«قصر سليمان» بمراكش.. لكل صالون لون ووظيفه

«قصر سليمان» بمراكش… لكل صالون لون ووظيفة

هنا حل بلاتيني وبيكنباور وشاه إيران وجيمي كارتر وكاترين دونوف ضيوفا مكرمين

مراكش: عبد الكبير الميناوي
لعل أجمل ما يمكن أن يثير إعجاب زوار وسياح مراكش المغربية، إلى حد يجعل بعضهم يقرر الاستقرار بها نهائيا، هو حين يتم الانتقال، من دفء نهار المدينة وسحر ليلها إلى ما تخفيه الدور والقصور والمتاحف من معمار وديكورات تلخص وتنقل لترف في العيش يجعل الفرد غارقاً في بحر فني بلا شواطئ.
ومن بين قصور ومتاحف مراكش الغارقة في فتنتها وتفردها، هناك «قصر سُليمان»، الذي صار له، ما بين الماضي والحاضر، بابان: باب تراثي مقوس، ينفتح على جملة «إن الله جميل يحب الجمال»، وباب إلكتروني، يقترح على المبحرين، عبر العالم، زيارة «مطعم فاخر بنكهة مغربية».

       [IMG]http://www.aawsat.com/2008/02/04/images/fashion1.456935.jpg[/IMG]               [CENTER][COLOR=#0000ff]يقترح القصر – المطعم على رواده ليلا        وجبة عشاء شاعرية، تختلط فيها الشموع بموسيقى    كَناوة[/color][/center]

ويمكن القول إن صمت المفاجأة هو أول ما يمكن أن يملأ على الزائر لحظة التعرف الأول على ما يلي البوابة المقوسة للبناية الحمراء، التي تنتصب في الجهة المقابلة لمقر ولاية مراكش، على طريق مدينة فاس، من جهة «قاع المشرع»، التي تنفتح على عمق المدينة القديمة من جهة «رياض العروس» و«حارة السورة»، ولذلك قد تختلط على الزائر التسميات، وهو يتجول عبر تفاصيل البناية، فلا يعرف إن كان بصدد «مطعم» أو «قصر» أو «متحف» أو «لوحة فنية». أما حين يستمع هذا الزائر إلى حكاية القصر والبناية، من فم «ادريس السكَني»، المالك الشاب للقصر – المطعم، فسيصير بصدد لحظة تنقل لبعض الجوانب المشوقة والجميلة من التاريخ المعاصر للمغرب، الغني بأسمائه وأحداثه وتحولاته.
يقول السكَني، لـ«الشرق الأوسط»: «إن الاسم الذي اتخذه القصر (قصر سليمان) ليس إلا اسماً تجارياً أطلقه والدي على القصر، الذي كان في الأصل سكناً لقائد مشهور خلدته الذاكرة الشعبية وأغاني «العيطة» في المغرب، هو «القايـْد العيادي». ويعرف عن هذا القائد انه اصبح باشا على عهد السلطان مولاي حفيظ، وكان يبسط هيبته على منطقة «صْخور الرحامنة»، الواقعة بإقليم قلعة السراغنة، المجاور لمراكش. وكانت للعيادي العديد من المنازل، أو لنقل القصور، في مراكش، من بينها «دار العيادي»، التي يشكل «قصر سليمان» أحد أجزائها، وكانت مخصصة لسكنه ولاستقبال ضيوفه الكبار، وكان مكوناً من بهو رئيسي وأربعة صالونات». وحتى يزيد حكاية القصر مع التاريخ تشويقاً، انتقل السكَني للحديث عن «الدار الخضراء»، وهي بناية تنفتح أمام الزائر من الجانب الأيمن للصالون «الرمادي»، قائلاً «كان العيادي يستضيف كبار الشخصيات، من المغرب ومن الخارج، وكانت تقترح عليه سلطات البلد استقبال بعض الضيوف الكبار، وفي إحدى المرات طـُلب منه أن يتهيأ لاستقبال ضيف كبير، لعله الرئيس الفرنسي، فانسان أوريول، ولأن إصلاح وتهيؤ مكان خاص بالضيف القادم، وفق النقوش والفن المعماري المغربي، يتطلب وقـْـتاً طويلاً، فكـّـر العيادي في «الاستنجاد» بالأزوليخوس الإسباني، وهو نوع من الزليج الفاخر».

