العين

[CENTER]العيــــــــــــــــــــــــــــــــــن

العين لغـة : يقـال عـان الرجـل يعينه عيـنا فهـو عائـن , والمصـاب معيـن على النقـص , ومعيـون على التمـام … أصـابه بالعـين , وفي لسان العرب : المعين المصاب بالعين , والمعيون الذي فيه عين … تقـول : عنت الرجل أصبته بعينـك فهـو معين ومعيـون , ورجـل عـائن ومعيــان وعيــون …

واصطلاحا : حقيقة العين نظـر باسـتحسـان مشــوب بحســد من خبيث الطبـع يحصـل للمنظـور منـه ضـرر …
قال ابن القيـم : هي سـهام تخـرج من نفس الحاسـد , والعائـن نحـو المحسـود , والمعين تصيبه تارة وتخطئـه تارة فإن صادفته مكشـوفا لا وقاية عليه أثـرت فيه , ولا بد , وإن صادفتـه حذرا شـاكي السـلاح لا منفذ فيه للسـهام لم تؤثر فيـه , وربـما ردت السـهام على صاحبـها وهـذا بمثابة الرمي الحسـي ســواء , فهـذا من النفوس والأرواح , وذاك من الأجســام والأشــباح …

الأدلــة على إثـبات الإصـابة بالعيــن

أولا : من الكـتـاب :

قال تعالى على لســان يعقـوب عليه السـلام : ( يا بني لا تدخـلوا من باب واحـد وادخلـوا من أبواب متفـرقة وما أغني عنكـم من الله من شيء إن الحكـم إلا لله عليـه توكلـت وعليـه فليتـوكل المتـوكلـون )

قال ابن عباس ومجاهد : إنه خشـي عليهم العين , وذلك أنهم كانـوا ذوي جمال وهيئة حسـنة ومنـظر وبهاء , فخشـي عليـهم أن يصيـبهم الناس بعيـونهم فإن العين حق تسـتتنزل الفـارس عن فرسـه …

وقال تعالى : ( وإن يكـاد الذين كفـروا ليزلقـونك بأبصارهم لما سـمعوا الذكر ويقـولون إنه لمجنـون وما هو إلا ذكر للعالميـن ) … قال ابن عباس : ( ليزلقونك ) لينفذونك ( بأبصارهم ) أي : يعينونك بأبصارهم , بمعنى : يحسـدونك لبغضهم إياك لولا وقاية الله لك وحمايته إياك منهم , وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل …

وقال تعالى : ( قل أعـوذ برب الفلق * من شـر ما خلق * ومن شر غاسق إذا وقب * ومن شر النفاثات في العقد * ومن شر حـاســد إذا حســـد ) … والشاهد من الآية قوله : ( ومن شـر حاسـد إذا حسـد )

ثانيـا : من الســنة :

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( العين حق ونهى عن الوشـم )
وعن عائشـة رضي الله عنها . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اسـتعيـذوا بالله من العيـن فإن العيـن حـق )
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( العين حق ولـو كـان شـيء سـابق القـدر لســبقتـه العيـن , وإذا اســتغســلتـم فاغســلوا ) , وعن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إن العين لتُـولـع بالرجـل بإذن الله حتـى يصعـد حالقـا فيتـردى منـه ) … رواه أحمد … ومعنى : لتولع : أي : أن العين تلازمه فتأثر فيه حتـى يصعـد مرتفعـا ثم يسـقط من أعـلاه …

[/center]

وعن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أكثـر من يموت من أمتى بعد قضاء الله وقدره بالعين )

[CENTER]وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن , عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : كان إذا اشـتكى رسـول الله صلى الله عليه وسلم , رقاه جبـريل , قال : ( باسم الله يُبريك , ومن كل داء يشفيك , ومن شر حاسد إذا حسد وشر كل ذي عين ) وعن جابر رضي الله عنه . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت عميس : ( ما لي أرى أجسـام بني أخي ضارعة " نحيفة " تصيبـهم الحـاجة ؟ قالت : لا , ولكن العين تسـرع إليـهم , قال : ارقيهم . قالت : فعرضت عليه فقال : ارقيهم )

