في رحاب آية (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا .. )

[CENTER]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قال تعالى: { مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون } (البقرة:17) [/center]

لما ذكر الله تعالى صفات المؤمنين في الآيات السابقة , أعقبها بذكر صفات الكافرين , ليظهر الفارق الواضح بين الصنفين , على طريقة القرآن الكريم في المقارنة بين الأبرار والفجار , والتميز بين أهل السعادة والشقاء " وبضدها تتميز الأشياء " فأطنب بذكرهم في ثلاثة عشرة آية لينبه لعظيم خطرهم ثم أعقب ذلك بضرب مثلين زيادة في الكشف والبيان , وتوضيحا لما تنطوي عليه نفوسهم من ظلمة الظلال والنفاق , وما يئول إليه حالهم من الهلاك والدمار .

تفسير الآية : { مثلهم كمثل الذي استوقد نارا } أي مثالهم في نفاقهم وحالهم الغريبة كحال شخص أوقد نارا ليستدفئ بها ويستضيء , فما أتقدت حتى انطفأت وتركته في ظلام دامس وخوف شديد

{فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون} أي فلما أنارت المكان الذي حوله فأبصر وأمِن , وأستأنس بتلك النار المشعة المضيئة ذهب الله بنورهم أي أطفأها بالكلية فتلاشت النار وعُدم النور وتركهم في ظلمات شديدة وخوف شديد , وهذا حال المنافقين في استبدالهم الضلالة عوضا عن الهدى , واستحبابهم الغي عن الرشد .

الفائدة : الغاية من ضرب المثل … تقريب البعيد وتوضيح الغامض حتى يصبح كالأمر المشاهد المحسوس , وللأمثال تأثير عجيب في النفوس { وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون }

[CENTER]انتبهوا معي في الجزء القادم ربنا يكرمكم

[/center]

لطيفَه :قال العلامة ابن القيم : تأمل قوله تعالى{ ذهب الله بنورهم } ولم يقل " ذهب الله بنارهم " مع أنه مقتضى السياق ليطابق أول الآية{ أستوقد نارا } فإن النار فيها إشراق وإحراق .
فذهب الله بما فيها من إشراق وهو " النور " وأبقى ما فيها من الإحراق وهو " النارية " !!وتأمل كيف قال " بنورهم " ولم يقل" بضوئهم " لأن الضوء زيادة في النور , فلو قيل ذهب الله بضوئهم لأوهم الذهاب بالزيادة فقط دون الأصل !!
وتأمل كيف قال{ ذهب الله بنورهم } فوحد النور ثم قال { وتركهم في ظلمات} فجمعها , فإن الحق واحد وهو صراط الله المستقيم , الذي لا صراط يوصل سواه , بخلاف طرق الباطل فإنها متعددة ومتشعبة , لهذا أفرد سبحانه "الحق" وجمع "الباطل" في آيات عديدة مثل قوله تعالى : { يخرجونهم من الظلمات إلى النور } وقوله : { وجعل الظلمات والنور } وقوله : { إن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} فجمع سبل الباطل ووحد سبيل الحق .