              [CENTER][IMG]http://www.aawsat.com/2008/02/04/images/fashion2.456935.jpg[/IMG][/center]
           [CENTER][COLOR=#0000ff]ينتظم الزليج كقطع هندسية ملونة        بأشكال لا حصر لها، تزين جدرانه الداخلية  وأرضياته[/color][/center]

ومات العيادي في منتصف الستينات من القرن الماضي، يقول السكَـني: «أغلقت الدار حتى بداية عقد السبعينات، وهي السنة التي اشتراها فيها والدي، قبل أن يعمد إلى إصلاحها».
والجميل في حديث السكَني عن علاقة «القايد العيادي» بهذه الدار التي شُكـِّلت بمقاييس الفن والمعمار الجميل، أنه خلف السطوة وتفاصيل القوة والشدة التي رافقت حكم «القياد» و«الباشوات» عبر تاريخ المغرب الحديث، قبل وخلال وبعد فترة الاستعمار، ظلت حكاية قصورهم، بديكوراتها وهندستها، تنقل جزءاً جميلاً ودراية بفن العيش الراقي.
وفي «قصر سليمان»، تتوسط البهو الواسع نافورة متألقة بمائها وورودها، وتحيط به أربعة صالونات، يتميز كل واحد منها عن الآخر بلون أثوابه وديكوراته، فهناك الصالون «الأحمر» للنوم، والصالون «الأخضر»، في الجهة المقابلة، والصالون «الأزرق» للأكل، والصالون «الرمادي» الخاص بالأبناء. وإلى «دار العيادي»، كان هناك «الرْياض الكبير»، الذي كان مخصصاً للقيلولة، و«دار العبيد»، وكانت مخصصة لاستقبال المعتمرين العائدين من الديار المقدسة، ودار «الحْكام»، المخصصة للبت في قضايا المنازعات والحكم بين الناس. كل الصالونات مزينة بالزليج الذي يتناسق مع سقف مزين بالجص والخشب المنقوش وفق تقاليد الصنعة والمعمار التقليدي المغربي الأندلسي. وتنفتح على البهو عبر نوافذ تساير البهو والصالونات بنفس الألوان والنقوشات. أما الأرضيات فتركت، في الغالب، عارية إلا من ألوان زليجها الذي يمتد كلوحة فنية في الأرض، مع بعض السجادات، التي تظل وفية للإطار العام للديكور والبناية. أما حين يرفع الزائر عينيه إلى الأعلى فسيشاهد أضواء خافتة تزيد ليل القصر جمالا وفتنة وشاعرية. غير أن الجميل في كل هذا أن سقف البهو يفتح ويغلق وفق ظروف الطقس ويوميات القصر.

       [IMG]http://www.aawsat.com/2008/02/04/images/fashion3.456935.jpg[/IMG]               [CENTER][SIZE=2][COLOR=#0000ff]على ألوان بدايات القرن        الماضي[/color][/size][/center]

