مصر الثورة والعسكر والإخوان .... ما بين النموذجين التركي والباكستاني

مصر الثورة والعسكر والإخوان … ما بين النموذجين التركي والباكستاني
د. محمد بريك

    [CENTER][FONT=Tahoma][COLOR=brown]2011-11-29[/color][/font][/center]



ثورة مصر ليست مجرد ثورة محلية لإسقاط نظام مستبد فيكون فهمها ومآلاتها تبعا لاستيعاب كيفية تحرك النظام المستبد ومراكز قوته للتحايل عليها واحتوائها؛ ولكنها زلزال حقيقي في أكثر منطقة شديدة الحيوية والخطورة على المصالح الأمريكية والغربية وهي تمثل خطر وجودي على إسرائيل. لماذا هي خطر؟ لأنه من المعلوم يقينا أن إنشاء نظام ديمقراطي حر معناه أن تقود الإرادة الشعبية لنظام معاد لهذه المصالح الحيوية والوجودية لتلك القوى،، وفتح كل أفاق تطوير القدرة الاستراتيجية والنهضوية لمصر على مصراعيها … ومصر حين تثور تقود على الحقيقة مشروع أمة.
سقوط النظام والمؤسسة العسكرية:
والنظام الذي سقط لم يسقط كلية؛ وإنما سقط رأسه وبعض مراكز قوته. المؤسسة العسكرية هي إحدى مراكز قوة النظام القديم … ولكن سقوط النظام ليس معناه إسقاط هذه المؤسسة ولكن إعادة تأهيل العلاقة بينها وبين النظام الديمقراطي (الجديد). المؤسسة العسكرية هي مؤسسة وطنية في الجملة ولكن لها مصالح وامتيازات (اقتصادية وسيادية) لايستقيم مع بقائها أي نظام ديمقراطي قائم على المحاسبة والمسئولية وخضوع أي مؤسسة في الدولة للقرار السياسي المنتخب والرقابة البرلمانية.
والمؤسسة العسكرية شهدت تحولات عديدة في علاقتها مع الدولة المصرية منذ ثورة يوليو … فبعد أن كانت جزءا أصيلا من القيادة السياسية تحولت بعد 1962 إلى منافس له مما كان أحد أسباب نكسة يونيو… ثم تم تحجيمها ثانية ولكنها بقيت الأداة السيادية الرئيسة للنظام السياسي في السيطرة على البيئة السياسية والاجتماعية … ثم شرع السادات في إعادة هيكلة العلاقة لتبقى المؤسسة خاضعة للقــــرار السياسي ولكنها معزولة عن التغول كأدة سلطة سياسية مباشرة … وفي مقابل هذا ـ تم السماح للمؤسسة بتوسيع (دولتها) الخاصة بها في المنحى الاقتصادي والاجتماعي والمعلوماتي والأحقــية (العرفية) في احتلال بعض المناصب المدنية السيادية … وربــــما استدعاؤها في حالات بعينها (المحاكمات العسكرية ـ انتفاضة الأمن المركزي…) لتكون أداة لفرض إرادة النظام الســــياسية والأمنية بشكل صارم. ولكن الوظيفة الأهم لهذه المؤسسة داخليا كانت قابليتها للاستدعاء إذا ظهر خطر على النظام تفشل في تفتيته المؤسسة الأمنية.
وحين اندلعت الثورة كان الأمر واضحا بعد 29 كانون الثاني/يناير لكل من المجلس العسكري والأمريكان … هذه ثورة حقيقية ولايمكن إجهاضها، وإذا تدخل الجيش في هذا فإن مصيره لامحالة إلى التفتت والانشقاق الداخلي؛ البنية الأساسية والقاعدية في الجيش هي لاشك وطنية. ولهذا كان الخيار المعتاد في التعامل مع الثورة كما أي ثورة (غير مرغوبة) هو احتواؤها عبر إزالة الرأس وبعض مراكز القوة النظامية ومحاولة إنشاء نظام سياسي (جديد) … وهذا مايقصده نعوم تشوميسكي أن هذا من بديهيات السياسية المعتادة لأي قاري لسياسة القوة العظمي لتفكيك الثورات … وتحويل مغرمها إلى مغنم.
يضاف إلى هذا أن مشروع الشرق الأوسط الجديد واستبدال الأنظمة الفاشلة المستبدة المتحالفة مع الأمريكي إلى أنظمة (ديمقراطية) ولكنها تستجيب للمعادلة الاستراتيجية في المنطقة وسياسات رأس المال العليا هو مشروع قديم من 2003 … وتم تنحيته بعد انتخابات مصر وفلسطين ونتائج حروب العراق ولبنان، ولكنه بدأ يعيد نفسه ثانية في العامين الأخيرين حين ظهرت أزمة (انتقال السلطة) في مصر.
