العمارة المعاصرة.. حوار مفتوح بين القديم والحديث

حديث الحضارات

العمارة المعاصرة… حوار مفتوح بين القديم والحديث

روما: عبد الرحمن البيطار
جورج برنارد شو أشهر من نار على علم، وكاتب ساخر مرموق، ومع ذلك فقلة فقط يعرفون أنه صمم نافذة من الزجاج الملون عام 1910 تكريما لحركة المثقفين الاشتراكيين البريطانيين (الجمعية الفابية)، وهي حركة تؤمن بالديمقراطية والتطور بدل الثورة، وكان أفرادها هم من وضعوا أسس ومبادئ حزب العمال الحاكم الآن. فكرته في تصميم النافذة تركزت على إظهار أعضاء الجمعية كبناة لعالم جديد، ونفذت التصميم الفنانة كارولين تاونزند قبل الحرب العالمية الأولى، إلا أن النافذة اختفت منذ عشرين عاما وعادت إلى الظهور قبل بضع سنوات فقط، وهي معروضة حاليا في كلية الاقتصاد بجامعة لندن، مقر الجمعية الفابية.

ما لا يختلف عليه اثنان أن التصميم المعماري والمنزلي، أصبح الآن اختصاصا يدرس في المعاهد والجامعات، ويؤثر على الأزياء كما يؤثر على تصميم ملاعق الطعام والحقائب النسائية. بل ونجح مهندسون معماريون، أمثال فرانك جيري، في جذب السياح لزيارة مناطق كانت مهملة سابقا في نيويورك، وزها حديد، في جذبهم لمتحف الفن الحديث، بعد تجديدها ثكنة عسكرية قديمة في روما. لهذا ليس غريبا أن تصبح أسماء هؤلاء على كل لسان في العالم، بالإضافة إلى أسماء أخرى نذكر منها رينزو بيانو، باني حديقة الموسيقى في روما، وماريو بوتا من تورينو، مصمم الأبنية والطاولات وزجاجات المياه المعدنية، وايوه مينغ باي، مصمم أهرام متحف اللوفر في باريس، أو كنزو تانغه الياباني، مصمم السفارة الكويتية في طوكيو والقصر الملكي في جدة، ومارسيل بريوير المجري الأصل، مصمم الكراسي الشهيرة… وهلم جرا. كل هؤلاء يتنافسون في عصر العولمة المعقد على الابتكارات الجديدة، ويشاركون في المناقصات العالمية لتخطيط المدن والمباني. لهذا كان المؤتمر العالمي للعمارة المعاصرة، الذي عقد في روما مؤخرا، مناسبة مهمة تجمع فيها كبار المعماريين للتعبير عن أفكارهم ورؤاهم. مسرح المؤتمر احتضنه المعهد السويسري للثقافة، الذي بناه ثري إيطالي في الماضي وسماه «فيلا ماريني»، وجعل من حديقته الجميلة، قرب شارع فينيتو، واحة خضراء تنافس حدائق بورغيزي النبيلة. أما عنوان المؤتمر فكان «روح المكان» أو علاقة التصميم بالمكان. وهو ما وضحه المهندس المعماري ريتشارد إنغلند من مالطة، أحسن توضيح أثناء مداخلته. قال إنه خلال عمله الطويل في بناء المتاحف والبيوت الفخمة في مالطة، كان يحلم بتاريخ تلك الجزيرة وكل من مروا عليها، بدءا من الفينيقيين والإغريق والرومان والعرب والصليبيين وانتهاء ببريطانيا في عهد الاستعمار. وأضاف: «إن ما نراه فيها الآن إرث تركه الغزاة منذ خمسة آلاف عام وأصبح هوية لنا». واستشهد إنغلند بما قاله العالم أينشتاين عن الأقدمين وطريقة بنائهم المنازل والمعابد، أي أنهم عاشوا في الطبيعة وكانوا جزءا منها، قبل أن يأتي المعماري المعاصر وينسى هذا الأمر متشجعا بتغير طريقة الناس في فهم الحياة.

