مقالات في السيرة النبوية (6)

[CENTER] المقال السادس:

نبي الرحمة وشريعة الرحمة[/center]




[FONT=Simplified Arabic][SIZE=3][COLOR=#000080][SIZE=1]

[/size][/color][/size][/font]قال الله -عز وجل- في وصف نبيه -صلى الله عليه وسلم- وفي معرض الامتنان على الأمة: [فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)] (آل عمران).
قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور-رحمه الله- في تفسير هذه الآية: “واللين هنا مجاز في سعة الخلق مع أمة الدعوة والمسلمين، وفي الصفح عن جفاء المشركين، وإقالة العثرات”[1].
وقال-رحمه الله-: "أرسل محمد -صلى الله عليه وسلم- مفطوراً على الرحمة؛ فكان لينُه رحمةً من الله بالأمة في تنفيذ شريعته بدون تساهل وبرفق وإعانة على تحصيلها؛ فلذلك جعل لينه مصاحباً لرحمةٍ من الله أودعها الله فيه؛ إذ هو قد بعث للناس كافة، ولكن اختار الله أن تكون دعوته بين العرب أول شيء لحكمة أرادها الله -تعالى- في أن يكون العرب هُمْ مُبَلِّغَ الشريعة للعالم.
والعرب أمة عرفت بالأنفة، وإباء الضيم، وسلامة الفطرة، وسرعة الفهم.
وهم المتلقون الأولون للدين؛ فلم تكن تليق بهم الشدة والغلظة، ولكنهم محتاجون إلى استنزال طائرهم في تبليغ الشريعة لهم؛ ليتجنبوا بذلك المكابرةَ التي هي الحائل الوحيد بينهم وبين الإذعان إلى الحق.
وورد أن صفح النبي-صلى الله عليه وسلم- وعفوه ورحمته كان سبباً في دخول كثير في الإسلام، كما ذكر بعض ذلك عياض في كتاب الشفا"[2].
وقال الله -عز وجل- مبيناً شمول الرحمة للعالمين بإرسال الرسول-صلى الله عليه وسلم-: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] (الأنبياء:107).
فجاءت هذه الآية مُؤَكِّدةً للرحمة بأسلوب من أقوى أساليب التأكيد، ألا وهو أسلوب الحصر، وأداتُه هنا النفي والاستثناء؛ فدل ذلك على أن الرحمة عامة.
قال ابن القيم-رحمه الله-: "وأصح القولين في قوله -تعالى-: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] (الأنبياء:107) أنه على عمومه، وفيه على هذا التقدير وجهان:
أحدهما: أن عموم العالمين حصل لهم النفع برسالته، أما أتباعه فنالوا بها كرامة الدنيا والآخرة، وأما أعداؤه المحاربون له فالذين عُجِّل قَتْلُهم وموتُهم خيرٌ لهم من حياتهم؛ لأن حياتهم زيادةٌ في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة، وهم قد كتب عليهم الشقاء؛ فتعجيلُ موتِهم خيرٌ لهم من طول أعمارهم في الكفر.
وأما المعاهِدون له فعاشوا في الدنيا تحت ظله وعهده وذمته، وهم أقل شراً بذلك العهدِ من المحاربين له.
وأما المنافقون فحصل لهم بإظهار الإيمان به حقنُ دمائهم وأموالِهم وأهلِهم واحترامُها، وجريانُ أحكامِ المسلمين عليهم من التوارث وغيرها.
وأما الأمم النائية عنه فإن الله -سبحانه- رفع برسالته العذاب العام عن أهل الأرض؛ فأصاب كلَّ العالمين النفعُ برسالته.
الوجه الثاني: أنه رحمة لكلِّ أحدٍ، لكنَّ المؤمنين قبلوا هذه الرحمة؛ فانتفعوا بها دنيا وأخرى، والكفار ردوها؛ فلم يخرج بذلك عن أن يكون رحمة، لكن لم يقبلوها كما يقال: هذا دواء لهذا المرض، فإن لم يستعمله لم يخرج عن أن يكون دواءاً لهذا المرض"[3].
وقال الشيخ ابن عاشور-رحمه الله- في تفسير الآية: "فجاءت هذه الآية مشتملة على وصف جامع لبعثة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
ومزيَّتُها على سائر الشرائع مزيةٌ تناسبُ عمومَها ودوامها، وذلك كونُها رحمةً للعالمين"[4].
إلى أن قال-رحمه الله-: "وتفصيل ذلك يظهر في مظهرين: الأول تخلق نفسه الزكية بخلق الرحمة، والثاني إحاطة الرحمة بتصاريف شريعته.
فأما المظهر الأول: فقد قال فيه أبو بكر محمد بن طاهر القيسي الإشبيلي أحد تلامذة أبي علي الغساني وممن أجاز لهم أبو الوليد الباجي من رجال القرن الخامس: "زيَّن الله محمداً -صلى الله عليه وسلم- بزينة الرحمة؛ فكان كونه رحمةً، وجميع شمائله رحمة وصفاته رحمة على الخلق"ا - هـ.
ذكره عنه عياض في الشفاء، قلت: يعني أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- فُطِر على خلق الرحمة في جميع أحوال معاملته الأمة؛ لتتكون مناسبة بين روحه الزكيةِ وبين ما يُلقى إليه من الوحي بشريعته التي هي رحمة حتى يكون تَلَقِّيْهِ الشريعةَ عن انشراح نفس أن يجد ما يوحى به إليه ملائماً رغبته وخلقه، قالت عائشة: “كان خلقه القرآن”[5].