ماالذي منع الثورة المصرية أن تحسم في الجولة الأولى؟: عفويتها وعدم ظهور قيادة سياسية واستراتيجية لها، الكيان الأكثر تنظيما وشعبية فيها (الإخوان) ـ له اتجاه إصلاحي تفاهمي وليس ثوري كما ظهر من تعاطيه مع عمر سليمان والمجلس العسكري حوالي التنحي ، والكيانات الثورية الشبابية كانت شديدة التبعثر وقليلة الخبرة السياسية ومشدوهة بآثار اللحظة.
وهنا حصل أخطر شيء في الثورة … السماح للمجلس العسكري بتولي إدارة المرحلة الانتقالية. في أي تحول ديمقراطي منذ نظام مستبد يكون وضعية المؤسسة العسكرية والأمنية هي المحدد الأساسي لمدى نجاح هذا التحول أو فشله … وفي الأغلب تخوض القوى السياسية المدنية نضالا حقيقيا لإعادة تأهيل هذه المؤسسات وعلاقاتها بالنظام … هو نضال عصيب وهي ـ أي تلك القوى ـ تقود مرحلة التحول … فماذا يكون حاله إن كانت المؤسسة العسكرية هي من تقود، وتستطيع هندسة البيئات السياسية والتشريعية والأمنية والإعلامية كما تريد؟
إدارة المرحلة الانتقالية:
يبقى السؤال المركزي … وهو كيف يمكن إنشاء نظام سياسي (ديمقراطي) - إذا اعتبرنا الديمقراطية هي مجرد حدوث انتخابات نزيهة - وليس أن الديمقراطية هي أن تتم هذه الانتخابات بعد ترتيب البيئات السياسية والتشريعية والأمنية التي تعقد بها عن طريق التوافق السياسي المدني… وأن يكون منتوجها مهيمنا على كل مساحات السلطة في الدولة. ؟
هناك طريقان يتم اتباعهما: الأول ـ هو تأهيل التيارات السياسية الموجودة لتقبل وتتعايش مع المصالح الوجودية والحيوية لكل من المؤسسة العسكرية والقوى الخارجية، والثاني ـ هو إيجاد الوصي العسكري. وفي الأغلب يتم اختيار المسارين معا … لأن التأهيل هو الأضمن على المدى الطويل ولكنه يحتاج وقت، والوصاية هي الأضمن على المدى القصير ولكنها تقدم وقتا للتأهيل.
وهذا مارأيناه في المرحلة الانتقالية التي كان من سماتها الأساسية تفكيك الزخم الثوري وإعادة إنتاج مكونات النظام القديم في الداخلية والإعلام والجهاز السيادي البيروقراطي وتوثيق شرعية المجلس العسكري السياسية والواقعية.
والمثير للحنق… أن القوى الإسلامية ـ الإخوان خصوصا ـ لم تكتف بالتقاصر عن استكمال الحالة الثورية مع أنها كانت المركز الرئيسي في التنظيم والكتلة الشعبية المتماسكة، ولم تنجر فقط إلى مسرحية (الاستفتاء) الذي أشعل الاصطفاف السياسي والأيديولوجي … وليس فقط أنها لم تحرك ساكنها حين ظهر الإعلان الدستوري مكرسا بشكل تام لدولة وضاية عسكرية ولا يكون للبرلمان المنتخب أي سلطة حقيقية … حتى تلك الموجودة في دستور 71، ولكنها ساهمت بجدية في تمتين هذه الشرعية السياسية كما ظهر طيلة المرحلة السابقة و(جمعة الوقيعة) و(الجيش خط أحمر).
وفي المقابل ـ حتى تكتمل الصورة … تحت ضغط الرهبة من اكتساح الإسلاميين الهائل بدأت بعض القوى الليبرالية ترى الملجأ الوحيد في المجلس العسكري و(وصايته). ومن اللافت للنظر… أن أول من طرح فكرة الوصاية أصلا في الساحة السياسية المصرية كانوا للأسف نخب أكاديمية سياسية كانت قد وثقت فيهم جماهير الثورة !
وحصول التفاهم بين الإخوان والمجلس العسكري هو مسألة من بديهيات قراءة الساحة المصرية في الغرب … وهناك طروحات عديدة (وأحاديث) في الداخل والخارج عن صفقات محددة: سواء لقاءات عمر سليمان وماقبل التنحي مباشرة واتصالات خاصة بالإدارة الأمريكية مبكرا قبل التنحي وخصوصا في المرحلة الأخيرة … وشبه توافق أن شرط تأهيل الإخوان أمريكيا هو قبول الإخوان بترك الملفات السيادية للعسكر والانشغال بالملفات المدنية الأخرى.