فقد دل القرآن والسنة على أن نفس حسد الحاسد يؤذي المحسود , فنفس حسده شر بالمحسود من نفسه وعينه , وإن لم يؤذه بيـده ولسـانه , فإن الله تعالى قال : ( من شر حاسـد إذا حسـد ) فحقق الشر منه عند صدور الحسد , والقرآن ليس فيه لفظ مهملة , لكن قد يكون الرجل في طبعه الحسد وهو غافل عن المحسود ولاه عنه , فإذا خطر على قلبه انبعثت نار الحسد من قلبه فيتأذى المحسود بمجرد ذلك , فإن لم يسـتعذ بالله ويتحصن به , ويكون له أوراد من الأذكار والدعوات والتوجه إلى الله والإقبـال على الله تعالى , وإلا ناله شــر الحاســد ولا بــد …

[/center]

أنــــواع الـعــيـن

عيـن إنـسـيـة : وهـي التـي تصـدر مـن البـشـر … وعيـن جنيــة : وهـي التـي تصـدر مـن الجــن …

وقـد أثبـتت الأدلـة الشـرعيـة كلا النـوعيــن : العيـن الإنسـية ودليـل ثبـوتـها :
قوله صلى الله عليه وسلم لعامر بن ربيعة حين عان سهل بن حنيف : (( عــلام يقتُـل أحدكـم أخــاه ))
العيـن الجنيـة ودليـل ثبـوتـها :
ما روته أم سـلمة رضي الله عنها . أن النبي صلى الله عليه وسلم , رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة , فقال ،
(( اســـترقـوا لهـا فإن بهـا نظــرة ))
قال الحسين بن مسعود الفراء : والسفعة لون يخالف لون الوجه , قال الخطابي : عيـون الجـن أنفـذ من الأســنة , وقال ابن القيـم : العيـن عينـان : عيـن إنسـية , وعيـن جنيـة , وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب : وقوله ( ومن شر حاسد إذا حسـد ) , يعم الحاسد من الجن والإنس , فإن الشيطان وحزبه يحسدون المؤمنين على ما آتاهم الله من فضـله …

كيــف تـؤثــر الـعـيــن

يجب أن نعلم أن العين وغيـرها لا تؤثر إلا بإرادة الله تعالى ومشيئـته , وقد يعين الإنسان نفسه وقد يعين غيره , وقد يعين بغير إرادته وقد يصيب العائن من غير الرؤية كأن يكون أعمى أو كأن يكون المعيون غائبا ويوصف له من غير أن يراه , وقد تصيب العين مع الإعجاب ولو بغير حسد , وقد تصيب العين الرجل المحب ومن الرجل الصالح , لذلك يسـن لمن وقع بصره على شـيء يعجبـه من نفسـه أو أهله أو غيـره أن يذكـر بـما ورد …

قال ابن القيـم : " ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية بل قد يكون أعمى فيوصف له الشيء فتؤثر نفسه فيه وإن لم يره وكثير من العائنين يؤثر في العين بالوصـف من غيـر رؤيـة " ويقول أيضا : " وأصله من إعجاب العائن بالشيء , ثم تتبعه كيفية نفسه الخبيثة ثم تستعين على تنفيذ سمها بنظرة إلى المعين , وقد يعين الرجل نفسه وقد يعين بغير إرادته وهذا أردأ ما يكــون مـن النــوع الإنســانـي " … قال ابن حجر : " وقد أشـكل ذلك على بعض الناس , فقال :
كيـف تعمـل العيـن مـن بُعـد حتـى يحصـل الضـرر للمعيــون ؟؟

والجــواب :
أن طبائـع الناس تختـلف , فقد يكون ذلك من سم يصـل من عين العائن في الهواء إلى بدن المعيون , وقد نقل عن بعض من كان معيانا أنه قال : إذا رأيت شيئا يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني … فالذي يخرج من عين العائن سهم معنوي إذا صادف البدن لا وقاية له أثر فيه , وإلا لم ينفذ السهم بل ربما رُدّ على صاحبه كالسـهم الحسـي سـواء " …

وقال الشـيخ محمد بن عبد الوهـاب : " وهذه العين إنما تؤثر بواسطة النفس الخبيثة وهي بمنزلة الحية إنما يؤثر سمها إذا عضت فإنها تتكيف بكيفية الغضب فتحدث فيها تلك الكيفية السم فتؤثر في الملسوع , وربما قويت حتى تؤثر بمجرد النظر وذلك في نـوع منها يؤثر بمجرد النظر فتطمس النظر وتسقط الحَبَل كما ذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الأبتر وذي الطفيتيـن منـها "

