[B][SIZE=4][COLOR=#0000bf]كن لطيفًا عند أول لقاء …
انتشر في بعض أرياف مصر قديمًا أن الرجل العروس قبيل ليلة عرسه يخبئ في غرفته قطًا … فإذا دخل بزوجته على مكان فراش الزوجية … حرك كرسيًا ليخرج ذلك القط … فإذا خرج أقبل العروس يستعرض قواه أمام زوجته … وقبض على القط المسكين … ثم خنقه وعصره … حتى يموت بين يديه … !!
أتدري لماذا ؟!
لأجل أن يطبع صورة الرعب والهيبة منه في ذهن زوجته من أول لقاء …
وأذكر أني لما تخرجت من الجامعة … وتعينت معيدًا في إحدى الكليات … أوصاني معلم قديم قائلاً : في أول محاضرة لك عند الطلاب … شُدَّ عليهم … وانظر إليهم بعين حمراء !! حتى يخافوا منك وتفرض قوة شخصيتك من البداية …
تذكرت هذا … وأنا أكتب هذا الباب … فأيقنت أن من الأمور المقررة عند جميع الناس أن اللقاء الأول في الغالب يطبع أكثر من 70% من الصورة عنك … وهي ما يسمى بالصورة الذهنية …
أذكر أن مجموعة من الضباط سافروا إلى أمريكا في دورة تدريبية … كانت الدورة في التعامل الوظيفي … في أول يوم … حضروا إلى القاعة مبكرين … جعلوا يتحدثون … ويتعارفون … دخل عليهم المدرس فجأة فسكتوا … فوقعت عين المدرس على طالب لا يزال متبسمًا …
فصرخ به : لماذا تضحك ؟
قال : عذرًا … ما ضحكت …
قال : بلى تضحك …
ثم جعل يؤنبه : أنت إنسان غير جاد … المفروض أن تعود لأهلك على أول رحلة طيران … لا أتشرف بتدريس مثلك … والطالب المسكين قد تلون وجهه … وجعل ينظر إلى مدرسه … ويلتفت إلى زملائه … ويحاول حفظ ما تبقى من ماء وجهه …
ثم حدق المدرس فيه النظر عابسًا وأشار إلى الباب وقال : اخرج … قام الطالب مضطربًا … وخرج …
نظر المدرس إلى بقية الطلاب وقال : أنا الدكتور فلان … سأدرسكم مادة كذا … ولكن قبل أن أبدأ الشرح … أريدكم أن تعبئوا هذه الاستمارة … دون كتابة الاسم … ثم وزع عليهم استمارة تقييم للمدرس … فيها خمسة أسئلة :
1- ما رأيك بأخلاق مدرسك ؟
2- ما رأيك بطريقة شرحه ؟
3- هل يقبل الرأي الآخر ؟
4- ما مدى رغبتك في الدراسة لديه مرة أخرى ؟
5- هل تفرح بمقابلته خارج المعهد ؟
كان أمام كل سؤال منها … اختارات : ممتاز … جيد … مقبول … ضعيف … عبأ الطلاب الاستمارة وأعادوها إليه … وضعها جانبًا … وبدا يشرح تأثير فن التعامل في الجو الوظيفي … ثم قال : أوه ! … لماذا نحرم زميلكم من الاستفادة … فخرج إليه … وصافحه وابتسم له … وأدخله القاعة …
ثم قال : يبدو أنني غضبت عليك قبل قليل من غير سبب حقيقي … لكني كنت أعاني من مشكلة خاصة … أدت بي أن أصب غضبي عليك … فأنا أعتذر إليك … فأنت طالب حريص … يكفي في الدلالة على حرصك تركك لأهلك وولدك ومجيئك هنا …
أشكرك … بل أشكركم جميعًا على حرصكم … ومن أعظم الشرف لي أن أدرس مثلكم … ثم تلطف معهم وضحك قليلاً … ثم أخذ مجموعة جديدة من الاستمارات وقال : ما دام أن زميلكم فاته تعبئة الاستمارة فما رأيكم أن تعبئوها كلكم من جديد … ووزع عليهم الأوراق … فعبئوها وأعادوها إليه …
فأخرج الاستمارات التي عبؤوها في البداية … وأخرج الأخيرة وجعل يقارن بينها … فإذا الخانة الخاصة بضعيف في التعبئة الأول كلها مليئة … أما الثانية فيها ضعيف ولا مقبول … أبدًا … فضحك وقال لهم : كان ما رأيتم دليلاً عمليًا على تأثير التعامل السيء على بيئة العمل بين المدير وموظفيه … وما فعلته بزميلكم كان تمثيلاً أردت أن أجريه أمامكم … لكن المسكين صار ضحية …
فانظروا كيف تغيرت نظرتكم بمجرد تغير تعاملي معكم … هذا من طبيعة الإنسان … فلابد من مراعاته … خاصة مع من تلتقي بهم لمرة واحدة فقط …
كان المعلم الأول صلى الله عليه وسلم يأسر قلوب الناس من أول لقاء …
