كلام الله و كلام الناس

مرة أخرى تثبت الأحداث عجزنا عن اتخاذ مواقف فكرية مركبة، وميلنا إلى التبسيط المخل ووضع الناس في قوالب مصمتة غير متداخلة، إذ أن ذلك يريحنا من عناء التفكير الذي يبدو طوال الوقت الفريضة الغائبة!
بين أيدينا مصرع بن لادن نموذجا على ذلك، لا أنكر أن الأمر ملتبس، وأن الإنسان المثقف قد تنتابه مشاعر متضاربة، لكن هذا لا ينفي في كل الأحوال أن الناس كفت عن إعمال العقل لصالح الاصطفاف في طوابير التصفيق أو النحيب وراء المجموعات أو الأشخاص التي تعبر عن المشاعر الانفعالية للشخص Gut reaction.

في محاولة الوصول لموقف مركب عقلاني لا يخلو من العاطفة، نذكر النقاط التالية التي بجمعها معا نستطيع تحديد ذلك الموقف.

أولا: في التعبير عن أشواق الناس:
إن بن لادن اتخذ موقفا واضحا ضد الهيمنة الغربية في العالم الإسلامي وضد الحكومات التي اعتبرها عميلة وكافرة، وضد المثقفين والعلماء الذين يعتبرون منهجه خاطئاً، وكان منهجه المعلن في التغيير، العنف والقتل مهما خلف من دماء ودمار.
وفي ظل هجمة غربية صهيونية شرسة على العالم العربي والإسلامي، وفي ظل انحسار قوى الممانعة، واصطفاف الموقف الرسمي العربي في خانة التبعية، فإن وجود بن لادن – برغم نفور غالبية المسلمين من منهجه واكتوائهم بنيران أتباعه – كان يعبر عن شوقٍ كامن في نفوسهم، لاستلهام موقف ممانع يعيد لهم شعورهم المفقود بالكرامة.
وبالإضافة لما سبق، فقد كان لابن لادن رصيدا جهاديا سابقا ضد الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، وهو الرصيد الذي أسس عليه حركته لاحقا.
وبرغم أنه لم يبرح أن “يتمحك” في قضية فلسطين فإنه لم يطلق رصاصة واحدة على الصهاينة، في حين أن أتباعه قتلوا وروعوا آلاف المسلمين في المغرب والجزائر وغيرهما، تحت مبررات فاشلة. مما أعطى فرصة ذهبية للمتربصين للخلط المقصود بين المقاومة المشروعة والإرهاب البغيض.

ثانيا: في غطرسة الإمبريالية الأمريكية
لم يكن مصرع بن لادن يثير كل هذا اللغط لو أن موته جاء طبيعيا، أو حتى على يد فصيل مسلم معارض لمنهجه، لكن ما عقد المسألة أنه جاء على يد المخابرات الأمريكية التي لا يمكن بحال اعتبارها ذراعا للدفاع عن العرب والمسلمين وهي التي خططت لقتلهم وإهانتهم في أفغانستان والعراق، وجعلت كل من يحمل اسما عربيا موضع سخرية واتهام في مطارات العالم.
الأمر الآخر المهم أن مقتل الرجل جاء على أرض مسلمة – باكستان – بل وصرح مسئول أمريكي أن العملية العسكرية استهدفت قتل الرجل لا اعتقاله.
في هذا الصدد أجد نفسي منحازا لرأي عقلاني لرجل انتمى للجماعات الجهادية وهو طارق الزمر حين عبر في كلمات ذكية بقوله إن مصرع بن لادن بتلك الطريقة هو استمرار للغطرسة الأمريكية، وتجاوزها للشرعية الدولية والقانون الدولي لأن المفروض في عملية كتلك أن تكون بغطاء دولي، وأن يعتقل الرجل ويقدم لمحاكمة عادلة، لا أن يتم قتله.

ثالثا: في دلالة التوقيت والطريقة
غير بعيد عما سبق، فإن توقيت قتل ابن لادن والطريقة الاستعراضية التي قتل بها، لا يجب أن تغيب عن أذهاننا، في ظل تراجع شعبية أوباما واقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وكذلك الانتخابات الكندية. وقد رأينا جميعا كيف رفع قتل بن لادن من أرصدة الأحزاب الحاكمة هناك.
في ذات الصدد أيضا نوه خبراء في الشأن الجهادي بأن الإصرار على اغتيال الرجل بدلا من محاكمته كان مقصودا لتجنيب وقوع الإدارة الأمريكية في الحرج بما قد تفضحه المحاكمة من أسرار.
يتحدث الرئيس أوباما عن مصرع الرجل الذي كان مسئولا عن مقتل الآلاف من “الأمريكان وحلفائهم” لكن سيادة الرئيس لم يقل لنا لماذا لم يحاسب المجرمون في الإدارة الأمريكية الذي ارتكبوا جرائم حرب في العراق وأفغانستان وقتلوا أضعاف أضعاف من قتلهم بن لادن؟

رابعا: في أن الأفكار لا تموت
إن الأفكار لا تموت، مهما بدت شاذة أو منفرة، إن فكرة هتلر العنصرية بنقاء الجنس الآري لازالت تجد من يعتنقها، وفكرة العنصرية ضد السود لازالت حية في نفوس البعض برغم مواثيق حقوق الإنسان التي أنهت العبودية والعنصرية.
الأفكار لاتموت لكنها تنزوي أو تذبُل، وتظل حبيسة صدور وأفواه عدد من المتطرفين، لا تجد طريقها لقناعات الملايين وذلك بسبب وجود قوانين تطبق على الجميع بعدالة، وبسبب غياب الظروف الموضوعية التي تساعدها، فإن تغيرت الظروف وجدت الأفكار تربة جديدة لازدهارها.