الواجـب نحــو الـعـائـن

قال ابن القيـم : " وقد قال أصحابنا وغيرهم من الفقهاء : إن من عُرف بذلك حبســه الإمام وأجرى عليه إلى الموت , وهذا هـو الصـواب قطـعا " … وقال القاضي عياض : " قال بعض العلماء : ينبغي إذا عُرف واحد بالإصابة بالعين أن يجتنب وأن يحترز منه وينبغي للإمام منعه من مداخلة الناس , ويلزمه بلزوم بيته , وإن كان فقيرا لزمه ما يكفيه , فضرره أكثر من آكل الثوم والبصل الذي منعه النبي صلى الله عليه وسلم من دخـول المسـجد لئلا يؤذي الناس ومن ضرر المجذوم الذي منعه عمـر بن الخطـاب رضي الله تعالى عنـه " … وذكر الإمام النـووي نحـو ذلك …

سـبل الوقـاية من الـعـيـن وكيفيـة دفـع

شــر الحاســد عن المحســود

[CENTER]وضع الشارع سـبلا كثـيرة للوقاية من العين وهي :

التعـوذ بالله من شــر الحاســد وقـراءة المعوذتيـن … لقوله تعالى : ( ومن شر حاسـد إذا حسـد ) … ولما روى
أبو سـعيد الخدري : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان , فـلما نزلتـا أخذ بهما وتـرك ما ســواهمــا )

الدعاء بالبركة إذا رأى المرء ما يعجبه … قال الإمام النووي : ويستحب للعائن أن يدعو للمعين بالبركة فيقول : ( اللهم بارك فيه ولا تضـره ) , وأن يقـول : ( ما شـــاء الله لا قــوة إلا بالله ) …يقول ابن كثير عند قوله تعالى : ( ولولا إذ دخلت جنتـك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ) أي : " هلا إذ أعجبتك حين دخلتها ونظرت إليها حمدت الله على ما أنعم به عليك وأعطاك من المـال والولـد مـا لـم يعطـه غيـرك وقلـت مـا شـــاء الله " … وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من رأى شـيئا فأعجبه فقال : ما شـاء الله لا قوة إلا بالله لـم يضـره ) … وعن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا رأى أحدكـم من نفسـه ومالـه وأعجبه ما يعجبه فليـدع بالبـركــة ) … والتبـريك : أن يقول : ( تبارك الله أحسـن الخالقين , اللهم بارك فيه ) أو ( اللهم بارك فيه ولا تضره ) .

الصبـر على العائن وعدم التعـرض له أو ايذائه لقوله تعالى : ( ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بُغي عليه لينصرنه الله ) …

الإحســان إلى من عُرِفت إصابته بالعين كإحسـان الغني إلى الفقيـر المستشـرف لما في يـد الغنـي …

سـتر ما يخشـى عليه الإصـابة بالعيـن , فإن العين استشراف النفس نحو ما يعجبها , فإذا كان لدى الإنسان ما يخشى عليه العين فعليه أن يحرص على عدم إظهاره وإبرازه لا سيما أمام من عُرف بالعين مع اليقين التام بأن كل شيء يقع بأمر الله تعالى وتقديره , كما قال تعالى : ( وما هم بضـارين به من أحد إلا بإذن الله ) , فقد روي أن عثمان رأى صبيا مليحا فقال : دسّـموا نونتـه كيـلا تصيبه العين , ومعنى دسّموا أي : سوِّدوا , والنونة : النقبة التي تكون في ذقن الصبي الصغير …

الإســتعانة على قضـاء الحـوائج بالســر والكتــمان …

تقـوى الله تعالى وحفظه عنـد أمره ونهيـه , فمن اتقى الله تولى الله حفظه ولم يكله إلى غيره …
قال تعالى : ( وإن تصـبـروا وتتـقـوا لا يضــركـم كيـدهـم شـــيئـا )

الصـبر على عدوه وأن لا يقـاتلـه ولا يشـكوه ولا يحدِّث نفسـه بأذاه أصــلا …

التـوكـل على الله فمـن توكـل على الله فهـو حســبه …

الإقبـال على الله , والإخــلاص له , وجعل محبته ورضـاه والإنابـة إليه في محل خواطـر نفسـه , فإذا صار كذلك فكيف يرضـى لنفســه أن يجعل بيـت أفكــاره وقلبـه معمـورا بالفكـر في حاســـده …