فالإنسان البدائي كان يلجأ إلى بيته لكي يحمي نفسه، لأنه المكان الذي يجد فيه الأمان ويتمكن فيه من العبادة. وفي عهد السومريين، أصبح المعمار مهنة متطورة في بلاد ما بين النهرين ما بين الألفية السادسة والثانية قبل الميلاد. أما الفراعنة، فاستعملوا الأبنية الضخمة والصروح كطريقة وصل بينهم وبين الآلهة والقوى فوق الطبيعة، فيما استخدمها الفرس كمثال على قوة الدولة. أما فن العمارة الإسلامية في القرن السابع الميلادي فكان مزيجا لإبداعات شعوب الشرق الأوسط القديم والفن البيزنطي، وتطورت لتشبع المتطلبات الدينية والاجتماعية للمجتمع الإسلامي. وبعدهم يسجل التاريخ أن العمارة الحديثة بدأت في أوروبا، بعد عهد النهضة وظهور الفنان المعماري والمهندس مايكل أنجلو في إيطاليا. وفي هذا السياق، ذكّر بيير أندريه دوفيتل، كبير المعماريين الفرنسيين، الحضور بأن العمارة في فرنسا كانت تعني الملك وقصوره وحدائقه والأبنية العامة، لهذا عندما قامت الثورة الفرنسية ألغت كل المؤسسات الملكية، بما فيها الأكاديمية الملكية للفنون والعمارة التي عادت إلى الحياة عام 1940 باسم «أكاديمية فرنسا». لكن أضاع المعماريون الفرنسيون الطريق الذي اكتشفه الألمان في أوائل القرن العشرين، تاريخ ولادة المدرسة المعاصرة على يد أدولف لوس (1870 - 1933). وكانت الأبنية التي صممها تعكس حركة الرواد وتعبر عن الجمال الصارم المتقشف، وكان لهذا الأسلوب أتباع كثيرون، مثل ألدو روسي في إيطاليا، أنطونيو غاودي في إسبانيا، ثم فرانك لويد رايت في أميركا، وإن كان لكل منهم أسلوبه الفريد وطريقته الخاصة. وهذا ما أشار إليه منظم المؤتمر، المهندس المعماري الإيطالي بيترو ريالي، بقوله إنه لا وجود للهندسة المعمارية المعاصرة لأن لكل فنان ومصمم شخصيته الفردية وليست هناك مدرسة معينة يتبع أنصارها نفس المقاييس والاعتبارات. استشهد ريالي على فكرته بتصميمه الأخير في جزيرة سردينيا السياحية، وهي عبارة عن حديقة عامة يقع في طرف منها متحف تاريخي. أما عن علاقة التاريخ بالمكان، فقال إنه، أثناء دراسته للموقع والحفريات، اكتشف نوعا خاصا من البلاطات الخزفية (السيراميك) من شمال أفريقيا ذات لون أحمر غير مألوف «حاولت استخدام تلك القطع مع شعار المنطقة، محترما جذور شعب سردينيا، التي قد تكون نتيجة انتقال السكان من بلاد الشام والأناضول إليها قبل آلاف السنين، وكانوا هم من جلبوا معهم البناء بالطين». وأردف: «اخترنا للحديقة أشجار البحر المتوسط، كأشجار الزيتون والبرتقال والجوز، حتى يرتبط التاريخ مع المكان، فهذا هو أسلوبي في الهندسة المعمارية الحديثة الذي يحافظ فيه المصمم على الماضي وهو ينظر إلى المستقبل». كما شرح ريالي كيف استخدم التقنية الحديثة لحماية الآثار من الريح القوية التي تحمل ملح البحر الذي يهددها بالخراب البطيء، بابتكار مظلات حديدية تنفتح مع هبوب الريح دون محرك وتعمل كمضادات طبيعية للريح.

وبين فكرة هذا ورؤية ذاك، يخرج المراقب غير المختص بانطباع مثير حول التصميم والعمارة، وكيف يمكن للمهندس المعماري أن يبتكر بناء يبقى في ذاكرة الزائر لأن بصماته انطبعت في الذهن وخلّفت أثرا قويا، وكيف يستحيل النجاح في نقل تصميم بحذافيره، ولد في لوس أنجليس، إلى دمشق أو عمان مثلا.

معلومه جميله
العمل المعمارى هو عمل فنى
هناك تعريف للعماره وهو
العماره فن علمى اجتماعى