من كتاب صفوة التفاسير

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله تعالى : " … إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا
مابأنفسهم وإذا أراد الله بقومٍ سوءً فلا مرد له ومالهم من
دونه من والٍ"
إن لله تعالى سنناً لاتتغير وقوانين لاتتبدل : سنة الله التي
قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً . وهذه سنة
وقاعدة اجتماعية سنها الله تعالى ليسير عليها الكون
وتنتظم عليها أسس البنيان: إن الله لايغير مابقوم حتى
يغيروا مابأنفسهم : أي أن الله تبارك وتعالى إذا أنعم على
قوم بالأمن والعزة والرزق والتمكين في الأرض فإنه
سبحانه وتعالى لايزيل نعمه عنهم ولايسلبهم إياها إلا إذا
بدلوا أحوالهم وكفروا بأنعم الله ونقضوا عهده وارتكبوا
ماحرم عليهم. هذا عهد الله ومن أوفى بعهده من الله ؟
فإذا فعلوا ذلك لم يكن لهم عند الله عهد ولا ميثاق فجرت
عليهم سنة الله التي لاتتغير ولاتتبدل فإذا بالأمن يتحول
إلى خوف والغنى يتبدل إلى فقر والعزة تؤل إلى ذلةٍ
والتمكين إلى هوان.
أيها الأخ الكريم إن المتأمل اليوم في حال أمة الإسلام
وماأصابها من الضعف والهوان وماسلط عليها من الذل
والصغار على أيدي أعدائها بعد أن كانت بالأمس أمة
مهيبة الجناح مصونة الذمار ليرى بعين الحقيقة السبب
في ذلك كله رؤيا العين للشمس في رابعة النهار .
يرى أمةً أسرفت على نفسها كثيراً وتمادت في طغيانها
أمداً بعيداً واغترت بحلم الله وعفوه وحسبت أن ذلك من
رضى الله عنها ونسيت أن الله يمهل ولايهمل ، وما الأمة
إلا مجموعة أفراد من ضمنهم أنا وأنت .
تجول أخي الحبيب في ديار الإسلام (إلا من رحم الله)
واخبرني ماذا بقي من المحرمات لم يرتكب وماذا بقي
من الفواحش لم يذاع ويعلن ، الربا صروحه في كل مكان
قد شيدت وحصنت حرباً على الله ورسوله، والزنا بيوته
قد أعلنت وتزينت في كل شارع وناصية، والسفور قد حل
محل الستر والخنا قد حل محل الطهر والعفاف.
والخمر ( أم الخبائث) صارت لها مصانع ومتاجر.
المعروف أصبح منكراً والمنكر غدا معروفاً.
أرتفع الغناء (صوت الشيطان) ووضع القرآن (كلام الرحمن).
حكمٌ بغير ماأنزل الله وقوانين ماأنزل الله بها من سلطان.
وقبل ذلك كله تخلينا عن الجهاد وركنا إلى الدنيا وتبايعنا
بالعينة وتتبعنا أذناب البقر ، أفبعد هذا نرجوا نصر الله
وعزته وتمكينه ؟ أبعد هذا نتساءل لماذا حل بنا هذا
الهوان ؟ أفبعد هذا نستغرب ماأصابنا من الذل على أيدي
أعدائنا من شرار الخلق من اليهود والنصارى والهندوس
والبوذيين وغيرهم ؟ نعم والله إن الله لايغير مابقوم حتى
يغيروا مابأنفسهم … إننا لن نخرج ممانحن فيه من الذل
والصغار ولن ننال العزة والكرامة إلا إذا عدنا إلى ديننا
وتمسكنا بإسلامنا فكما قال عمر بن الخطاب رضي الله
عنه : نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره
أذلنا الله.
أخي الكريم : إن الأمة لن تتغير إلا إذا تغير أفرادها ‘ إلا
إذا غيرت أنا وأنت وهو وهي ، إذا غيرنا أسلوب حياتنا
بما يوافق شرع الله وقلنا لربنا سمعاً وطاعة واتبعنا هدي
نبينا عليه الصلاة والسلام : وماآتاكم الرسول فخذوه
ومانهاكم عنه فانتهوا. عندها نصبح أفراداً وأمة أهلاً
لموعود الله بإن يغير الله ذلنا إلى عزة وضعفنا إلى قوة
وهواننا إلى تمكين. نسأل الله العظيم رب العرش العظيم
أن يردنا جميعاً إلى دينه مرداً حسناً وأن يلهمنا رشدنا
ويفقهنا في ديننا ويرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه والباطل
باطلاً ويرزقنا اجتنابه وأن يمكن لأمة الإسلام ويعيد لها
عزتها ومكانتها وأن ينصرها على أعدائها إنه سميع
مجيب. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.