تجـريد التـوبة إلى الله تعالى من الذنـوب التي سـلطت عليه أعـداءه , فإن الله تعالى يقـول : ( ومـا أصـابكـم مـن مصيـبـة فبـما كســـبت أيـديـكــم ) …

إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسـان إليه … وهذا من أصعب الأسباب على النفس , وأشقها عليها , ولا يُوفَّق له إلا من عَظُم حظـه من الله تعالى , فكلما ازداد أذى وشرا وبغيا وحسدا ازددت إليه إحسانا وله نصيحة وعليه شفقـة …

تجريد التوحيـد والتـرحل بالفكـر في الأسـباب إلى المسـبب العزيز الحكيـم … فإذا جرَّد العبد التوحيـد فقد خرج من قلبه خوف ما سـواه … من خاف الله خافه كل شيء … ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء … ومن خاف شــيئا غيـر الله سُــلِّط عليــه … وهـو الجامع لذلك كلـه وعليـه مـدار الأســباب …

[/center]

الأمــراض النفســية

الإعـراض عن الله تعالى والصـدود عن ذكـره واجـتراح الســيئات كل ذلك يسـبب عدم الإرتيـاح النفسـي وعدم الطمأنينـة … وصدق الله العظيـم إذ يقول : ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشـة ضنكـا ) …

والضـغوظ النفسـية ومشـاكل الحياة الطبيعية ربـما سـببت للإنسـان حالة من المتغيرات النفسـية , فالمرء في هذه الحياة يخضـع لكثير من المتغيـرات التي تنعكـس على اسـتقراره النفسـي , فلو فجع الإنسـان مثـلا بمـوت حبيب أو قريب ولم يكـن عنـده من الإيمـان ما يجعله يسـلم لقضـاء الله وقدره فلا شـك أن حالتـه النفسـية سـتنهار وبالتـالي ربـما لازمه الحـزن مدة من الزمـن … بل إن الأمراض العضوية تنعكس على نفسـية المريض وبالتالي ينعكس ذلك في تعامله مع أهله ومع الناس , فلو أن إنسـانا أصيب بألم أرقّه طوال ليله فلـم ينـم كيف سـتكون حالته النفسـية ؟؟

وحتـى الفـراغ القـاتل يجعـل الإنسـان غيـر مسـتقر نفســيا … فكلها أمور لها علاقة بالحالات النفسـية إذ أن السحر قد يصيب الإنسان بمرض نفسي فترى المسـحور لا يقرّ له قرار ولا يهدأ له بال , وكذا المصروع في بعض الحالات …

وأيا كانت الحالة المرضية فعلاجها بالإيمان والقرآن والرجوع إلى الله تعالى والتسـليم لقدر الله تعالى وقضائه … ولا مانع من العلاج الحديث لمعالجة الأمراض النفسية ما لم يكن في ذلك حرام … لكن يجب أن نعلم أن الطب النفسي ما لم يرتبط بالإيمان وبالله تعالى فإن نجاحه يكون ضعيفا … وقد قال استشاري في الطب النفسي : يأتي إلينا بعض المرضى ونعالجهم , بعضهم لا يســتفيـد , وبعد مدة يأتيـنا وهـو على أحسـن حال , فنسـأله ماذا فعلـت , فيقـول : تعالجـت بالقــرآن …

المعاصـي وآثـارها علـى العبـد

إن للذنوب والمعاصي آثارا بليغة على العاصي في الدنيا والآخرة , يقول ابن القيم : وهل في الدنيا شر وبلاء إلا الذنوب والمعاصي … واليوم كثير من الناس قد أصبح أسـيرا للمعاصي والذنوب التي قيدته وكلبته فما عاد يسـتطيع حراكا , واستحوذت عليه شـياطين الإنـس والجـن فكانت حياته تعيسـة ومعيشـته ضنكا … إن كثيرا ممن يصابون بالسحر ومس الجن إنمـا يكونون غالبا ممن بعـدوا عن الله تعالى … إن الأمـراض النفسـية كثيـر منهـا سـببه البعـد عن الله تعالى واجتراح السـيئات … ولنسـافر مع ابن القيـم وهـو يحدثنـا عن آثـار الذنوب على قلب المـرء ونفســه …

يقـول ابن القيـم " يرحمه الله تعالى " عن آثـار الذنـوب :