بعد فتح مكة … تمكن الإسلام … وبدأت الوفود تتسابق إلى رسول الله غ في المدينة … قدم وفد عبد القيس … على رسول الله صلى الله عليه وسلم … فلما رآهم وهم على رحالهم قبل أن ينزلوا … بادرهم قائلاً : مرحبًا بالقوم … غير خزايا … ولا ندامى … فاستبشروا … وتواثبوا من رحالهم … وأقبلوا إليه يتسابقون للسلام عليه …
ثم قالوا : يا رسول الله … إن بيننا وبينك هذا الحي من المشركين من قبيلة مضر … وإنا لا نصل إليك إلا في الشهر الحرام … حين يقف القتال … فحدثنا بجميل من الأمر … إن عملنا به دخلنا الجنة … وندعو به من وراءنا …
فقال صلى الله عليه وسلم : آمركم بأربع … وأنهاكم عن أربع … آمركم بالإيمان بالله … وهل تدرون ما الإيمان بالله ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم … قال : شهادة أن لا إله إلا الله … وإقام الصلاة … وإيتاء الزكاة … وأن تعطوا الخمس من الغنائم … وأنهاكم عن أربع : عن نبيذ في الدباء … والنقير والحنتم … والمزفت ( ) …
وفي موقف آخر … كان صلى الله عليه وسلم مسافرًا مع أصحابه ليلة … فساروا في ليلهم مسيرًا طويلاً … حتى إذا كان آخر الليل … نزلوا في طرف الطريق ليناموا … فغلبتهم أعينهم حتى طلعت الشمس وارتفعت … فكان أول من استيقظ من منامه أبو بكر … ثم استيقظ عمر …
فقعد أبو بكر عند رأسه صلى الله عليه وسلم … فجعل يكبر ويرفع صوته … حتى استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم … فنزل وصلى بهم الفجر … فلما انتهى من صلاته التفت فرأى رجلاً من القوم لم يصل معهم … فقال : يا فلان … ما يمنعك أن تصلي معنا ؟
قال : أصابتني جنابة … ولا ماء … فأمره صلى الله عليه وسلم أن يتيمم بالصعيد … ثم صلى … ثم أمر صلى الله عليه وسلم أصحابه بالارتحال … وليس معهم ماء … فعطشوا عطشًا شديدًا … ولم يقفوا على بئر ولا ماء …
قال عمران بن حصين رضي الله عنه : فبينما نحن نسير فإذا نحن بامرأة على بعير … ومعها مزادتان ( قربتان ) … فقلنا لها : أين الماء ؟! … قالت : إنه لا ماء … فقلنا : كم بين أهلك وبين الماء ؟ … قالت : يوم وليلة …
فقلنا : انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم …
قالت : وما رسول الله … !!
فسقناها معنا طمعًا أن تدلنا على الماء … حتى أقبلنا بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم … فسألها عن الماء … فحدثته بمثل الذي حدثتنا به … غير أنها شكت إليه أنها أم أيتام …
فتناول صلى الله عليه وسلم مزادتها … فسمى الله … ومسح عليها … ثم جعل صلى الله عليه وسلم يفرغ من قربتيها في آنيتنا … فشربنا عطاشًا أربعين رجلاً … حتى روينا … وملأنا كل قربة معنا … ثم تركنا قربتيها … وهما أكثر ما تكون امتلاءً …
ثم قال صلى الله عليه وسلم : هاتوا ما عندكم … أي طعام … فجمع لها من كسر الخبز والتمر …
فقال لها : اذهبي بهذا معك لعيالك … واعلمي أنا لم نرزأك من مائك شيئًا … غير أن الله سقانا … ثم ركبت المرأة بعيرها … مستبشرة بما حصلت من طعام … حتى وصلت أهلها …
فقالت : أتيت أسحرَ الناس … أو هو نبي كما زعموا … فعجب قومها من قصتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم … فلم يمر عليهم زمن حتى أسلمت وأسلموا ( ) …
نعم … أعجبت بتعامله وكرمه معها من أول لقاء …
وفي يوم أقبل رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم … فسأله مالاً … فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم قطيعًا من غنم بين جبلين … فرجع الرجل إلى قومه … فقال : يا قوم … أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخاف الفاقة …
قال أنس : وقد كان الرجل يجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يريد إلا الدنيا … فما يمسي حتى يكون دينه أحب إليه … وأعز عليه … من الدنيا وما فيها ( ) …
اقتراح …
أول لقاء يطبع 70% من الصورة عنك …
فعامل كل إنسان على أن هذا هو اللقاء الأول والأخير بينكما[/color][/size][/b]