"وأنا مَعَه " فارتَعشت الرُّوح

بسم الله الرّحمن الرّحيم
السّلامُ عليكمُ ورحمة الله وبركاته

إخوتي وأخواتي؛ روّاد مُنتدى المُهندس؛
موضع نافع؛ عسى أن نستفيد منه جميعًأ.

/

“وأنا مَعَه …” فارتَعشت الرُّوح

/

/

لِيُسجِّل التاريخ ذلك المساء المختلف، كعلامةٍ فارِقة في سِجلَّات عُمري.

كنتُ هائمة على وجهي في ردهات الحياة بين مسارِب التفكير …
وبين الفينة والأخرى أُطلِق زفراتٍ مصحوبة بتسابيح ثم أعود لما كنت فيه دونَ أن يتغير فيَّ شيء سوى حركة الشفتين واللسان، كانت هذهِ نظرتي للذكر (مجرد تمتمات تلقائية أستجلِبُ بها عددًا من الحسنات وأُسكِت وَخزات ضميري بعد طولِ غَفلة)!


حتى وقع بصري على الحديث الذي زلزل كياني، واهتزَّت له مشاعري وأعاد بناء تصوّري للذكر …

في الحديث القدسي من صحيح البخاري:
يقول اللهُ تعالَى: “أنا عندَ ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكَرَنِي، فإن ذَكَرَنِي في نفسِه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكَرَنِي في ملأ ذكرتُه في ملأ خيرٌ منهم …”

لبثتُ دقائق أُحدِّق به مَشدوهة، لم أستطِع استيعابه، قرأته مرة أخرى وثالثة !


  • ( وأنا معه إذا ذكرني )

بالله عليك اقرأها بقلبك؛ أنا معه!
مَن هوَ الذي معك ؟
تغدو في عملك، تمضي وسط جَمهرةٍ من الناس، على حافة الطريق، تجلس مغمورا في آخر المقاعد هناك …
لا يُؤبه لك؛ لكن الله معك!
من يغلبك آنذاك؟
من يؤذيك، أتخشى شيئًا، أتهابُ أمرًا والله معك؟ ----------

لقد مدح الله ورسوله الأناة وترك العجلة في مواطن كثيرة من الكتاب والسنة.

بل من صفات الله تعالى " الحلم " ومن أسمائه " الحليم " .

والانتظار وترك العجلة هو - الأناة - وهو : النظر في مآلات الأمور وتبعاتها
ولسموها أحبها الله عز وجل : قال صلى الله عليه وسلم للأشج :
(إن فيك خصلتين يحبهما الله : الحلم والأناة).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه يرفعه:
(( التأني من الله والعجلة من الشيطان )).
وهي من صفات أصحاب العقل والرزانة , فكلما كان المرء أبطء؛
في اتخاذ القرار كلما دل هذا على راجحة عقله , وُبعد نظره ,
كل ذلك لو انتظر دقيقة في بعض الأحيان , أو أقل في غيرها .


  • (فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي)
    أنتَ من أنت وهو من هو سبحانه …!
    الملك، القُدُّوس، المُهيمن، العزيز، الجبَّار المتكبِّر، هناك في مَلَكوته وجَبروته، في عَليائِه يتفضَّل عليك ويذكرك في نفسه! يذكرك أنت!

وأنت الهباءَة في هذا الكون العظيم؛
وسط لفيفٍ من البَشر يذكرك من بينهم فكأنما هالَـةٌ مِن نور تحيط بك …


يقشعِّر الجسد وينتفضُ الفؤاد مَهابة وحبا وجَذلا وشعورًا آخر لا يُوصف …

أشعر وكأن روحي تحلِّق عاليا، تسمو عن هذه الدنيا، ترتقي شيئا فشيئا إلى عالَمٍ ربَّاني، فأغفو لحظات في هذا الشَرَف الإلهي …

-(وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم)
في الملأ الأعلى في العالم العُلويّ
حيث ملائكة النُّور، حيث الأنبياء الكِرام، أمامَ هذه الصفوة :
يذكرك الربُّ العظيم، يُثني عليك .

