التكيف الفزيو لوجي

تصمم الالات بحيث يقوم كل جزء من أجزاء الآلة بالعمل المطلوم وبأفضل أداء للعمل ،وتجمع الأجزاء الآلية مع بعضها البعض لتكوّن تصميما متكاملاً يحقق أفضل كفاءة إنتاجية ، والمطلوب …! هل أمكن لهذا التصميم في يوم من الأيام أن يعطي الإستطاعة المثلى …؟

في الحقيقة بعد كل التطورات التكنولوجية والعلمية التي نعايشها في عالمنا اليوم لم ترقى حتى الآن معظم التصاميم الحديثة الى الحالة المثلى أو حتى دونها ،لأنها دائما مترافقة بمشاكل أساسها المشكلة التصميمية التي تتطفل عليها الإعاقات الأخرى كالإحتكاك والحرارة .
وأبسط الأمثلة هو أحدث ما توصلت إليه محركات السيارات اليوم ، والتي لايستفاد فيها عملياً إلا من أقل من 40% من طاقة المحرك أثناء عمله والسبب الأساسي هو الهدر الضائع على المقاومة والإحتكاك وبالتاي المشكلة هي التصميم .

فهل برأيك عزيزي القارئ من الممكن الوصول الى التصميم الأمثل في يوم ما…؟

تحمل الأنظمة التي يصممها الإنسان أخطاء أكبر بكثير مما يمكن تصديقه، ، وعلى الرغم من أن بعض الأعطال يمكن تجنبها في الطور البدائي الذي يسبق إدخال المنتج إلى الأسواق، إلا أنه يبقى من المستحيل تلافي جميع الأخطاء. وغالباً ما يكون تصميم الأنظمة المتحركة أكثر تعقيداً و تحدياً للمصممين من الأنظمة البنيوية الثابتة( الستاتيكية ) .
وعلى الرغم من المستوى العلمي الهائل الذي توصلت إليه البشرية إلا أنها لم ترقى الى تقنيات الطبيعة والأحياء ، ومن الملاحظ وبشكل جدي ومثير للإهتمام اللجوء في كثير من الأحيان الى النماذج الأحيائية للتصميم ويتجلّى ذلك في كثير من الأمثلة :

  • طائرة الهيلوكبتر ذات التصميم الديناميكي الأقرب الى حشرة اليعسوب .
  • الغواصات ذات البروفايل المشابه لبروفيل الأسماك وبخاصة الدلافين التي تتمتع بانسيابية عالية للعمل في الماء وبأقل مقاومة حركية ممكنة .
  • الطائرات المدنية والحربية التي اكتسب شكلها الشكل العام الإنسيابي للطيور والأمثلة كثيرة جداً .
    وكثيراً ما استفاد المصممون البشر من تقنيات الأحياء التي دعمتها القدرة الإلهية الى حد بعيد ، ونجد التكيفات الأحيائية لا تقتصر على منحى أو مجال معين فنلاحظ أن العديد من الحيوانات أو الطيور أو الحشرات قد تكيفت وظيفيا مع نمط معين من الأعمال وبعضعا الآخر قد تكي شكله أو لونه ليلائم بيئة معينة ( تلوّن للتخفي أو للتنكر والإفتراس ) فنجد تكيفات في الأعضاء إذا لم يكن لكامل الجسم .
    أحد الأمثلة وهو طير نقار الخشب … فما هي البنية التصميمية المدهشة التي تمكن منقاره الصغير من تحمّل طرقات متكررة ذات تردد عالي نسبياً في جذوع الأشجار القاسية ؟

الجمجمة عند نقار الخشب

يتغذى نقار الخشب على الحشرات واليرقات التي تختفي في جذوع الأشجار ويستخرجها عن طريق النقر. تقوم هذه الطيور بحفر أعشاشها في الأشجار الصحيحة بمهارة تضاهي مهارة أعظم فناني الحفر.
يستطيع نقار الخشب المرقش أن ينقر ما بين تسع إلى عشر نقرات في الثانية الواحدة، ويزداد هذا العدد ليصل إلى ما بين( 15 إلى 20) عند الأنواع الأصغر حجماً ومنها نقار الخشب الأخضر. يتعرض نقار الخشب أثناء نقره للشجر بمنقاره العلوي إلى صدمة كبيرة، ومع ذلك

توجد لديه آليتان لامتصاص هذه الصدمة
الأولى : هي الأنسجة الليفية الواصلة بين الجمجمة والمنقار والتي تخفف من حدة الصدمة
والثانية : هي لسان الطائر يدور اللسان داخل الجمجمة ليتصل مع مقدمة الطائر . تشبه الميكانيكية التي تعمل وفقها عضلة اللسان المقلاع وهو يساهم في تخفيف الصدمة الناتجة عن كل نقرة وهكذا تتناقص الصدمة (التي تمتصها الخلايا الإسفنجية ) إلى أن تتلاشى في النهاية .
عندما يقوم نقار الخشب الأخضر بحفر عشه، فإن سرعة عمله تصل إلى 100 كم /سا هذه السرعة لا تؤثر على دماغه الذي يبلغ حجمه حبة الكرز. أما الزمن الفاصل بين النقرة والأخرى فهو أقل من 1/1000 من الثانية. عندما يبدأ الطائر في النقر ينتظم الرأس والمنقار في خط مستقيم تماماً، فأي انحراف بسيط سيؤدي إلى تمزق في الدماغ.
إن الصدمة التي تنتج عن هذه الطرقات المتتالية لا تختلف عن تلك التي يسببها ضرب الرأس في حائط إسمنتي، إلا أن التصميم المعجز لدماغ نقار الخشب يجنبه التعرض لأي نوع من الإصابة .
تتصل عظام الجمجمة عند معظم الطيور ببعضها ويعمل المنقار مع حركة الفك السفلي . إلا أن منقار وجمجمة طائر نقار الخشب منفصلان عن بعضهما بأنسجة إسفنجية تمتص الصدمات الناتجة عن عملية النقر. وتؤدي هذه المادة المرنة عملها بشكل أفضل من ماص الصدمات في السيارات.

إن جودة هذه المادة تأتي من قدرتها على امتصاص الصدمات المتتالية بفواصل قصيرة جداً واستعادتها لحالتها الطبيعية على الفور وهي تفوق بجودتها المواد التي أفرزتها التكنولوجيا الحديثة بأشواط. تكتمل هذه العملية حتى في حالات أداء الطائر عشر طرقات في الثانية. إن فصل المنقار عن الجمجمة بهذه الطريقة الخارقة تسمح للحجرة التي تحمل دماغ الطائر بالحركة بعيداً عن المنقار العلوي أثناء عملية النقر، وهكذا تكون وتتشكل آلية ثانية في امتصاص الصدمات .