ومنها : وحشـة يجدها العاصـي في قلبه بينه وبين الله لا يوازنها ولا يقارنها لذة ترك الذنوب إلا حذرا من وقوع تلك الوحشة لكان العاقل حريا بتركها , وشـكا رجل إلى بعض العارفين وحشـة يجدها في نفسـه فقال له : إذا كنت قد أوحشـتك الذنوب فدعها إذا شــئت واســتأنــس … وليس على القلب أمر من وحشة الذنب على الذنب فالله المســتعان …

ومنها : الوحشـة التي تحصل بينه وبين الناس ولا سيما أهل الخير منهم , فإنه يجد وحشة بينه وبينهم , وكلما قويت تلك الوحشة بعد منهم ومن مجالسـتهم وحرم بركة الإنتـفاع بهم , وقرب من حزب الشـيطان بقـدر ما بعد من حزب الرحمـن وتقـوى هذه الوحشـة حتى تسـتحكم فتقـع بينه وبين امرأته وولـده وأقاربـه وبينه وبين نفسه فتـراه مستوحشا من نفسه .

ومنها : ظلمـة يجـدها في قلبـه حقيقـة يحـس بها كما يحـس بظلمة الليل البهيـم إذا ادلهمّ فتصـير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسـية لبصـره , فإن الطاعة نور , والمعصية ظلمة , وكلما قويت الظلمة ازدادت حيـرتـه …

علاج العين

أولا : أمــر الـعـائـن بالإغتســـال إذا عُــرف



وهـذا من أفضل علاج للعين , فإذا اغتسـل العائن أُتي بالماء الذي اغتسـل به العائن ويصب على رأس الإنسـان …
وذلك بأن يؤتى للرجل العائن بقدح , فيدخل كفّه فيه , فيمضـمض ثم يمجه في القدح , ثم يغسل وجهه في القدح , ثم يدخل يده اليسرى فيصب على كفه اليمنى في القدح , ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على كفّه اليسـرى صبة واحدة , ثم يدخل يده اليسرى فيصب على مرفقه الأيمن , ثم يدخل يده اليمنى فيصب على مرفقه الأيسر , ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على قدمه اليمنى , ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على قدمه الأيسر , ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على ركبته اليمنى , ثم يدخل يده اليمنى ويصب بها على ركبته اليسرى , كل ذلك في قدح , ثم يدخل داخلة إزاره في القدح , ولا يوضع القدح في الأرض , فيصب على رأس الرجل الذي أصيب بالعين من خلفه صبة واحدة …

ودليـل الاغتسـال ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم , فعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال : اغتسـل أبي سهل بن حنيف بالخرار فنزع جُبة كانت عليه وعامر بن ربيعة ينظر إليه وكان سهل شديد البياض , حسن الجلد , فقال عامر : ما رأيت كاليـوم جلد مخبأة عذراء , فوعك سهل مكانه واشتد وعكه , فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوعكه , فقيل له : ما يرفع رأسـه , فقال : هل تتهمـون له أحد ؟ قالـوا : عامر بن ربيعة , فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ عليه فقال : علام يقتل أحدكم أخاه ؟! ألا بركت اغتسـل له , فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح , ثم صُـب عليه من ورائه فبـرأ سـهل من ســاعتـه ) … ويقول صلى الله عليه وسلم : ( إذا استغسلتم فاغســلوا ) … وفي سنن أبي داود عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين ) …



كيفيـة معـرفة العائـن ومواجهتـه بالأمــر

يعــرف العائـن بأمــور منـها مـا يـلـي :

أن يكـون معروفا ومشـهورا عند الناس بإصابته بالعين بإذن الله تعالى , ويكـون في مجلـس ويصـاب أحد من كـان في المجلـس , فيكـون هـذا العائـن مظـنـة الإصـابـة بالعيــن …

أن يتكلم أحد على أحد سواء مواجهة أو في غيبته فإن كان الحديث في وجهه يأمره بالاغتسال , وإذا كان في غيبته فعلى من كان مع العائن أن ينصحه بتقوى الله تعالى , وإذا علم بأن العين قد أصابت من تحدث فيه عليه أن يأمر العائن بالاغتسال أيضا


مواجـهــة الـعـائـن إذا عُــرف


من المشاكل الكبيـرة التي تواجه المعين أو أهله كيـف يواجهـون العـائــن ؟؟ فهم يخشـون غضبه وغضب أهله من جهة , ويخشــون أن تتـرتـب على ذلك قطيعـة أو ما شــابه ذلك … فنقـول لهـؤلاء :

