الاسلام في فرنسا

2004… عام الإسلام في فرنسا

باريس- هادي يحمد- إسلام أون لاين.نت/ 22-12-2004

محجبات فرنسيات يتظاهرن احتجاجاً على خطف الصحفيين

استحق عام 2004 عن جدارة أن يطلق عليه من جانب المراقبين للشأن الإسلامي الفرنسي “عام الإسلام في فرنسا”، فقد ازدحم هذا العام بأحداث كثيرة ارتبطت بالإسلام وبمسلمي فرنسا، منها ما شكل “محطات إيجابية”، ومنها ما اعتبر “تواريخ سلبية” للمسلمين.
وتمثلت أهم المحطات الإيجابية في اعتناق 50 ألف شخص للدين الإسلامي على مدار العام، بحسب إحصاء رسمي، وهو رقم غير مسبوق، فضلا عن تزايد مبيعات الكتب حول الإسلام وكذلك فوز فرنسيين من أصول عربية بمقاعد في مجلس الشيوخ الفرنسي، بالإضافة إلى دور مسلمي فرنسا في الإفراج عن رهينتين فرنسيتين في العراق والذي لاقى إشادة جماعية من الأوساط السياسية والإعلامية الفرنسية.

تواريخ سلبية

وكانت من بين “التواريخ السلبية” بالنسبة للأقلية المسلمة في فرنسا إقرار قانون حظر الرموز الدينية، ومن بينها الحجاب في المدارس الفرنسية، وطرد أئمة من الأراضي الفرنسية، بجانب تزايد الانتهاكات والإساءات ضد المسلمين، أو ما عرف بانتشار ظاهرة “الإسلاموفوبيا”.
فانسون جيسير الباحث المتخصص في الشئون الإسلامية يقول في تصريحات خاصة لـ"إسلام أون لاين.نت": “إن عام 2004 شهد اهتماما بالغا بالإسلام وقضايا الأقلية المسلمة، وظهر ذلك بصورة لافتة للنظر وغير مسبوقة في مختلف وسائل الإعلام، ويكفي أن ننظر إلى رفوف المكتبات التي امتلأت بالكتب حول الإسلام”.
غير أنه يلفت إلى أن “هذا الاهتمام كان ينحو أحيانا إلى تجريم المسلمين تحت لافتة محاربة الظاهرة الإسلامية”.

الحجاب

محجبات بفرنسا

وشكل قانون منع الرموز الدينية الظاهرة في المدارس الحكومية ومنها الحجاب أبرز الأحداث المؤثرة على الأقلية المسلمة في فرنسا، حينما أقرت الحكومة الفرنسية مطلع 2004 مشروع القانون رغم اعتراض “حزب الخضر” والحزب الشيوعي الفرنسي".
وقد لعب حزب “التجمع من أجل الحركة الشعبية” اليميني الحاكم والحزب الاشتراكي (أكبر الأحزاب المعارضة) دورا مهما في تمرير القانون رغم أنه من النادر أن يتفق الحزبان على قانون واحد.
وبمقتضى القانون يحظر ارتداء الحجاب والصليب كبير الحجم والقبعة اليهودية وعمامة طائفة السيخ بالمحيط المدرسي، ويتم طرد غير الملتزمين بهذه التعليمات من المدارس.
واتجهت فرنسا إلى إقرار ذلك القانون بعدما طالبت لجنة برنار ستاسي المكلفة بمراقبة العلمانية بفرنسا في ديسمبر 2003 بإصدار تشريع يحظر الرموز الدينية خوفا من تأثير الدين على النظام العلماني في فرنسا، على حد تقدير اللجنة.
ومنذ بدء تطبيق القانون مع بداية العام الدراسي 2004-2005، طردت نحو 40 طالبة مسلمة من مدارس حكومية فرنسية رفضن خلع حجابهن لدى دخولهن المدرسة، بحسب وسائل الإعلام الفرنسية.

تأهيل الأئمة

الأئمة وإعدادهم كذلك من الموضوعات المثارة بقوة في فرنسا، فقضية طرد الإمام الجزائري عبد القادر بوزيان من فرنسا في النصف الأول من 2004 بسبب آرائه حول ضرب المرأة، ثم قضية الإمام التركي مدحت قلير الذي اتهم بـ"الانتماء إلى جماعة تركية متطرفة تسعى إلى إقامة دولة إسلامية في تركيا"، فتحتا نقاشا واسعا حول نوعية الأئمة الذين ترغب فيهم فرنسا.
وانتهى ذلك الجدل بوضع وزير الداخلية الفرنسي “دومينيك دوفيلبان” أوائل شهر ديسمبر 2004 برنامجا شاملا لتأهيل الأئمة يقضي بضرورة إجادة الأئمة للغة الفرنسية ودراسة مواد تتعلق بتاريخ الجمهورية الفرنسية والقوانين العلمانية إضافة إلى دراسة العلوم الشرعية.