وأنا أقول: أن هذه الصفقات لها شواهد عديدة وقد يفعلها الإخوان ظنا أنها (للمصلحة الوطنية) … خصوصا إذا تماهت المصلحة الفئوية مع المصلحة الفئوية والدينية، وأنها هي الحد المتاح ـ كما حدث في 2005 … وهي لونظرنا إليها أنها آتية من فريق له مسار إصلاحي تفاهمي غير ثوري فلا استنكار وتبقى خيار سياسي ؛ولكن كونها سرية و فئوية (لا تمثل التوافق الوطني) فإنها مشكلة سياسية وأخلاقية.
غير أن الإنصاف كذلك يقتضي القول أن منطق التفاهم السياسي بين طرفين هو أوسع من الصفقات المباشرة وكتابة العهود … ولكنه قراءة متقاربة للمصالح المشتركة ثم إرسال (إشارات) متبادلة على النوايا والتوجهات … والحقيقة أن الفضاء السياسي المصري أصبح (سنترالا) بمثل هذه الإشارات … بدءا من تعيين أ. صبحي صالح في لجنة التعديلات.
المسار المقبل والانتخابات:
المجلس العسكري يعتمد على تفكيك حالة الثورة بنقلها لمرحلة النسق الدستوري الذي يتحكم على مفاصله، وأن وصايته تلك يتم تكريسها عن طريق الموازين القوى السياسية والمادية على الأرض وتقنين جزء كبير من هذه السيادة (دستوريا)… والنقطة الأولى أهم من الثانية. ولذلك فمن بديهيات انتقال السلطة من العسكر للمدنيين في أي تحول ديمقراطي ثوري أن هناك ثلاثة متطلبات لابد من حصولها: توافق سياسي (فلا يستغل العسكر حالة التحارب السياسي للتنقل من طرف لطرف) وزخم ثوري داعم في الخلفية (كقوة ضاغطة)، ومنطق حكيم في التعامل مع المجلس يضمن إعفاءه من خروقاته أيام النظام السابق في مقابل تسليم السلطة كاملة.
المسارات أمام المجلس لتحقيق مراده السياسي بالنسبة للانتخابات ومنتوجها:
أولا ـ في حالة أغلبية إخوانية يكون أمام المجلس خياران - وفي الأغلب سيجمع بينهما: احتواء الإخوان في ظل نظام سياسي يتحكم العسكر في ملفاته السياسية ويتركون ملفات (ما يسمى بمحور الإعمار والتنمية للإخوان) وهذا مايحبذه الأمريكي … والثاني ـ محاولة قصفصة أجنحتهم ونفوذهم السياسي ومحاولة استمالة فصيل داخلهم دون فصيل وأمامه مفاتيح ينفذ منها أو يصطنعها (قانونية التنظيم ـ التمويل ـ التنظيم الدولي والعلاقات الخارجية ـ الحزب على أساس ديني ـ أي فبركات أخرى) … وسيساعده على ذلك نفور القوى السياسية ورهبتها من الفوز الإخواني.
ثانيا ـ في حالة (كوكتيل) سياسي لا أغلبي … فيكون فرض الوصاية وعقد الصفقات فيه أفضل وأيسر من حالة الأغلبية الإخوانية.
ثالثا ـ بقاء الوضع العسكري المباشر كما هو … في حال تقدم إخواني واستعصاء على الوصاية أو تخريب الانتخابات بسبب الانفلات الأمني… وهذا احتمال ضعيف.
بالمناسبة ـ نطرح سؤالا مهما… لماذا إذن رفض الإخوان صراحة المادتين 9 و 10 من وثيقة السلمي؟
لعدة أسباب: أولا ـ أن منطق الصفقة ليس هو المتسيد في النسق القيادي الإخواني … الذي يعاني إشكال حقيقي في القدرة السياسية وهذا تجلى في عدم إدراك محركات المجلس العسكري منذ تسعة أشهر مع أنها بالفعل بديهية سياسية ـ و لكن تبقى هناك مجموعة بعينها داخل هذا النسيج واعية بالأمر وتبعاته وخياراته… طبيعة الحال ـ أنه لابد من تعريض الجماعة لحزم ترغيبية وترهيبية لحسم هذا الأمر عند الجميع؛ لأن الخيار حينها لايكون بحال ثوريا.
السبب الثاني ـ وهو الأهم ـ هو حالة الغليان الداخلي في حالة حدوث هذا … وهو لاشك أنه سيكون أشد كثيرا من ذلك الذي حدث عند التوقيع على وثيقة عنان ودفع الجماعة بعد أيام لإظهار بيان منتقد للوثيقة ـ في حالة من الهزل السياسي ـ ولكنه يكفي لحد ما في تخفيف الاحتقان الشعبي.
