رسالتي إلى وزير الدفاع .. د/ راغب السرجاني

[CENTER][SIZE=“2”]

أرسل لك هذه الرسالة من مخلص يحب أمته وبلده، ويرجو لها الخير كل الخير، كما يرجو لك يا سيادة الوزير العفو والعافية في دينك ودنياك وعاقبة أمرك…

لقد أقدمتَ يا سيادة الوزير على شئ خطير …

فبعد أن انقلبت على رئيسك، وكنت قد حلفت أمامه اليمين قبل ذلك، جاء الوقت الآن لتعلن عزمك على مقاومة مؤيديه بالسلاح بدعوى أنهم إرهابيون!

أذكرك بأشياء أحسب أنها تفيدك إن شاء الله…

أذكرك أن هؤلاء الذين تسميهم بالإرهابيين هم مجموعة من خيرة أبناء هذا البلد، اختارهم الشعب مرارًا ليكونوا في الصدارة، فاختارهم - كما تعلم - في مجلس الشعب، واختارهم كذلك في مجلس الشورى، واختارهم في كرسي الرئاسة، واختارهم في النقابات المهنية، واتحادات الطلاب، واختار ما أيدوه من دستور… يعني أنهم ليسوا مصريين فقط، بل قدَّمهم الشعب على غيرهم، فوصفهم بالإرهابيين أمر لا معنى له، خاصة أنك تعلم علمًا يقينيًا أن خروجهم سلمي تمامًا، وأنهم يتلقون الرصاص دون أن يقابلوا ذلك بحمل السلاح…

تذكَّر أيها الوزير أن هؤلاء المصريين الذين تهدِّد بحربهم وإبادتهم هم آباء وإخوة وأبناء الجيش الذي تجلس على قيادته.

وتذكَّر أيضًا أنك إذا أقدمت على مثل هذا الإجراء العنيف فإن جيشك سيتعرَّض للإنقسام، وأنك لن تأمن أبدًا على حالك فيه، فهناك جندي أو ضابط تقريبًا في كل أسرة مصرية، ولو أطاعك كبار رجال الجيش، ولا أعتقد أن كلهم يفعل، فإن عموم الضباط والجنود لن يستطيعوا توجيه الرصاص إلى إخوانهم وأبنائهم، فلا تعرِّض جيشك لخطر الانقسام والفرقة.

وتذكَّر أنك بهذا الفعل الخطير ستقود إلى حالة من الاضطراب في البلد لا يعلم حجمها إلا الله، فأنت - كما تقول - تريد حالة استقرار للبلاد، ولكن من حيث تريد الاستقرار سيأتي الخراب والدمار، فالشباب الكثير المتعرض للظلم نتيجة هذه القرارات العنيفة قد لا يصدق أنك تؤمن بالله في ضوء ما يراه من قتل للمصلِّين، وفي شهر رمضان! ومن ثم قد يتجه إلى فكر التكفير، وهذا منحنى خطير لا نريد للبلاد أن تنجرَّ إليه، وقد يرفض هؤلاء الشباب كل وسائل التغيير السلمية من انتخابات وغيرها، فيلجأ إلى السلاح، ونكرر بذلك سيناريو الجزائر، وهو سيناريو رهيب خلَّف وراءه أكثر من مائة ألف قتيل، وكان القتلى من الشعب والجيش على حدٍّ سواء…

وأذكَّرك أيضًا يا سيادة الوزير بأن القرآن الكريم، وأنا أعلم أنك تؤمن به، قد ذكر موقفًا عجيبًا لأحد كبار الطغاة في التاريخ، وهو فرعون، عندما طلب تفويضًا من شعبه بقتل موسى عليه السلام، فقال: {… ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ، أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر:26]، فلا تضعنَّ نفسك في هذا المكان، فإنه خطير، وأنت كنت قريبًا من الرئيس الدكتور مرسي، ومن رجال حكومته، ولعلك لمست بنفسك في اجتماعات رئاسة الوزراء أنهم لا يريدون الفساد، وأنهم ليسوا إرهابيين بحال، وغاية ما هنالك أن تكون هناك أخطاء إدارية لو كانت موجودة، أما الفساد فليس طريقهم، فاتق الله فيهم، وتذكر أن عاقبة الفراعين مؤسفة، فلا توردنَّ نفسك وجيشك وشعبك المهالك، فقد قال الله تعالى في حق فرعون بعد أن هيَّج الشعب على المؤمنين: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ}، وإني أربأ بك عن هذه النهايات…