معركة المصطلحات

“الإسلاموفوبيا” أو الخوف من الإسلام كان من أبرز المعارك الخاصة بالمصطلحات خلال عام 2004 والتي حسمت لصالح الأقلية المسلمة عندما استخدمه رسميا مسئولون فرنسيون للإشارة إلى تصاعد الانتهاكات بحق المسلمين.
وهذا المصطلح الذي روج له فانسون جيسير عبر كتاب له بعنوان “الإسلاموفوبيا” لم يكن ليقبل بسهولة في أوساط النخبة الفرنسية وخاصة اليمينية منها.
غير أن المصطلح حظي باهتمام واسع وخاصة خلال شهر نوفمبر 2004 من خلال مؤتمر “الحركة ضد العنصرية ومن أجل الصداقة بين الشعوب” (غير حكومية) التي صادقت عليه واعتبرته “الأنسب للتعبير عن المضايقات” التي واجهتها المحجبات والجالية المغاربية وخاصة في جزيرة كورسيكا (جنوب) وغيرهم من أبناء الأقلية الإسلامية.
واستخدمت أيضا بعض الصحف الفرنسية “الإسلاموفوبيا” للتعبير عن وجود حالة رعب وهاجس أمني من الإسلام والمسلمين في فرنسا ومنها صحيفة “لوموند” واسعة الانتشار، كما برز المصطلح في تقرير آخر بالصحيفة بعنوان “تحقيق حول الأديان في أوربا” يؤكد “تصاعد الإسلاموفوبيا والعداء للسامية”.
ورسميا استخدم رئيس الحكومة جان بييار رافاران كلمة “الإسلاموفوبيا” في أحد لقاءاته مع عميد مسجد باريس “دليل أبو بكر”، وندد بهذه الظاهرة، وعلى نسق “رافاران” فقد تبنى نيكولا ساركوزي (رئيس حزب التجمع من أجل الحركة الشعبية ومرشحه المرتقب لانتخابات الرئاسة في 2007) المصطلح؛ وهو ما اعتبر اعترافا بانتشار ظاهرة الخوف من الإسلام في البلاد.
كما أعرب الرئيس جاك شيراك أكثر من مرة عن إدانته لكل الاعتداءات الموجهة ضد مسلمي فرنسا. ويرى الباحث “فانسون جيسير” أن الإسلاموفوبيا ظاهرة موجودة بالفعل في المجتمع الفرنسي.
وقال: “يجب أن نحصي عدد الكتب التي تم تأليفها للهجوم على (المفكر السويسري) طارق رمضان هذه السنة، وعلينا كذلك أن نحصي عدد الانتهاكات التي تعرض لها المحجبات”.
وأضاف أن أحدث اعتداء من هذا النوع تعرضت له محجبة تجاوزت الأربعين من عمرها في منطقة الألزاس يوم 16-12-2004؛ وهو ما سبب لها إصابات بالغة في الوجه.
وتابع جيسير قائلا: “الهجمات على الرموز الإسلامية في جزيرة كورسيكا والتي وصلت إلى حد إطلاق الرصاص الحي ضد إمام مسجد تجعلنا نتأكد أن الإسلاموفوبيا حقيقة وليس مصطلحا يروجه الإسلاميون كما يدعي البعض”.

50 ألفا يعتنقون الإسلام

جمال دبوز الممثل الكوميدي الشهير في فرنسا الذي يفتخر بهويته الإسلامية

السابقة الإيجابية التي شهدها عام 2004 تمثلت في اعتناق عدد كبير من الفرنسيين الدين الإسلامي وصلوا إلى 50 ألف شخص، بحسب إحصاء وزارة الداخلية الفرنسية، كما بلغت القراءات حول الإسلام بشهادة أصحاب المكتبات الفرنسية أرقاما قياسية هذا العام وحظيت البرامج التلفزيونية التي خصصت عن الإسلام والأقلية المسلمة باهتمام بالغ من الفرنسيين وحققت نسبة مشاهدة عالية.
وعلى الصعيد السياسي وتأكيدا على فكرة الاندماج والالتزام بقيم الجمهورية الفرنسية، تمكنت شخصيات مسلمة من الوصول إلى مواقع مؤثرة، حيث فازت الفرنسيتان المسلمتان من أصل مغاربي “حليمة بومدين تيري” و"بريزة الخياري" في سبتمبر 2004 بمقعدين في مجلس الشيوخ الفرنسي خلال الانتخابات الجزئية لتجديد نحو ثلث مقاعد المجلس، في سابقة هي الأولى من نوعها لمسلمي فرنسا، بعد أن ترشحتا ضمن قائمتين تابعتين لحزبين يساريين.
وعلى المستوى الفردي، شهد العام 2004 بزوغ نجم العديد من النماذج الإسلامية الناجحة والقادرة رغم التزامها بدينها على الاندماج في المجتمع الفرنسي، من بينها جمال دبوز الممثل الكوميدي الشهير في فرنسا الذي يفتخر دوما وعلنا بهويته الإسلامية.

تفاعل إسلامي

وفي خضم كل هذه التطورات، أصر مسلمو فرنسا على إظهار تفاعلهم الإيجابي مع قضايا الجمهورية، ومثل حادث اختطاف الصحفيين الفرنسيين كريستيان شينو وجورج مالبرونو اللذين احتجزا في العراق منذ 20-8-2004، وأفرج عنهما الثلاثاء 21-12-2004، فرصة كبيرة لمسلمي فرنسا مكنتهم من إثبات وجودهم حين أرسلوا وفدا من المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية إلى بغداد في مسعى جاد للإفراج عن الصحفيين.
وقد رحب الرئيس شيراك والفرنسيون ووسائل الإعلام الفرنسية بهذا الموقف، وعن ذلك يقول التهامي إبريز رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا لـ"إسلام أون لاين.نت": “مجرد وضوح موقفنا في قضية الرهائن سجل لصالحنا”.
وفي أعقاب الإفراج عن الرهينتين الفرنسيين، لم تخل وسيلة إعلام فرنسية من الإشادة بجهود وموقف مسلمي فرنسا من أجل تحرير الصحفيين الفرنسيين لتشكل خاتمة 2004 نهاية سعيدة لمسلمي فرنسا رغم كل ما تعرضوا له على مدار العام من مضايقات.
منقول

اللهم اعز الاسلام وانصر المسلمين

اللهم امين شكرا اخي الكريم اسعدني مرورك