أولا : يجب التأكد من العائن فإن النبي صلى الله عليه وسلم , قال حين أعان عامر بن ربيعة سهل بن حنيف : ( هل تتهمون أحـدا ؟ ) قالـوا : عامر فدعـاه … إلخ … والشـاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم تأكد ممن أعان عامر بن ربيعة , وإنما يكون التـأكد بصـدور الكـلام من العـائـن , أو بإخبـار أحد عنه أو غيـر ذلك من القرائن الدالة على العائن …

ثانيـا : إذا لـم يكـن هنـاك تأكـد تـام فعلـى الأقـل غلبـة ظـن …
ثالثـا : يُنظـر في حال العائن … هل هو ممن يخاف الله تعالى ويقبل المواجهة ؟ فإن كان كذلك يذكر بالله تعالى ويقال له الأمر بكل صراحـة …
رابعا : إذا كان ممن يظن أن العين منه وهو ممن يغضب إذا وُوجه , فهذا يذكر بالله كثيرا ويخوَّف به , ويرسـل له أقـرب النـاس إليـه , ويســتعطف لحـال مـن بـه الـعـيـن …
خامسـا : إذا رفض الاغتسـال فهل يجبـر عليه ؟ هذا محل نزاع , قال المازري : والصحيح عندي الوجوب , وإذا كان المعين سيهلك وجب على العائن الاغتسال , لأنه يكون حينئذ متعينا عليه إنقاذ نفس مشرفة على الهلاك …


ثانيـا : الرقيـة مـن الـعـين


قد دلت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم على الرقية من العين ومنـها :
عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أو أمر أن نسترقي من العين ) …
وعن أنس رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رخَّص في الرقية من الحمة والعين والنملة ) …
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوِّذ الحسن والحسين ويقول : (( أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة … ويقول : هكذا كان إبراهيم يُعوّذ إسحاق وإسماعيل عليهما السلام )) …




رقيــة الـعـيــن



( باســم الله أرقيـك , من كل داء يؤذيك , ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشـفيك باسم الله أرقيـك )

( باسم الله يُبريك , ومن كل داء يشفيك , ومن شر حاسد إذا حسد , ومن شر كل ذي عيـن )

( أعـوذ بكلمات الله التامـات من شــر مـا خلـق )

( أعـوذ بكلمات الله التامة من كل شـيطان وهامة ومن كل عين لامة )

( أعـوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاورهن برِّ ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ , ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض , ومن شر ما يخرج منها , ومن شر فتن الليل والنهار , ومن شر طوارق الليل والنهار إلا طارق يطرق بخيـر يـا رحمــن )

( أعــوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضــرون )

( اللهم إني أعـوذ بوجهـك الكريم وكلماتك التامات من شر ما أنت آخذ بناصيته , اللهم أنت تكشـف المأثـم والمغـرم , اللهم لا يهـزم جنـدك ولا يخـلف وعـدك ســبحـانـك وبحمــدك )

( أعـوذ بوجه الله العظيم , الذي لا شيء أعظم منه , وبكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر , وبأسماء الله الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم من شر ما خلق وذرأ وبرأ , ومن شر كل ذي شر لا أطيق شره , ومن شر كل ذي شر أنت آخـذ بناصيتـه , إن ربـي على صــراط مســتقيـم )

( اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت ربُّ العرش العظيم , ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن , لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم , أعلم أن الله على كل شيء قدير , وأن الله قد أحاط بكل شيء علما , وأحصى كل شيء عددا , اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه , ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صـراط مســتقيـم )

( تحصنت بالله الذي لا إله إلا هو إلهي وإله كل شيء , واعتصمت بربي وربُّ كل شيء , وتوكلت على الحي الذي لا يموت , واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله , حسبي الله ونعم الوكيل , حسبي الربُّ من العباد , حسبي الخالق من المخلوق , حسبي الرازق من المرزوق , حسبي الله هو حسبي , حسبي الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يُجار عليه , حسبي الله وكفى , سمع الله لمن دعا , وليس وراء الله مرمى , حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو ربُّ العرش العظيـم )

فمن جرب هذه الدعوات والعوذ عرف مقدار منفعتها وشدة الحاجة إليها … وهي تمنع وصول أثر العائن وتدفعه بعد وصوله بحسب قوة إيمان قائلها وقوة نفسه واستعداده وقوة وثبات قلبه , فإنها سلاح والسـلاح بضـاربه …