فَلْتتهاوَى ثناءات البشر، ومحافلهم، وتكريماتهم
مُلـوكا وأفرادًا…!


في هجيعِ الليل :
عندما يغلبني الشَّجى، وأختنِق بالدموع، وتثورُ لواعِج الأسى بداخلي؛
يأتي النداء الربَّاني يتردَّد بين جَنباتي :
(من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي …)

عندما تهيجُ بي ذِكرى الأحباب،
ويلوحُ لي طَيفهم جاثِما في الأفق
وتضيق بي الدنيا، وأشعر بسياطِ الوحدة تقطِّعني، حتى كأن نفسي التي بين جنبيّ جَفَتني فجأة؛ يعلو النداء :
( وأنا مَعه إذا ذكرني )

أجيءُ شريدًا حزينا مضطربا فتنزل علي الكلمات بَردًا وسلاما، تُدثِّرني دِثارا حانِيا
تنفض عنِّي كل شائبة حُزنٍ وكآبة ويأس!


( اللهُ أَكبَر ) …

استشعِر العَظمة وأنتَ تتلفظ بها
انطقها بكل نبضاتِ التعظيم والإجلال والإكبار!
أكبرُ من تحالفاتِ الأعداء وأسلحتهم وجيوش الظلام، وحكومات المصالح، وتُجَّار المناصِب …
أكبر من قاضي الجَور ومحكمته،
مِن ذلك السجَّان الذي وضع القيد في مِعصم قريبك، مِن الزوج البائس الذي انتزع أطفالكِ منكِ، من ظالمٍ افترى عليك،
مِن الألم … من القهر …
من كل مُعتَركات الحياة
كلهم أقزام … واللهُ أكبر …!


مَشهَدان :

  • التقى الجيشان، اصطفَّت الصفوف،
    دقّاتُ القلوب لها دويٌّ كطبولِ حرب، كحوافر خيلٍ تضرب الأرض …
    اهتزَّت الأقدام، سقط البعض صريعا من الرعب والآخر تَولَّى هاربا، هُيئت الرِّماح، سُلَّت السيوف
    ابتدأ السجال، اشتعلت المعركة …
    ويقول الله -عزَّ وجل- :
    (يا أيُّها الذين آمنوا إذا لَقيتم فئةً فاثبُتوا واذكروا الله كثيرًا)

  • طاغية متجبِّر، ادَّعى الربوبية، هَيمن على البلاد، عَتى وبغى، قتل وسَفك
    يأتي موسى وهارون إليه في مهمةٍ جَليلة جَسيمة: دعوته للإيمان …
    يتربَّعُ على كرسي مُلكه، مُحاطٌ بالملأ والخدم والسَّحرة، لا شيء يمنعه من
    قتلهما! لحظات وتبدأ المواجهة … الأنفاس محبوسة
    الأعين تترَقَّب …
    ويقول الله -عزَّ وجل- :
    (اذهب أنت وأخوك بآيتي ولا تَنِيَا في ذكري)


لمــاذا برأيك ؟

لأنَّ الذكر قوةٌ لا تُقهَر، يمنح صاحبه ثباتا وأَنَفـة…
يجعله يَتسَربل في أرديةٍ من الشَّجاعةِ والشَّكيمة، وَيستظِل تحت رواق العِزَّ والكبرياء
الذاكر يأوي إلى ركنٍ شديد، تُحيطهُ مَعيّة الله، تغشاه رحمته وسكينته …!

كتبته: بيان المقبل.

المصدر/ صيد الفوائد.


إن شاء الله تعالى؛ يجمعنا جديدُ لقاء.
وفّقكم اللهُ.

إعجاب واحد (1)