبراهيم، ومحمد، وهو أوثق الإخوة”.

وروى له البخاري في صحيحه والإمام أحمد في مسنده كلٌ بسنده عن موسى بن عقبة قال: سمعت أم خالد بنت خالد رضي الله عنها، قال: ولم أسمع أحدا سمع من النبي صلى الله عليه وسلم غيرها، قالت: “سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عذاب القبر”.

وعن سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة -وكان مؤاخيًا لموسى بن عقبة- قال: “إِنَّمَا كُنْتُ أَجِيءُ إِلَى الْمَدِينَةِ مِنْ أَجْلِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، فَلَمَّا مَاتَ تَرَكْتُ الْمَدِينَةَ” [2].

مغازي موسى بن عقبة [*]
كتب موسى بن عقبة المغازي وتتبعها وأتقنها، وسبب ذلك ما ذكره إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال كان بالمدينة شيخ يقال له: شُرَحبيل أبو سعد، وكان من أعلم الناس بالمغازي، فاتهموه أن يكون يجعل لمن لا سابقة له سابقة، وكان قد احتاج فأسقطوا مغازيه، وعلمه.

قال إبراهيم: فذكرت هذا لمحمد بن طلحة بن الطويل ولم يكن أحد أعلم بالمغازي منه، فقال لي: كان شرحبيل بن سعد (وهو أبو سعد) عالماً بالمغازي، فاتهموه أن يكون يُدْخِلُ فيهم من لم يشهد بدراً، ومَنْ قُتل يوم أحد، والهجرة، ومن لم يكن منهم وكان قد احتاج فسقط عند الناس، فسمع بذلك موسى بن عقبة فقال: وإن الناس قد اجترؤوا على هذا؟ فدبَّ على كبر السن وقيد من شهد بدراً، وأحداً، ومن هاجر إلى أرض الحبشة، والمدينة وكتب ذلك.

وقد غدا كتابه هذا محل ثقة العلماء وراج في حلقات الدرس، فكان مالك بن أنس إذا سئل عن المغازي عمن تكتب قال:" عليكم بمغازي موسى ابن عقبة فإنه ثقة"، وفي رواية: “عليكم بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة، فإنها أصح المغازي”.

وسبب ثناء الإمام مالك عليها يوضحه ما جاء عنه في قوله: “عليكم بمغازي موسى بن عقبة، فإنه رجل ثقة طلبها على كبر السن، ليقيد من شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكثر كما كثر غيره. قال الذهبي: " هذا تعريض بابن إسحاق، ولا ريب أن ابن إسحاق كثَّر وطوَّل”.

وبقي العلماء عبر العصور يشيدون به ويشيرون إليه، ومن ذلك قول علي بن المديني، قال لي الدراوردي؛ قل ليوسف السمتي: يتقي الله ويرد كتاب موسى بن عقبة. أي أنه كان قد أعاره إياه لينسخه.

وبالرجوع إلى طبقات ابن سعد نجده قد تتبعه حَذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ، وجعله أحد مصادره الأربعة الأساسية. واقتبس منه من الأوائل: يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ من طريق محمد بن فليح، والبيهقي في دلائل النبوة، والاعتقاد، وغيرهما من كتبه، وقد اقتبس نصوصًا طويلة.

أما ابن عبد البر في كتاب “الدرر في اختصار المغازي والسير” فقد قَدَّمه على غيره، وقال: وأفردت هذا الكتاب لسائر خبره، ومبعثه وأوقاته صلى الله عليه وسلم، اختصرت ذلك من كتاب موسى بن عقبة، وكتاب ابن إسحق …"، واعتمده ابن عساكر في تاريخه، واللالكائي والمتأخرون، وكل من كتب في السيرة النبوية ناهيك بمصنفات الحديث التي تلته.

وقد وصل الكتاب كاملاً إلى المتأخرين ونجد ابن سيد الناس في سيرته عيون الأثر يعتمده، ويضعه في جملة المصنفات التي أكثر الرجوع إليها ورواها بسنده، ونجد الذهبي يقول في تذكرة الحفاظ: “قرأت مغازي موسى بالمزة على أبي نصر الفارسي”.