وأخيرًا أذكِّرك يا سيادة الوزير بأنَّ الإنسان مهما طالت حياته فإنه ميت، وسيلقى ربه عز وجل فيسأله عن كل صغيرة وكبيرة في حياته، وسوف يكون الله عز وجل رحيمًا بعامة المؤمنين إلا الذين أصابوا دمًا حرامًا، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا”، وأنت تعلم أنه في رقبتك الآن عشرات القتلى تحتاج أن تقدِّم إلى الله عز وجل مبررات مقنعة لقتلهم، خاصة مذبحة الحرس الجمهوري، فإنك لن تستطيع أن تقول لله عز وجل أنهم هجموا على الجيش بينما هذا لم يحدث، لأنه سبحانه وتعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهو يسجل ما يحدث على الأرض بدقة متناهية… قال تعالى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية 29]، فستجد يوم القيامة نسخة كاملة من المذبحة السابقة وغيرها في كتابك، وستجد المذابح القادمة! إن كنت تنوي فعلها، وهذه حسابها يطول، وقتيل واحد قد يمنع من دخول الجنة… قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93].

كما أحذرك من اللحظات الأولى في الحساب يوم القيامة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ”، فهناك الآن بالفعل عدد كبير سيخاصمك يوم القيامة، فلا ترفعنَّ هذا العدد إلى أكبر منه، فقد تكون هناك فرصة توبة تنتهي، ولقد غفر الله عز وجل لقاتل المائة نفس، فأمامك فرصة، فإيَّاك إيَّاك أن يأتيك الموت وأنت مازلت على عزيمتك في قتل المسلمين، وتخيَّل هذا الموقف الذي يحكيه لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم فيقول: “يَجِيءُ الْمَقْتُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتَعَلِّقًا بِالْقَاتِلِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ سَلْهُ فِيمَ قَتَلَنِي”، وفي رواية الترمذي يقول صلى الله عليه وسلم: “يَجِيءُ المَقْتُولُ بِالقَاتِلِ يَوْمَ القِيَامَةِ، نَاصِيَتُهُ وَرَأْسُهُ بِيَدِهِ، وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا، يَقُولُ: يَا رَبِّ، قَتَلَنِي هَذَا، حَتَّى يُدْنِيَهُ مِنَ العَرْشِ”…

والله ليحدثنَّ هذا الموقف يا سيادة الوزير…

ماذا فعلت بنفسك؟!

لا حول ولا قوة إلا بالله!

كنتَ منذ ثلاثة أسابيع آمنًا من هذا المصير، وكان الجيش كبيرًا في عيون كل المصريين، وكان الأمل في مستقبل أعظم للقوات المسلحة، وكان الجميع يدعون لك بالتوفيق في توفير الأمن لمصر، ثم تغيَّرت الأحوال بهذه الصورة، فنسأل الله الثبات عند الفتن، فإنها تأتي كقطع الليل المظلم…

يا سيادة الوزير…
لا يغرنك الذين ينافقونك في وسائل الإعلام، ومن تقودهم من رجال الجيش، فإنهم لن ينفعوك بشئ أمام ربك… قال تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا، وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [النحل 111] …

ستقف قريبًا بين يدي الجبار ليس بينك وبينه ترجمان، مسكينًا عريانًا ضعيفًا وحيدًا، وسيسألك عن نعمة السلطة والقوة التي أعطاها لك، فأَعِدَّ لهذا السؤال جوابًا، واحذر من سوء الخواتيم، فإن الروح إذا خرجت لا تعود إلى يوم القيامة… قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “… وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا”.

هدانا الله جميعًا لما يحبه ويرضاه…

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته…

[/size][/center]

ﺳﻠﻤﺖ ﻟﺮﻭﻋﻪ ﻃﺮﺣﻚ
ﺩﺍﺋﻤﺎ ﻣﺘﻤﻴﺰ ﺑﺎﻻﻧﺘﻘﺎﺀ ﺍﻟﺮﺍﺋﻊ