مقال رائع: لن نحقق إلا ما نحلم به

بقلم: معتز بالله عبد الفتاح

ليس كل ما يحلم به المرء يحققه، ولكن لا يحقق المرء فى واقع الناس إلا ما حلم به وتمناه فى عقله أولا.

بلد لا تحلم بأن تصنع أقمارا صناعية، لن تصل إلى هذه المرحلة على الإطلاق. الهرم كان يوما حلما. السد العالى كان يوما حلما. حرب أكتوبر كانت يوما حلما.

التخلص من الفرعونية السياسية فى مصر كان يوما حلما.
هذه القدرة على الحلم يصنعها الوعى العام الذى يسهم فيه أهل الفكر والفلسفة.

ويأتى أهل العلم والتخصص الدقيق ليؤمنوا بهذه الأفكار ويحولوها إلى واقع نعيشه. ويأتى علماء الدين كى يتأكدوا أن ما يحلم به أهل الفكر والفلسفة وما يستخدمه أهل العلم والتخصص من وسائل لا يتصادم مع قطعيات الدين وثوابته.

وهذا قطعا ليس فصلا تحكميا، بقدر ما هو محاولة لتوضيح أن أى مجتمع جاد فى مسألة النهضة لا يمكن أن ينهض بدون خلطة متماسكة من أشخاص ومؤسسات تنشغل بالفلسفة والفكر، وبالبحث العلمى والأكاديمى، وبترسيخ قيم التدين الصحيح. بل إن الشخص الواحد، لا سيما أهل القيادة فى الدولة والمؤسسات، لا بد أن تجتمع فيه هذه التوليفة أيضا.

إن التدين الشكلى ــ النصوصى بلا تعمق فلسفى (مقاصدى) سيكون شكليات تهتم بتوافه القضايا وتنعزل عن قضايا المجتمع الحقيقية، والتدين الشكلى ــ النصوصى بلا علم مرتبط بتخصص دقيق سيكون غيبيات واتكالية على سنن الله الخارقة التى ما وعد الله بها أحدا إلا بعد أن يكد ويكدح عملا بسنن الله الجارية.

والفلسفة بدون تدين حقيقى ستكون شطحات وخروج عن المألوف والمقبول، والفلسفة بدون علم مرتبط بالرسوخ فى التخصص ستكون مثاليات نسمع عنها ولا نعرف كيف نصل إليها، والعلم بدون فلسفة سيكون أداة للدمار لأنه سيكون منزوع الأخلاق، والعلم بدون تدين حقيقى سيقف متحديا لقيم المجتمعات المتدينة فيرفضه العوام ولا يفيدون منه.

إنها خلطة متوازنة متكاملة يلعب فيها كل مصدر من مصادر المعرفة الإنسانية دوره. كخلطة الخرسانة التى يشد بعضها بعضا، فلا مفاضلة بين مكوناتها وإنما التكامل.

هل أجافى الحقيقة لو قلت إن الكثير منا متخاذلون؟ نحن كمن يقول: «أنا عريان، لكن أجدادى هم الذين اخترعوا الملابس»، «أنا لا أقرأ فى تخصصى، لكن أجدادى ألفوا مئات الكتب فى هذا التخصص،» «أنا أرفض المختلف معى فى الرأى والدين، لكن انظروا كيف أن دينى متسامح مع المخالفين فى الرأى والعقيدة».

لا بد أن نعترف أننا نمنا لعقود فى النور، نور مبادئ عظيمة ورثناها عن أجدادنا، واستيقظ الآخرون فى ظلام غيابها. لكن المخلص فى عقيدته، حتى لو كانت خطأ، سيتقدم على المتخاذل فى عقيدته، حتى لو كانت صوابا.

ولتكن ثورتنا ثورة وعى وعمل، وليست فقط ثورة كلام وانفعال.

عذرا لو تفلسفت قليلا، فأحيانا يحتاج المرء أن يخرج من عالم «الأشياء» إلى عالم «الأفكار» عسى أن يصلح من خلالها عالم «الأحداث».
http://shorouknews.com/Columns/Column.aspx?id=437516

جزاك الله كل خير على الموضوع

جزاك الله خيرا على المقال الرائع