التشبه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينا. وحذرنا من تقليد الكفار والركون إلى الأشرار. ولنكون أمة واحدة متماسكة، لها مكانتها وعزتها. وأشهد أن لا إله إلا الله لا رب لنا سواه. ولا نعبد إلا إياه. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله رحمة للعالمين، فأغنى به بعد عيلة. وكثر به بعد قلة. وأعز به بعد ذلة. واستقامت ببعثته الملة، نبي شرح الله له صدره. ورفع له ذكره. وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وأصحابه ومن تمسك بسنته وسار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا
أما بعد:
إن هذا الدين هو صراط الله المستقيم من سار عليه نجا، ومن حاد عنه هلك، وقد وفر الله في هذا الدين كل أسباب الفلاح والرقي والتقدم، فلو تمسكنا به حق التمسك لصرنا أرقى الناس؛ لأصبح كل العالم يحتاج إلى ما عندنا ولسنا بحاجة إلى أحد غير الله، ولكننا ضيعنا ديننا؛ فضعنا، ففي كل يوم ندفن جزءاً من ديننا ونحل محله عادة غريبة، أو سنة من سنن الجاهلية، وصدق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حيث يقول: " إنما ننقض عرى الإسلام عروة عروة، إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية"
إن ديننا لا يحرم علينا أن نستفيد من الكفار في خبراتهم في مجال التقنية وخطط الصناعة، وديننا لا يحرم علينا التعامل مع الكفار في مجال التجارة المباحة وتبادل المنافع المفيدة. إنما الذي يحرمه ديننا هو التشبه بهم فيما هو من خصائصهم، لما في ذلك من المفاسد العاجلة والآجلة، فلا نتشبه بهم في لباسهم وهيآتهم، وما إلى ذلك مما يميله أعداؤنا ويتلقفه سفهاؤنا لينشروه بيننا .إن ديننا كمال كله. وخير كله. لو تمسك به المسلمون ونفذوه على وجهه الصحيح؛ لأصبح العالم كله بحاجة إليهم وليسوا بحاجة إلى أحد سوى الله: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) [المنافقون: 8]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: ثم إن الله شرع على لسان خاتم النبيين من الأعمال ما فيه صلاح الخلق على أتم الوجوه وهو الكمال المذكور في قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة: 3]
فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته قلت رغبته في المشروع وانتفاعه به بقدر ما اعتاض عنه من غيره، ولهذا تجد من أكثر سماع الأغاني تنقص رغبته في سماع القرآن حتى ربما يكرهه، ومن أكثر من السفر إلى زيارة المشاهد ونحوها لا يبقى لحج البيت المحرم في قلبه من المحبة والتعظيم ما يكون في قلب من وسعته السنة، ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم لا يبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع، ومن أدمن على قصص الملوك وسيرهم لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه ذاك الاهتمام – ونظائر هذا كثيرة. ولهذا جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع الله عنهم من السنة مثلها" رواه الإمام أحمد .فالمشابهة والمشاكلة توجب مشابهة الظاهر و توجب أيضاً مناسبة وائتلافاً وإن بعد المكان والزمان؛ فمشابهتهم في لبسهم وهيأتهم ولو بالقليل هي سبب لنوع ما من اكتساب أخلاقهم التي هي ملعونة. وقال -رحمه الله-: على قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من تشبه بقوم فهو منهم" وهذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم. وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبََه بهم كما في قوله: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) [المائدة: 51] ، فاشكروا الله على ما هداكم إليه من هذا الدين، وتمسكوا به، ولا تبتغوا به بديلا إن كنتم تريدون السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [المائدة: 51].