وإلى الأضواء الخافتة المزينة بالشموع، التي تؤثث لكل أركان القصر، هناك الثريات التي ترسل أضواءها خافتة لتأخذ، هي أيضاً، لون الشموع.
وسيسحر الزائر إلى هنا، تناسق الأسقف العالية والأعمدة الرخامية والأبواب الرائعة الشكل والنقش. لكن، روعة المكان ومتعة الاكتشاف لا تتوقف عند البهو وما يحيط به من صالونات، إذ يجد نفسه يدخل باباً ينفتح على «الدار الخضراء»، التي ترفع نسبة المتعة في ناظريه وخاطره.
ومن جهة الجانب الزخرفي للقصر، ينتظم الزليج (الفسيفساء)، كقطع هندسية ملونة بأشكال لا حصر لها، تزين جدرانه الداخلية وأرضياته، في تناسق مع الجص والخشب المنقوش.
وفي البهو، كما في الصالونات، تتراص الموائد التي يتحول بها القصر إلى مطعم، وهي موائد تتوافق من حيث كبرها وعدد الكراسي المحيطة بها، الشيء الذي يعطي للجلسة مدلول الضيافة الكبيرة بعدد ناسها والمدعوين إلى وجباتها وجلساتها. ويدافع السكَني عن فكرة تحويل الدار إلى مطعم، بقوله «إن صيانة قصر بحجم وقيمة هذه البناية يتطلب أموالاً وجهداً، ولذلك جاءت فكرة استثماره مطعماً يقترح فنون الطبخ المغربي، الشيء الذي يحوله إلى وجهة مفضلة للزيارة والاكتشاف والاستمتاع به تحفة أثرية وفنية، أيضاً». ويقترح القصر – المطعم على رواده الليلَ وجبة عشاء شاعرية، تختلط فيها الشموع بموسيقى كَناوة وأضواء الشموع، فيغرق الواحد في لحظة استثنائية، ينتهي معها إلى الجمع بين ما يغذي العين والبطن.
ويقول السكَني إن معظم رواد «قصر سليمان» هم من أوروبا وأميركا، وأن «العرب قليلون، وكذلك حال المغاربة»، مشيراً إلى أن «طاقة القصر تصل إلى 780 فرداً. واستضفنا زواراً وزبناء بشكل فردي أو عبر أفواج، جاءت مراكش في جولات سياحية أو للمشاركة في لقاءات ثقافية وعلمية أو مؤتمرات لها صيت وقيمة عالمية، وفي هذا السياق أذكر مسؤولي الأنتروبول، كما أذكر مسؤولي الفيفا، أمثال بلاتر ويوهانسون، ونجوم الكرة العالمية أمثال ميشال بلاتيني، وفرانز بيكنباور، اللذين تلاعبا بسكاكين وملاعق المطعم كما مسحا بأعينهما هندسة وأركان القصر. ويمكن القول إن الأسماء التي مرت من هنا هي أكثر وأكبر من أن تحصى، خصوصاً حين تمتد الحكاية معهم وبهم من «القايد العيادي» إلى والدي، قبل أن تنفتح على حاضر يقترح الأكل ومتعة الزيارة. وهكذا، فإلى كثير من الأمراء والملوك ورؤساء الدول، أمثال الأمير مولاي عبد الله (شقيق الملك الراحل الحسن الثاني)، الذي سكن بدار العيادي مدة أسبوع، خلال الأشهر الأولى من زواجه من الأميرة لمياء الصلح، والملك الحسين بن طلال، وشاه إيران، وجيمي كارتر، ونيكسون، أذكر ايضا من الفنانين النجمة الفرنسية كاترين دونوف.

       [IMG]http://www.aawsat.com/2008/02/04/images/fashion4.456935.jpg[/IMG]               [CENTER][SIZE=2][COLOR=#0000ff]«الدار الخضراء»، فسيحة وفاتنة        بزليجها ونقوشها تتذكر كل الأمراء والملوك الذين نزلوا    بها[/color][/size][/center]

وتتنوع خدمات القصر – المطعم على استراحات الشاي والغداء والعشاء والكوكتيل الترحيبي والمحاضرات المفتوحة في الهواء الطلق والتنشيط (الرجال الزرق، الفرق الفلكلورية، فرق الطرب الأندلسي، كَـناوة، الرقص الشرقي، البيانو…).
ورغم ما يقترحه القصر على زواره من روائع المطبخ المغربي، فإن متعة العين تحتفظ للناظر والزائر بكامل الاعتراف بما لبناية «قصر سليمان» من تميز في الهندسة وإصرار على المحافظة على ألوان وهندسة وشكل مراكش، خلال بدايات القرن الماضي الغارقة في دفئها الحضاري الأصيل، قبل أن يهجم عليها الحاضر بإسمنته المسلح وشققه الباردة الضيقة، المبنية لضرورات الضغط الاقتصادي أو الاجتماع