سوبرمان إسلامي

كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،
يخطأ من يظن أن سوبرمان هو مجرد شخصية كرتونية مسلية للأطفال.
إن سوبرمان هو خلاصة الفكر الفلسفي اليوناني والروماني الوثني الذي يؤمن بتعدد الآلهة، وأن هذه الآلهة لا تختلف في صفاتها الأساسية عن البشر، وأنهم لا يعدون أن يكونوا بشراً ذوي قدرات خارقة، ويزيد من تأكيد هذه الصورة الأساطير اليونانية التي تحكي عن بشر وصلوا إلى سر الآلهة فصاروا إلهة، أو إله فقد قدراته الخارقة فصار بشراً عادياً، وقد تسربت هذه الخرافة إلى التوراة المحرفة في قصة أكل آدم -عليه السلام- من الشجرة، وكيف قال الإله: الإنسان أكل من شجرة المعرفة، وصار كواحد منها يعرف الخير والشر، ويوشك أن يأكل من شجرة الحياة.
ومن هنا ندرك أن تلقيح الكتب السماوية بهذه العقائد الوثنية قد بدأ قبل بعثة عيسى -عليه السلام- والذي كانت أهم مقاصد بعثته بيان تلبيس أحبار اليهود بالإضافة إلى التبشير برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وبعد رفع عيسى -عليه السلام- وظهور القول بأنه الله أو ابن الله -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- وجد الإمبراطور الروماني قسطنطين الفرصة سانحة ليوحد الإمبراطورية الرومانية تحت دين واحد، فكان هذا الدين المسخ الذي كان نصيب النصرانية فيه الاسم، مع قليل من المضمون، بينما كان المضمون الأعظم هو عقائد اليونان والرومان، مع قصر تعدد الآلهة على ثلاث، وهي فكرة لم تكن غريبة عن الديانة الأوربية الوثنية التي عَرفت مع تعدد الآلهة الإله الأعظم والثلاثة الآلهة الكبار.
وبعد سقوط سلطة الدين في أوربا عادت أوربا إلى الفلسفة اليونانية في كل ميادين الحياة، ومعظم النظريات السائدة الآن في الغرب كالديمقراطية وغيرها هي أفكار يونانية لفظاً ومعنى وإن كان أحبار الدين عندهم قد استطاعوا أن يطوعوه من جديد لهذه الموجة من الأفكار.
وفي ظل هذه البيئة الثقافية خرجت فكرة قصص “المخلوقات الخارقة” على شكل سوبرمان أو سلاحف النينجا أو غيرها من القصص، ومعظمها أضاف إلى البعد العقائدي اليوناني القديم بُعداً علمانياً حديثاً، وهو أن هذه المخلوقات الخارقة صارت خارقة عن طريق امتلاكها لاكتشافات علمية حديثة، بينما حافظ البعض الآخر على عزو القدرة الخارقة لهذه المخلوقات على أنها من السماء مما يجعلها أقرب لوجهة نظر الكنيسة.
وأيا ما يكن من أمر فسوف تظل فكرة المخلوقات الخارقة فكرة مصادمة للعقيدة الإسلامية التي تقرر انفراد الله -تعالى- بالخلق والرزق والتدبير والإحياء والإماتة، وتقرر انفراده -تعالى- بعلم الغيب، ومعرفة ما تكن صدور الناس، وغيرها من الخصائص التي تنسبها هذه القصص لأبطالها.
ولذلك فإنه من الخطر البالغ التعامل مع هذه القصص على أنها مجرد قصص للتسلية، دون إن ننتبه إلى المغزى العقائدي تذرعاً بعدم إدراك الأطفال لما بين السطور -كما يقولون- لأن الأثر الفكري لهذه القصص يبقى مختزناً في العقل الباطن ينتظر درجة النضج المناسبة للعقل، لكي يجتر هذا من المعارف المتراكمة.
وإذا كان العلماء التربويون في الغرب مع عدم وجود مصادمة بين هذه الأفكار وبين أديانهم سواء النصرانية المحرفة أو العلمانية يشتكون من الأثر التراكمي السلبي لهذه الأفكار على الأطفال من ناحية تنمية روح التواكلية والاستسلام وتغذية اللامنطقية في التفكير، فما بالنا نحن المسلمين حيث تمثل هذه الأفكار عدواناً صارخاً على عقيدتنا.
وقد انتبه الكثيرون إلى خطورة هذه القصص على عقول الناشئة فحذروا منها، وكالعادة طالب الكثيرون بالبديل الإسلامي، وهو أمر لا غبار عليه من حيث المبدأ شريطة أن يكون البديل إسلامياً فعلاً، بمعنى أنه لو كانت ثمة منفعة مباحة في أمر ما يشتمل على محرمات، وأمكن توفير بديل يحقق هذه المنفعة بلا حرمة ولا مفسدة لكان بديلاً مقبولاً، حتى ولو كانت هذه المنفعة ترفيهية.
ولكن الآفة تكمن في أن البديل غالباً ما يحتوى على نفس مخالفات الأصل مع تخفيف حدتها، وليس مع إزالتها، والكارثة الأكبر تكمن في تسمية هذا البديل الجديد بالإسلامي، مما يعنى وصول أصحابه إلى الرضا عن ما هم فيه والقناعة به، ولعل من أعجب ذلك مسألة ملابس البحر الإسلامية للنساء التي شغلت الأوساط الإعلامية مؤخراً.
وغني عن الذكر حرص الغرب على نشر أفكاره ومبادئه في بلاد المسلمين في صورتها الفجة الواضحة، ولكن لا بأس عنده إذا لم يدرك ذلك أن يلبس أفكاره الثوب الإسلامي، ويروجها في بلاد المسلمين على أنها هي الصيغة التوافقية الممكنة التي تحقق للمسلمين ذاتهم، وفي نفس الوقت لا تحرمهم من الاندماج في المجتمع الدولي.
ومن هنا جاء دعم الغرب للأفكار التي يراها أكثر موائمة له مثل الصوفية التي ضارعت النصرانية في كثير من انحرافاتها، والتي تعايشت مع العلمانية في بلاد المسلمين تعايشاً يضاهي تعايش النصرانية في طورها الأخير مع العلمانية، ومن هذا الباب أيضاً فيما نحن بصدده دعم الغرب لعدد من كُتَّاب الأطفال في بلاد المسلمين، ومنحهم الجوائز والألقاب لكي يحاكوا سوبرمان وغيره من الشخصيات الكرتونية ذات البعد العقائدي الذي أشرنا إليه، والأخطر أن كثيراً من هذه الأعمال مزجت بين الفكرة الوثنية الغربية وبين فكرة وحدة الوجود الصوفية التي لا تقل خطراً عن الوثنية الصريحة المباشرة، وبين فكرة القدرة اللانهائية للعلم حسب المعتقد العلماني، ثم تسمى هذا كله بالكرتون الإسلامي.
وإذا كنا نحذر كل التحذير من هذا البديل “اللا إسلامي” و إن رآه أصحابه إسلامياً، فإننا في ذات الوقت نناشد القائمين على برامج الأطفال في دور التعليم، والنشر، والقنوات الفضائية الإسلامية، ومواقع الانترنت أن يتجهوا إلي إنتاج نتاج فكري وإعلامي مستمد من تاريخنا الإسلامي، وقيم ومبادئ العقيدة الإسلامية الخالصة، وفي نفس الوقت يحقق عناصر الجذب والتشويق للأطفال.
www.salafvoice.com
موقع صوت السلف

جزاك الله خيرا اخي الكريم