وقال في سير أعلام النبلاء: “الإمام الثقة الكبير …، وكان بصيرا بالمغازي النبوية، ألفها في مجلد، فكان أول من صنف في ذلك”.

وقال تعليقاً على قول مالك: “ولم يكثر كما كثر غيره”: قلت –أي الذهبي: “هذا تعريض بابن إسحاق، ولا ريب أن ابن إسحق كثر وطول بأنساب مستوفاة، اختصارها أملح، وبأشعار غير طائلة، حذفها أرجح، وبآثار لم تصح، مع أنه فاته شيء كثير من الصحيح لم يكن عنده، فكتابه محتاج إلى تنقيح رواية ما فاته. وأما مغازي موسى بن عقبة فهي في مجلد ليس بالكبير سمعناها، وغالبها صحيح، ومرسل جيد، ولكنها مختصرة تحتاج إلى زيادة بيان وتتمة”.

منهج موسى بن عقبة في مروياته
وقد اقتبس الذهبي من مغازي موسى بن عقبة كثيرًا في تاريخه الكبير، وفي قسم السيرة، وفي السيرة التي أفردها حسام الدين القدسي وطبعها، ومن خلال ذلك يتبيَّن لنا طريقة سياقه للنصوص، فتارة يروي بإسناده موصولًا، وتارة يروي عن شيوخه وخاصة الزهري مرسلا، وتارة يسوق الخبر دون أن ينسبه إلى أحد بعبارته حسب ما استقى من مصادره في الوسط الذي عاش فيه -المدينة المنورة، ولولا خشية الإطالة لذكرت نماذج، ولكن من التتبع لنصوصه عند ابن سعد، وابن سيد الناس والذهبي وغيرهم، نجد تأكيد ما قاله الذهبي وهو إمام الصنعة أن مراسيله وما لخصه بجملته صحيح ومقبول.

ولابد من الإشارة إلى أن موسى بن عقبة كان يريد أن يدقق في عمل رجلين معاصرين له، ويتجنب العثرات العلمية التي قصرا في تجنبها، وهما شُرَحبيل بن سعد، ومحمد بن إسحاق، أما بالنسبة لشرحبيل فأراد أن يضبط من مصادر وثيقة ذوي السابقة في الإسلام الذين حضروا المشاهد، كل في مرتبته.

وأما محمد بن إسحاق فأراد أن يبتعد عن الاستطراد والتطويل والجمع والحشد الذي وقع فيه محمد بن إسحق، وقد نجح إلى حدٍّ كبير في ذلك حسب ما شهد له به العلماء الذين عاصروه وجاؤوا بعده.

وقد اختُصر الكتاب واحتفظ بطرف منه ابن قاضي شهبة، وطبع، وحاول بعض الناس جمع نصوصه، والأمر ما زال فيه متسع.

[1] أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشية الأموية، تكنى أم خالد، مشهورة بكنيتها. ولدت بأرض الحبشة مع أخيها سعيد بن خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، تزوج أم خالد الزبير بن العوام، ولدت له عمر ابن الزبير وخالد بن الزبير، وبه كانت تكنى. روى عنها موسى وإبراهيم ابنا عقبة، وكريب بن سليم الكندي. ابن الأثير: أسد الغابة، 6724، الناشر: دار الفكر – بيروت، عام النشر: 1409هـ - 1989م، 6/ 24.
[2] ترجمته في: طبقات ابن سعد: القسم المتمم للتابعين، 1/340. ابن أبي حاتم: الجرح والتعديل، رقم (693)، 8/154. الفسوي: المعرفة والتاريخ، 3/ 32. ابن عساكر: تاريخ دمشق، 60/ 458. المزي: تهذيب الكمال، 29/115. الذهبي: سير أعلام النبلاء: 6/114. الذهبي: تهذيب التهذيب: 10/360. الذهبي: تذكرة الحفاظ: 1/111- 112، الذهبي: تاريخ الإسلام، ت: بشار، (433)، 3/ 986. وغيرها، وفي بعضها: المطرقي، أو المطرفي.
[*] فاروق حمادة: أعلام السيرة النبوية في القرن الثاني للهجرة، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، ص16- 19.
قصة الإسلام