من هدى النبوة
[B]
عن الزبير بن العوام رضي الله عنه ، قال
: قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم : ( دب إليكم داء الأمم قبلكم : الحسد والبغضاء ؛ هي الحالقة ، حالقة الدِّين لا حالقة الشعر . والذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا . أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم ) رواه الترمذي
[FONT=Times New Roman][SIZE=5][COLOR=#c0c0c0]
[/color][/size][/font]اعلم
أن الغيظ إذا كظم لعجز عن التشفي في الحال رجع إلى الباطن ، فاحتقن فيه فصار حقداً . وعلامته دوام بغض الشخص واستثقاله والنفور منه ، فالحقد ثمرة الغضب ، والحسد من نتائج الحقد . والنبي صلى الله عليه وسلم يحذر من هذين الخلقين _ اللذين فتكا بأمم قبل أمة الإسلام _ أشد تحذير . والحسد هو تمني زوال النعمة ، والحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار
الحطب ؛ وقد ورد في الحديث القدسي عن الله تبارك وتعالى
يقول : " الحاسد عدو نعمتي ، متسخط لقضائي ، غير راض بقسمتي بين عبادي ". وقال ابن سيرين : ما حسدت أحداً
على شيء من أمر الدنيا ، لأنه إن كان من أهل الجنة ، فكيف أحسده على شيء من أمر الدنيا ، وهو يصير إلى الجنة ، وإن
كان من أهل النار ، فكيف أحسده على شيء من أمر الدنيا
وهو يصير إلى النار . واعلم : أن الله تعالى إذا أنعم على أخيك نعمة ، فلك فيها حالتان : إحداها : أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها ، فهذا هو الحسد . والحالة الثانية : أن لا تكره وجودها
ولا تحب زوالها ، ولكنك تشتهي لنفسك مثلها ، فهذا يسمى غبطة . وقد استثنى النبي صلى الله عليه وسلم شيئين من أمور الآخرة لا حسد فيهما ، ففي الصحيحين من حديث ابن عمر
رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه
قال : " لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله عز وجل القرآن ، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ، ورجل آتاه الله مالاً ، فهو ينفقه في الحق آناء الليل وآناء النهار " . وعلاج الحسد يكون
تارة بالرضى بالقضاء ، وتارة بالزهد في الدنيا ، وتارة بالنظر
فيما يتعلق بتلك النعم من هموم الدنيا وحساب الآخرة ، فيتسلى بذلك ولا يعمل بمقتضى ما في النفس أصلاً ، ولا ينطق ، فإذا
فعل ذلك لم يضره ما وضع في جِبِلَّته . أما البغضاء فهي شدة
الكره ، والعداوة والبغضاء من أشد أسباب الحسد ، فإن من
آذاه إنسان بسبب من الأسباب ، وخالفه في غرضه ، أبغضه
قلبه ، ورسخ في نفسه الحقد . والحقد يقتضي التشفي والانتقام ، فمهما أصاب عدوه من البلاء فرح بذلك ، وظنه مكافأة من
الله تعالى له ، ومهما أصابته نقمة ساءه ذلك ، فالحسد يلزم
البغض والعداوة ولا يفارقهما، وإنما غاية التقى أن لا يبغي، وأن يكره ذلك من نفسه ، فأما أن يبغض إنساناً فيستوي عنده
مسرته ومساءته ، فهذا غير ممكن . ويصف لنا النبي صلى الله
عليه وسلم العلاج فيقول : ( والذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا . أفلا أنبئكم بشيء
إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم ) نعم إن الحب هو العلاج ، فإذا أحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه فإنه لن يجد في
نفسه أثرا لحسد أو بغض نحوه . والله أعلم
[/b]