انظر ما يقول سيد قطب!

[B][CENTER]"إن بريق الحضارة المادية لا يجوز أن يغشي أبصارنا عن حقيقة الشقاء الذي باتت تعانيه البشرية في ظل هذه الحضارة. وإن الصواريخ المطلقة، والأقمار الصاعدة، لا يجوز أن تلهينا عن الدرك الذي ينحدر إليه (الإنسان) ومقومات (الإنسان)!

إن الإنسان هو أكرم ما في هذهالأرض. إنه هو الكائن الأساسي فيها، والمستخلف في مقدراتها. وكل شيء فيها في خدمته-أو ينبغي أن يكون كذلك-و(إنسانيته) هي المقوم الأعلى الذي يقاس به مدى صعوده أو هبوطه. وسعادة روحه هي مقياس ما في الحضارة التي يعيش فيها من ملاءمة لطبيعته أو مصادمة…
فإذا رأينا (الإنسان) ينحدر في صفاته (الإنسانية) وفي تصوره للقيم الإنسانية…
إذا رأيناه وقودًا للآلة، أو عبدًا لها، أو تابعًا ذليلا من توابعها…
إذا رأيناه- تبعًا لهذا- ينحط في تصوره وذكائه وأخلاقه…
إذا رأيناه يهبط في علاقاته الجنسية إلى أدنأ من درك البهيمة…
إذا رأينا وظائفه الأساسية تعطل وتذوي وتتراجع.
إذا رأيناه يشقى ويقلق ويتحير، ويعاني من القلق والحيرة ما لم يعانه قط في تاريخه من الشقاء والتعاسة والأمراض العصبية والنفسية والشذوذ والعته والجنون والجريمة…
إذا رأيناه هاربًا من نفسه ومن المخاوف والقلاقل التي تلفه بها الحضارة المادية، والأنظمة الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والفكرية.
إذا رأيناه هائمًا على وجهه يقتل سآمته وملله، بما يقتل به روحه وجسمه وأعصابه، من المكيفات والخمور، أو ما يشبه المكيفات والخمور من الأفكار السود، ومذاهب اليأس الكابي والقنوط الملبس والضياع الأليم… كما في (الوجودية) وغيرها من مذاهب الفكر التعيسة…
إذا رأيناه يئد نسله، أو يبيع أولاده، ليشتري بهم ثلاجات وغسالات كهربائية-كما جاءتنا الأنباء عن أوروبا الضائعة…
إذا رأيناه في مثل هذه الحال النكدة… فإن جميع ما يصل إليه (العلم) في معزل عن (روح الإنسان) من تيسيرات للحياة المادية، ومن رفاهيات حضارية… لا يغير شيئًا من حقيقة الانحدار الذي تهوي إليه البشرية؛ ومن حقيقة الشقاء الذي تعانيه؛ ومن حقيقة التعاسة التي تزاولها… ثم… من حقيقة فشل هذه الحضارة وقرب نهايتها… ومن ثم حقيقة الحاجة الماسة إلي نظام آخر أصيل، بريء-في أساسه- من العيوب الأساسية التي أفسدت حياة البشر؛ وضيعت عليهم ثمار العلم والمعرفة والتقدم الحضاري… نظام يسمح للإنسانية بأن تحقق غاية وجودها الإنساني-كما أرادها خالقها العظيم- وأن تستخدم (العقل) و(العلم) و(التجربة) استخدامًا آخر، يتناسق مع احتياجاتها الحقيقية؛ ومع مقتضيات فطرتها الأصيلة". اهـ [ المستقبل لهذا الدين (54، 56)].

"ولقد يشغل الإنسان بعض الوقت بجوعة الجسد، وما يتعلق بها من الإنتاج بشتى وسائله وصنوفه، ومن المتاع الحسي بشتى ألوانه ومذاقاته… ولكن هذه الجوعة وكل ما يتعلق بها لا تستغرق الكينونة الإنسانية. وإشباعها لا يسد سائر الجوعات (الإنسانية). وما أن تهدأ هذه الجوعة حتى تتحرك في الكائن الإنساني جوعة أخرى. جوعة لا يسدها الطعام، ولا يرويها الشراب، ولا يكفيها الكساء، ولا تسكنها كل ضروب المتاع… إنها جوعة من نوع آخر. جوعة إلى الإيمان بقوة أكبر من البشر؛ وعالم أكبر من المحسوس؛ ومجال أكبر من الحياة الدنيا… وجوعة إلى الوئام بين ضمير الإنسان وواقعه، بين الشريعة التي تحكم ضميره والشريعة التي تحكم حياته. بين منهج حركته الذاتية ومنهج الحركة الكونية من حوله. جوعة إلى (إله) واحد؛ يتلقى منه شريعة قلبه وشريعة مجتمعه على السواء…
وكل نظام للحياة لا يحقق السعادة للكائن البشري إلا إذا تضمن كفاية هذه الجوعات المتعددة في كينونته الواحدة… وهذه السمة هي التي خلت منها حضارة الرجل الأبيض!
ولهذا السبب-من وراء كل سبب- انتهى دور الرجل الأبيض…" (ص 57)

"والآن تتعالى الصيحات من هنا ومن هناك؛ منذرة بسوء مصير البشرية في ظل هذه الحضارة المادية الخاوية من الإيمان خواءها من الروح الإنساني-حضارة الرجل الأبيض- وتتنوع هذه الصرخات… فتارة تكون نذيرًا بانحدار البشرية كلها إلى الهاوية. وتارة تكون نذيرًا بانحدارها إلى الماركسية! وتتنوع كذلك الاقتراحات لدرء هذا الخطر أو ذاك…
ولكنها كلها تحاول عبثًا.لأنها لا تعالج المشكلة من الأساس. ولا ترجع إلى جذور المشكلة العميقة البعيدة في التربة الأوروبية!
ومن خلال تلك الصيحات، ومن خلال هذه الاقتراحات كذلك يتبين لنا نحن مدى قصر النظر، ومدى العمى النوعي عن الرؤية! في العقلية الغربية!
وإننا نكاد نبصر بهؤلاء الحيارى سجناء في قفص من (العلم)! يشد أقدامهم بالأغلال؛ فإذا أرادوا الوثوب، كان أقصى وثوبهم قفزة في داخل القفص! أو سجناء في قفص من (الواقع) يعجزهم عن الاستشراف لما وراءه!
وهي ظاهرة تلقي علينا-نحن أصحاب المنهج الإسلامي- تبعة خطيرة… إن الإنقاذ الحقيقي للبشرية المهددة في كينونتها الإنسانية، لا يجيء إلا عن طرق تحطيم هذا القفص، والخروج منه، ورؤية الوضع كله من زاوية مستقلة تمامًا: وتقديم تصور كلي شامل للمشكلة، واقتراح حلول مبتكرة، تنبثق من هذا التصور الشامل الجديد". (ص 58)
قلت: رحم الله سيد قطب… ما أبصره بالحقيقة… [/center]
[/b]