نظرة على شوارع المستقبل


المجتمع

نظرة على شوارع المستقبل

تتأثر سوق السيارات بعوامل كثيرة، من ضمنها التكنولوجيات الجديدة والأهداف السياسية وسلوك المشترين. الباحثون الألمان يحاولون من خلال عمليات المحاكاة، التنبؤ بالصورة التي ستكون عليها الشوارع خلال 40 عاما.
يوصل الأب غيورغ في الصباح عائلته إلى وسط المدينة، وهو يقود صاروخا سريعا أخضر اللون. يشق عنان السماء بين السحب متوجها أولا إلى روضة الأطفال، ثم إلى المدرسة، وأخيرا إلى مركز التسوق. ثم وكجميع المقيمين الآخرين في مدينة أوربت، يقوم بتوجيه الطائرة ناحية مدرج أمام مكتبه، ويقوم بطي الطائرة لتصبح حقيبة يدوية. هذا المشهد هو جزء من الحياة اليومية في عام 2062.

نموذج للسيارة الطائرة يعود لعام 1968
من المسلم به ان منتجي أفلام الخيال العالمي الأمريكية من ستينات القرن الماضي، سمحوا لخيالهم بالتحليق بعيدا، فهذه الرؤية المستقبلية ترسم صورة لعام 2062، أي لما سيكون عليه الحال بعد خمسين عاما تقريبا من اليوم. ولكن الصورة اليومية التي نعيشها في عصرنا الراهن بعيدة كل البعد عن السيارات الطائرة، والطائرات أو الصواريخ لن تجوب الطرقات والشوارع قريبا. ومع ذلك، فإن صورة الطرق والشوارع ستتغير بالتأكيد خلال السنوات القادمة.
اليوم وبالرغم من أن السيارات ذات المحركات التقليدية لا تزال تهيمن على المشهد في الشوارع، لكن هناك منافسة من السيارات الحديثة التي تتزود بالوقود من خلايا الوقود وبطاريات الليثيوم أو تلك التي تعمل بمحركات هجينة، وهذه تلفت الأنظار في السوق. وتطالب المفوضية الأوروبية بخفض عدد السيارات التي تعمل بالطاقة التقليدية إلى النصف بحلول عام 2030، وباختفاء هذا النوع من السيارات بشكل نهائي من المدن بحلول عام 2050. لكن أي نوع من التكنوبلوجيا سيهيمن في المستقبل على الشوارع؟ وما هو نوع البنية التحتية التي ستتطلبها تلك التكنولوجيا؟ هل ستكون هناك حاجة لمحطات الشحن، أو هل ستبقى الحاجة قائمة لمحطات الوقود العادية؟
المحاكاة ستقرب المعلومات حول المستقبل

هل سنرى قريباً محطات شحن السيارات الكهربائية تملأ الطرق؟
للإجابة على هذه الأسئلة، عمد الباحثون في مجال النقل الجوي في المركز الألماني للفضاء (DLR) في شتوتغارت، إلى تصميم نموذج بمساعدة الحاسوب. ويتم عبره تقييم السلوك الشرائي الحالي للمستخدمين، والمفاهيم المختلفة التي تحرك الناس وأيضا الحوافز السياسية المحتملة لرسم صورة مقربة للشوارع في المستقبل. وكما يقول شتيفان شميدت، رئيس قسم المشاريع في مركو DLR، فإن نقاط القوة في هذا النموذج، هي أنه يصور التقنيات بالتفصيل وهذا يتيح بدوره تقدير التكاليف المرتبطة بها، وهذا مهم أيضا بالنسبة للمستخدم."
يتميز هذا النموذج بالمرونة، إذ “يمكن على سبيل المثال اختبار ما سيحدث عند دعم تكنولوجيا معينة”، بحسب شميدت الباحث في مجال النقل. هو وزملاؤه وضعوا على سبيل المثال سيناريو لدعم البطاريات وخلايا الوقود التي تشغل محرك السيارة لوقت قصير فقط. ويتم الدعم المالي في البداية لمدة خمس سنوات، عندها ستتغير الصورة في الشوارع لوقت قصير فقط، في الفترة التي يقدم فيها دعم التكنولوجيات البديلة، لكن التغيير يختفي لأن تلك التكنولوجيات مكلفة للغاية في غياب الدعم. وحتى عام 2030 سيكون ثلاثة مجموع السيارات التي يتم شراؤها حديثا من السيارات الهجينة، أي السيارات التي تملك بالإضافة إلى محرك الاحتراق الداخلي التقليدي بطاريات إضافية، الأمر الذي يدعم المحرك ويخفض في الوقت ذاته من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
الدعم على المدى الطويل يخلف تأثيرا دائما

