رائعة(حدثنا خاسر بن خيبان)

حَدّثَ خَاسِرُ بنُ خَيْبَانَ قَالَ: سَعَى ابْنٌ لأَبِيْ الْفَتْحِ اللّيبْرَالِيّ فِيْ بِعْثَةٍ إِلَى مَهْوَى فُؤَادِ أَبِيْهِ، يَنْشُدُ بِهَا ثَمَرَاً، وَيَكْتَسِبُ فِيْ أَكْنَافِهَا خَبَرَاً، فَجَاءَتْهُ مِنْحَةُ الْمَلِكِ، وَنَالَ مُبْتَغَاهُ، وَحَضِيَ بِمَسْعَاهُ، فَحَزَمَ حَقَائِبَهُ، وَوَدّعَ أَقَارِبَهُ، وَبَيْنَمَا هُوَ خَارِجٌ لاَ يَلْوِيْ عَلَى شَيْءٍ، إِذْ بَأَبِيْهِ يَؤُمّهُ، وِإلَى الأَحْضَانِ يَضُمّهُ، ثُمّ أَوْصَاهُ وَأَنَا أَسْمَعُ: "أَيْ بُنَيّ… إِنّ أَبَاكَ قَدْ وَلّى زَمَنُهُ، بَعْدَ أَنْ فَاحَتْ رِيْحُهُ وَظَهَرَ عَفَنُهُ، وَقَدْ نَالَ مِنَ الشّهْرَةِ مِا مَلأَ الآفَاقَ، وَرَكِبَ مِنَ الْبَوَائِقِ مَا يَخْرِمُ الأَذْوَاقَ، وِإِنّيْ عَلَيْكَ لَمُشْفِقٌ، وَإلَى أَنْ تَخْلُفَنِي طَامِحٌ، وَهَا أَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى أَرْضِ التّعَلّمِ، وَمَرْتَعِ التّقَدّمِ، وَحَضَارَةٌ تُعْبَدُ، وَبَلَدٌ يُقْصَدُ، فَإِذَا أَتَيْتَهُمْ فَكُنْ عَبْدَ مَا يَشْتَهُوْنَ، وَأَطْوَعَ النّاسِ لِمَا يَنْشُدُونَ، وَلاَ تَفْجَعَنّهُمْ بِلِبَاسِ قَوْمِكَ، وَلاَ بِتَقَالِيْدِ أَهْلِكَ، وَلْيَكُنْ أَوّلَ مَا تَبْتَدِئُ بِهِ شَعْرَ وَجْهِكَ، فَاحْلِقْهُ، فَإِنّهُ أَنْعَمُ لِخَدّكِ وَأَذْهَبُ لِرُشْدِكَ، أَمّا شَعْرُ رَأْسِكَ فَزِدْهُ انْتِفَاشَاً وَشَعَاثَةً، فَإِنّهُ عَلاَمَةُ الْتّحَرُّرِ وَالْحَدَاثَةِ، وَاعْلَمْ أَنْ الْمَظْهَرَ عَلاَمَةُ الْمَخْبَرِ، وَأَنّ الْمِشْيَةَ دَلِيْلُ الْفِتْنَةِ، فَاسْعَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ إِلَى مَا يُوْبِقُكَ… أَفَهِمْتَ يَابْنَ الْخَبِيْثَةِ؟! ثُمْ الْبَسْ مَا ضَاقَ، وَلا تَخْشَ الإِنْفَاقَ، فَالْمَالُ مِنْ غَيْرِ كَدّكَ، وَالْقَصْدُ فِيْ الأَمْرِ يَرُدّكْ، وَإِذَا حَضَرَ الْشّرَابُ فَانْهَبْ، وَإِذَا قُدّمَ الْخِنْزِيْرُ فَاقْرَبْ، فَإِنّهُمْ إِنْ رَأَوْا فِيْكَ كَرَاهَةً حَقَرُوْكَ، وَذَمِرُوْا مِنْكَ وَأَبْعَدُوْكَ، ثُمَّ إِذَا حَدّثْتَ فَلاَ تَذْكُرْ وَطَنَكَ بِخَيْرٍ، وَلاَ تُرِيَنّهُمْ مِنْ تَغَرّبِكَ ضَيْرٌ، وَإِذَا ذُكِرَ دِيْنُكَ فَأَوْسِعْهُ ذَمّاً، وَإِنْ ذَكَرُوْا شَيْخَاً فَأَشْبِعْهُ شَتْمَاً، وَاحْذَرْ أَنْ تَذْهَبَ إْلَى مَسْجِدِ جُمُعَةٍ، أَوْ تَرْكَعَ مَعَ مُسْلِمٍ رَكْعَةً، وَلْيَكُنْ فِقْهُكَ الإِنْسَانُ، وَدِيْنُكَ النُّكْرَانُ، وَاجْتَنِبْ بَنِيْ جِلْدَتَكَ، إِلاّ مَنْ يَكُوْنُ مِنْ طِيْنَتِكَ، فَاتّخِذْهُ خَلِيْلاً، وِإلَى الْمُلْهِيَاتِ دَلِيْلاً، فَإِنّهُ يُعِيْنُكَ عَلَى شِرَاءِ مُسْكِرٍ، وَيُقَوّيْكَ عَلَى اقْتِحَامِ مُنْكَرٍ، ثُمّ احْذَرْ مِنْهُمُ الْفِتْيَانَ، وَاتّخِذْ مِنْ الْصّبَايَا الأَخْدَانَ، فَذَلِكَ أَضْمَنُ للشّهَادَةِ، وَأَقْرَبُ لِمَنْحِ الْقِيَادَةِ…، أَفَهِمْتَ لاَ أُمّ لَكْ؟! ثُمّ إَذَا جَاءَ عِيْدُهُمْ فَافْرَحْ، وَنَاِدِمْهُمُ الشّرَابَ وَلاَ تَبْرَحْ، وَلْيَرَوْا مِنْكَ أَنْذَلَ الْنَّاسِ عَلَى مُعْطِيْهِ، وَأَلَدّ خَصْمٍ عَلَى مَاضِيْهِ، وَخُذْ بَأَبِيْكَ دَرْسَاً، وَلِيَوْمِكَ مَا يُنْسِيْكَ أَمْسَاً، وَتَذَكّرْ قَوْلَ جَدّكَ[/b]