ولهذا خص الله محمداً -صلى الله عليه وسلم- في هذه السورة بوصف الرحمة ولم يصف به غيره من الأنبياء، وكذلك في القرآن كله، قال -تعالى-: [لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ] (التوبة:128).
وقال -تعالى-: [فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ] (آل عمران:159) أي برحمة جبلك عليها، وفطرك بها، فكنت لهم ليناً.
وفي حديث مسلم: أن رسول الله لما شُجَّ وجهُه يومَ أحدٍ شق ذلك على أصحابه فقالوا: لو دعوت عليهم فقال: “إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة”.[6]
وأما المظهر الثاني من مظاهر كونه رحمةً للعالمين: فهو مظهر تصاريف شريعته، أي ما فيها من مقومات الرحمة العامة للخلق كلهم؛ لأن قوله -تعالى-: [لِلْعَالَمِينَ] متعلق بقوله [رَحْمَةً]"[7].
وقال-رحمه الله- مبيناً تخصيص الشريعة الإسلامية بوصف الرحمة الكاملة: "لا جرم أن الله -تعالى- خص الشريعة الإسلامية بوصف الرحمة الكاملة، وقد أشار إلى ذلك قوله -تعالى- فيما حكاه خطاباً منه لموسى -عليه السلام-: [وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ] الآية (الأعراف).
ففي قوله -تعالى-: [وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ] إشارة إلى أن المراد رحمة هي عامة؛ فامتازت شريعة الإسلام بأن الرحمة ملازمة للناس بها في سائر أحوالهم، وأنها حاصلة بها لجميع الناس لا لأمة خاصة.
وحكمةُ تمييزِ شريعة الإسلام بهذه المزية أن أحوال النفوس البشرية مضت عليها عصورٌ وأطوارٌ تهيأت بتطوراتها لأن تساس بالرحمة، وأن تُدْفَع عنها المشقةُ إلا بمقاديرَ ضروريةٍ لا تقام المصالح بدونها؛ فما في الشرائع السالفة من اختلاط الرحمة بالشدة، وما في شريعة الإسلام من تَمَحُّضِ الرحمة - لم يَجْرِ في زمن من الأزمان إلا على مقتضى الحكمة.
ولكن الله أسعد هذه الشريعةَ، والذي جاء بها، والأمة المتبعة لها - بمصادفتها للزمن والطور الذي اقتضت حكمةُ اللهِ في سياسة البشر أن يكون التشريعُ لهم تشريعَ رحمةٍ إلى انقضاء العالم.
فأقيمت شريعةُ الإسلام على دعائم الرحمة والرفق واليسر، قال -تعالى-: [وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ] (الحج:78).
وقال -تعالى-: [يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ] (البقرة:185).
وقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: “بعثت بالحنيفية السمحة”.[8]
وما يُتَخَيَّل من شدة في نحو القصاص والحدود فإنما هو لمراعاةِ تعارضِ الرحمةِ والمشقة كما أشار إليه قوله -تعالى-: [وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ] (البقرة:179).
فالقصاص والحدود شدة على الجناة، ورحمة ببقية الناس.
وأما رحمة الإسلام بالأمم غير المسلمين فإنما نعني به رحمته بالأمم الداخلة تحت سلطانه، وهم أهل الذمة.
ورحمته بهم عدم إكراههم على مفارقة أديانهم، وإجراء العدل بينهم في الأحكام بحيث لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم في الحقوق العامة.
هذا وإن أريد بـ “العالمين” في قوله -تعالى-: [إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] النوع من أنواع المخلوقات ذات الحياة فإن الشريعة تتعلق بأحوال الحيوان في معاملة الإنسان إياه، وانتفاعه به؛ إذ هو مخلوق لأجل الإنسان قال -تعالى-: [هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً] (البقرة:29).
وقال -تعالى-: [وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ] (النحل).
وقد أذنت الشريعة الإسلامية للناس في الانتفاع بما ينتفع به من الحيوان، ولم تأذن في غير ذلك؛ ولذلك كُرِهَ صيد اللهو، وحُرِّم تعذيب الحيوان لغير أكله، وعد فقهاؤنا سباق الخيل رخصة للحاجة في الغزو ونحوه.
ورغبت الشريعة في رحمة الحيوان؛ ففي حديث الموطأ عن أبي هريرة مرفوعاً: “أن الله غفر لرجل وجد كلباً يلهث من العطش، فنزل في بئر، فملأ خفه ماءً، وأمسكه بفمه حتى رقي، فسقى الكلب، فغفر الله له”.[9]
أما المؤذي والمضر من الحيوان فقد أذن في قتله وطرده لترجيح رحمة الناس على رحمة البهائم، وفي تفاصيل الأحكام من هذا القبيل كثرة لا يعوز الفقيه تتبعها"[10].