إعادة شحن السيارات كهربائياً هل هي نظرة مستقبلية بعيدة أم ستصبح قريباً في متناول يد الجميع؟
وفي نموذج المحاكاة الثاني، يضع الخبراء سيناريو يتضمن تخفيضا كبيرا في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تصل نسبته إلى 54 في المائة، بدلا من نسبة 29 في المائة التي حددها الاتحاد الأوروبي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الباحثين افترضوا في السيناريو الثاني تمويلا أعلى وطويل الأجل للسيارات التي تعمل بخلايا الوقود، الأمر الذي سيكون له أثر كبير، حيث سيتوقف المستخدمون في عام 2030، عن شراء السيارات ذات المحركات الهجين، وسيتحول إقبالهم إلى تلك التي تعمل بخلايا الوقود، وأيضا إلى السيارات الكهربائية.
لكن هل سيتضمن التحول المستقبلي بالفعل التخفيض من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون؟ هذا الأمر يعتمد على وجود الإرادة السياسية لإصدار قرارات من شأنها تعزيز سبل النقل الكهربائية، وإصدار قرارات موازية تتضمن فرض عقوبات على كل الانتهاكات التي تتم للقوانين والإجراءات التي تم وضعها بهدف الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وهناك أيضا عاملان آخران على جانب بالغ الأهمية، أولها هو ما إذا كانت الإجراءات التي يتم تنفيذها تراعي جانب الاستدامة، والآخر هو الاتجاه الذي سيتطور فيه التقدم التقني.
نماذج المحاكاة التي ابتكرها الباحثون في مركز DLR، لا تصلح للتطبيق على سوق السيارات الألماني فحسب، وإنما هي صالحة للتطبيق أيضا في سياق عالمي، كما يوضح شميدت: “التطبيق على المستوى المحلي يتوقف على درجة تشبع سوق السيارات، ففي الصين على سبيل المثال، لا تزال السوق في حالة تطور، لذلك لا يمكن التنبؤ بعدد السيارات خلال 10 أو 20 عاما. وبالإضافة إلى ذلك، فإن النمو هناك يمكن أن يتم كبحه عبر عوامل عديدة، من ضمنها العامل السياسي.”
المسألة مسألة تعود
وبعيدا عن نماذج المحاكاة يقدر شميدت أن ثلاثة أرباع السيارات في عام 2040، ستكون لا تزال مزودة بالمحركات العادية التي تعمل بحرق الوقود، ويشمل ذلك السيارات الهجينة أيضا. وهو لا يرجح أن تغزو السيارات الكهربائية السوق بأكملها، إذ ستبقى المسافة التي يمكن قطعها دون الحاجة إلى إعادة شحن البطارية، قصيرة. وكما يعلق شميدت، فإن الأمر يتعلق أيضا في النهاية بمدى السرعة التي نستطيع بها تغيير عاداتنا، على سبيل المثال، عندما يتعلق الأمر السيارات بتغيير عادة التوقف لملء خزان الوقود في السيارة، ووصلها بدلا من ذلك بالمصدر المخصص للتيار الكهربائي.“عندها ستصبح هذه الفكرة التي تتكرر في أفلام الخيال العلمي، جزءا فعليا من واقعنا”.