من هنا أجد نفسي منحازا لنفر من المثقفين الذين يرون أن النقاش لا يجب أن ينصب على الحدث “مصرع الرجل” بقدر ما يجب أن ينصب على الأسباب التي أدت لظهور أفكاره… وهل ساعدت سياسات الإدارة الأمريكية في وأدها أم لا… والإجابة بالقطع ستكون أبعد ما تكون عن “نعم”.
إن سياسات أمريكا في المنطقة لاتزال إمبريالية تستهدف ثراوتها وإبقائها خاضعة خانعة، ناهيك عن تأييدها غير المشروط لآخر دولة استعمارية في العالم “إسرائيل” وسياستها الدموية. ولم ينفذ أوباما 1% من خطابه التصالحي مع المسلمين، ولم نجد تغيرا في سياسات أمريكا تجاه السلام، وتجاه سياسات اسرائيل العنصرية الاستعمارية.

وعلى الصعيد الداخلي العربي، فإن انسداد الأفق السياسي، ووجود دكتاتوريات حاكمة كابسة على أنفاس شعوبها، أفقدت الناس الأمر في أي تغيير سلمي حتى قيام الثورات العربية المباركة.
إن الهزيمة الحقيقية لابن لادن لم تكن بمدافع المخابرات الأمريكية، وإنما بهتافات الثورات العربية السلمية التي بينت عمليا فشل فكر القاعدة ولفظت العنف وصفعت أصحابه صفعة رجت أركانهم، وبينت أن خيار المقاومة السلمية المدنية هي الطريق الوحيد لنيل الحقوق وانتزاع الحريات. وهي الآن تمهد السبيل لتوفير مناخ صحي يؤيد الممانعة والمقاومة المشروعة، مما يسحب أي رصيد متبقٍ لجماعات العنف.

يمكنني أن ألخص ما أريد قوله في ثلاث نقاط:
الأولى إن مصرع بن لادن هو صفعة أخرى من الإمبريالية الأمريكية للعدالة والشرعية الدولية، إذ كان ينبغي اعتقاله ومحاكمته محاكمة عادلة، على جرائمه ضد الإنسانية. كما ينبغي أيضا اعتقال ومحاكمة مجرمي الحرب في أمريكا من الإدارة السابقة. على جرائمهم الأفظع.
وثانيها إن الأفكار مهما كانت شاذة لا تموت بالمدافع، ولكنها تنزوي بإزالة الظروف التي تعينها على الانتشار، وتوفير مناخ آخر صحي، وهذا مالم تحرص عليه الإدارة الأمريكية ولا الحكام المنبطحين. إذ أن في بقاء الإرهاب مبررا لوجودهم كابسين على أنفاس الخلق.
وثالثها إن تركيز النقاش على النقطتين السابقتين هو الأهم، إذ أن الأمر أوسع من أن نحصره في السؤال الضيق: هل الرجل شهيد يستحق الترحم، أم سفاح يستحق اللعنة… انشغلنا بالقيام بوظيفة الرب، وأهملنا القيام بوظائفنا كمخلوقات مفكرة.
مقالة منقولة عدلت عنوانها فقط لأننى كنت اظن انه مخالف للشرع فقط وهذا هو رابط المقالة
http://www.facebook.com/home.php?sk=question&id=220823011265129&qa_ref=ns#!/notes/amr-magdi/%D9%85%D9%82%D8%AA%D9%84-%D8%A8%D9%86-%D9%84%D8%A7%D8%AF%D9%86-%D9%88%D8%B8%D9%8A%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8-%D9%88%D9%88%D8%B8%D9%8A%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B3/10150179582973676
ولكم الشكر الجزيل
وعلينا الا نحكم على الناس ولندع الحكم لله رب الارض والسماوات وخاصة خاصة مع شخص قد افضى الى ما قدم من عمل وحسابه عند ربه والله تعالى اعلى وأعلم هو حسبنا ونعم الوكيل
اخوكم اسامة الشريف

لم اقتنع باسامة بن لادن يوماً…و قد أغاظني جداً اساءته لسمعه الاسلام و المسلمين في العالم…و لكن اعجبني جداً هذا الكلام…

كلامك عقلانى جدا اخى اسامة واعتقد انك انهيت القضية واتفق معك فى قولك "وعلينا الا نحكم على الناس ولندع الحكم لله رب الارض والسماوات وخاصة خاصة مع شخص قد افضى الى ما قدم من عمل وحسابه عند ربه والله تعالى اعلى وأعلم هو حسبنا ونعم الوكيل"

جزاكم الله خيرا كثيرا
وهذا من وجهة نظرى هو المفروض بل ويكاد يكون الواجب فمن نحن حتى نستطيع ان نحكم على غيرنا وعلى ما لا نعلم كل تفاصيلة وخباياة

جزاك الله خيرا اخ اسامة على هذا المقال الرائع جدا والكلام موضوعي وعقلاني جدا وأود أن أسئلك من كاتب هذا المقال ؟
وحاولت الدخول للرابط الموجود ولكن يعطينى سؤال حول دورات

والله كلامك ممتاز ولكن نحن كعرب لابد من احترام وتقدير اسامه بن لادن ان كان مات او حى لانه ترك أمواله والراحه فى بلده واختار التعب والعناء لكرامة المسلمين حتى ولو نختلف معه فى الفكر ولكننا من منا من حافظ أو وقف وترك ماله وبلده ويقف أمام أقوى دوله فى العالم كما يقولون ورحمة الله وجعله من الشهداء.