دَقّنِيْ الْجُوْعُ سِنِيْنَاً… حِيْنَ رَاعَيْتُ الأَمَانَةْوَتَلَقّانِيْ السّفِيْرُ بِحِضنٍ… يَوْمَ لاَزَمْتُ الْخِيَانَةْإِنّ دِيْنِيْ هُوَ رِزْقِيْ… لَيْسَ لِلرّزْقِ دِيَانَةْفَأَنَا مَاضٍ لِدَرْبِيْ… قَاصِدَاً أَقْرَبَ حَانَةْ

قَالَ خَاسِرُ بنُ خَيْبَانَ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَبوْ مُرّةَ* يَسْمَعْ، وَإِنّ عَيْنَاهُ لَتَدْمَعْ، فَظَنَنْتُهُ قَدْ رَقّ لِنَجَابَةِ تِلْمِيْذِهِ، لَكِنّهُ تَمْتَمَ وَاسْتَعْبَرَ، وَحَوْقَلَ وَاسْتَغْفَرَ، وَقَالَ رَبِّ وَعَدْتَنِيْ الإِمْهَالَ وَعَذَابَ الآجِلَةِ، وَإِنّيْ أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا سَمِعْتُ وَمِنْ عَذَابِ الْعَاجِلَةِ، ثُمَّ شَرّقَ هَارِبَاً وَغَرّبْتُ خَشْيَةَ الْنَّازِلَةْ…! ـــــــ

أبو مرّة: إبليسُ لعنهُ الله.


من المقامة لليبيرالية لأخينا ‘’ حنظلة ‘’ أجــاد السجع فيها والنظم جزاه الله عنا كل خير من منتديات الفصيح

جزاك الله خيرا على هذا الكلام الطيب والعبرالنافعه ولى عوده ان شاء الله لتمعن القراءه أكثر.

وحزاك بمثلة اخى ابو ابراهيم

نسأل الله السلامة ، وجزاك الله خيرا على هذه المقامة الجميلة.