1/6/1428هـ[SIZE=4]
محمد بن إبراهيم الحمد

[/size]
[1] تفسير التحرير والتنوير، للعلامة محمد الطاهر بن عاشور، 4/145.

[2] تفسير التحرير والتنوير 4/145.

[3] جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام لابن القيم ص9.

[4] تفسير التحرير والتنوير 7/164-165.

[5] مسلم (746).

[6] مسلم (4704).

[7] تفسير التحرير والتنوير 7/166-167.

[8] مسند الإمام أحمد (22345).

[9] الموطأ (1455) ورواه البخاري (2320) ومسلم (1553).

[10] تفسير التحرير والتنوير 7/168-170، وانظر الشفا، للقاضي عياض 1/159-162، وموسوعة نضرة النعيم 6/2061-2102.

هنا وقفة هامة مع لفظة ربنا : رحمة للعامين في محمدنا …

محمدنا مرسل من الله برسالة خاتمة هي رحمة للعالمين .
هي الخلاصة . هي العطاء الدائم . هي النعمة الباقية …

فمحمدنا برسالة ربه رحمة للعالمين …

والوجه الثاني المكمل محمدنا ما عرض عليه أمر إلا أخذ فيه باليسر .
فتطبيق نبينا كان الأرفق بأمته والأيسر فهو رحمة مهداة …

والوجه الثالث أن رب محمد لن يضيم محمد في أمته …
فمحمدنا شفيعهم ورؤوفهم ومشرعهم وحبيب الرحمن …

فلا تفرغ الآي لوجه دون وجه فتحجد حق ربك أو حق نبيك أو حق كرامة محمدنا عند ربه .

وفكر معي ربما للآي وجوه أخرى لم أذكرها هنا فأنني أتذكر سبعيتها في المعاني …
وعندما أتتذكرها سأذكرها وربما تفيدنا أنت بها قبل التذكر …

شرع الله لنا قصاص عند إرتكاب الحدود …
فهل هي قسوة أم رحمة …
رحمة المجتمع بالترهيب والحماية واضحة …
ورحمة الفرد من نفسه ترهيبا واضحة …
ومن قتل يقتل لو لم يعفو أهل القتيل لكونهم سيقتصون …
ومن سرق ولم يرد ورفع أمره للقضاء تقطع يده لكونه طمع في ملك غيره … لكن لابد من تحقق ملكية غيره …
فلو سرق المال العام فلا قطع بل غرامة الثلاثة امثال …
وهنا عقوبة لما فعل به السرقة وهو اليد اليمنى ثم الرجل اليسرى ثم اليد اليسرى ثم الرجل اليمنى ثم رقبته
في رحمة عن قطع اليد الأخرى مباشرة إلا إن تواصل في سارقته ولا يقتل وهو مستمر في محاربته للملكيات إلا بعد قتل الرجل الباقية … ولو كان الجزاء ظالم لتوقف السارق بعد القطع الأول …
والعقوبة تلك لليد الأولى التى سرقت هي عقوبة نجاحة
فهي تسكن غضب المسروق وتمنع إنتشار الشركات …
ولو حارب فهو وبال على المجتمع فلو أمتنع فلا وجه عليه …
لكن لو قدر عليه وهو محارب للمجتمع فهو القتل أو النفي …
ومن رضي أن تزني أمه أو وووووووو فهو ليس مسلم فهو الرجم ولكن من بلغ ولم يتزوج فلا يرجم لكونه معزور فيجلد وينفى وتلك والله للبالغ في الحالين حماية نفس ومجتمع ولتنظر لمجتمع فوضى الزنا الغربية حتى تفهم ضرورة الحسم

ولا أطيل عليكم …

فرحمة المجتمع والناس والنفس الأثمة ترهيبا ومنعا وحماية حق تدعو الكل للرحمة
بل حتى يرحم السارق نفسه بالندم والتوبة

بارك الله فيك على تجاوبك مع هذه المقالات الشيقة ،
ورجاءا أن تنتبه في أثناء كتابتك للردود حتى لاتسقط بعض الحروف من الآيات القرآنية

أختياراتكم هي الموفقة لنا ولغيرنا ويكفي أن حديثكم عن أحمدنا فبوركتم ووفقكم الله في دعوتكم …

جزاك الله خيرا

عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ليس من نفس ابن آدم إلا عليها صدقة في كل يوم طلعت فيه الشمس”. قيل: يا رسول الله من أين لنا صدقة نتصدق بها؟ فقال: “إن أبواب الخير لكثيرة: التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتميط الأذى عن الطريق وتسمع الأصم وتهدي الأعمى وتدل المستدل عن حاجته. وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث، وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف. فهذا كله صدقة منك على نفسك”. رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي مختصراً. وزاد في رواية: "وتبسمك في وجه أخيك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم من طريق الناس صدقة، وهديك الرجل في أرض الضالة لك صدقة