هل من الممكن تأهيل الصف الإخواني ليقبل بخيار الوصاية العسكرية؟
للتنظيم الإخواني وبسبب طبيعة البيئات التربوية والتنظيمية قدرة معقولة ـ وإن بدأت تقل مع الوقت ـ في استيعاب الصف الداخلي عبر أدوات متعددة … منها الحشد والتعبئة العاطفية ونسج حكايات تطمينية (كمثل تلك التي كانت تحكى عن المجلس وبيضاوية بعض أفراده) أو تخويفية (الحديث عن المؤامرات حديثا). ويأتي حينها الحديث أن هذا هو مصلحة دعوية وأنه في الإمكان استنساخ النصر الأردوغاني واحتياج الشعب للتربية والتنمية التي يتيحها وجود الإخوان في مؤسسة القرار … وأن الثورة هي خيار مرفوض لفداحة ثمنه ويتم إسناد هذا ب (أدلة) تراثية على وجوب التعقل والتدرج وتغليب الحكمة على العاطفة ويتم استدعاء كل الأمثلة التاريخية بشكل مشوه بدءا من رفض التحرك لإنقاذ سمية أو صلح الحديبية.
المشكلة الحقيقية ـ أن خصــــائص البيئة التربوية والتنظيمية في التنظيمات الإخوانية المختلفة دفعت في أوقات عديدة ـ في العراق والأردن ولبنان والجزائر واليمن والخليج ـ الحركة الإخوانية لاتخاذ مسارات مناقصة للمقاصد الشرعية في الحرية السياسية والتحرر والعدل الاجتماعي … ولم تلق تذمرا داخليا كبيرا.
الوضع في حالتنا مختلف لحد ما بسبب حالة التغير الكوني التي أسفرت عنها الثورة المصرية والتي لا تجعل قدرة التنظيم في دفع قطاعات أفراده إلى خياراته ليست عملية محسومة وسهلة أبدا.
بين النموذجين التركي والباكستاني:
والآن نعرض تحديدا طبيعة النظام السياسي الناشيء ـ كما يتوهمه صانعوه… ويدور حوله النقاش في دوائر غربية وقريبة من مؤسسات اتخاذ القرار في مصر. يكثر الحديث عن التردد بين النموذجين التركي والباكستاني.
النموذج التركي المقصود به اصطناع دور خاص للمؤسسة العسكرية بحيث تكون قيّمة على مباديء الدولة فضلا عن مساحة للنفوذ الذاتي في دوائر الأمن القومي والشئون العسكرية. وهذه تسمى (دولة بريتورية) نسبة للفصيل الروماني الشهير الذي كان لا يحكم الإمبراطورية القديمة ولكن يتحكم في (من وكيف) يحكم. والنموذج التركي بشقيه المقصود به الوصاية العسكرية من جهة (لتضمن المصالح الغربية ونفوذ المؤسسة العسكرية ومصالحها وتتفاهم معها)… وتأهيل الإسلاميين من جهة أخرى (لتقبل الترتيب الإقليمي في المنطقة وسياسات رأس المال). والنموذج التركي يقود ـ لامحالة ـ إلى تغلغل المؤسسة العسكرية إلى مابعد الملفات السيادية … كتدخله في الإعلام والتعليم والجهاز البيروقراطي والقضائي. وهو يستغل الرهاب الموجود بين القوى العلمانية ضد الإسلاميين لشرعنة وجوده.
وبالطبع ـ فالنموذج التركي لم يتم تعديله حديثا في تركيا إلا بعد نضال استغرق عقودا … وساعد على هذا التعديل البنى السياسية والاجتماعية الناضجة في تركيا، وكذلك ـ ملف الاتحاد الأوروبي وما يحوزه من دعم شعبي ساحق واشتراطات هذا الملف في جوانب الديمقراطية والعلاقات المدنية العسكرية، والأهم ـ أنه لم يكن ثمة خلاف بين المؤسسة العسكرية والمدنية حول طبيعة الترتيب الإقليمي والعلاقة مع أمريكا … بل استفادة أردوغان ـ وانحيازه ـ لهذا الشأن أكثر من العسكر.
أما النموذج الباكستاني ـ فهو ترك الحالة السياسية الداخلية دون تدخل كبير ولكن احتفاظ المؤسسة العسكرية بالملفات السيادية وشئون الأمن القومي والملف النووي.
وما يساعد على هذا النمــــوذج باكســـتانيا ـ ويعاكسه في مصر ـ الوضع اللامركزي للدولة والنسق القبلي والتنوع الاجتماعي والأنثروبولوجي الواسع. في مصر ـ كأي دولة مركزية حديثة - لابد من تدخل المؤسسة العسكرية في البيئة السياسية المدنية وأجهزة الإعلام والأمن الداخلي إذا أرادت أن تحافظ على مصالح (دولتها) الصغيرة … وإلا فبإمكان القوة المدنية ـ أيا تكن ـ حشد مساحات سياسية وإعلامية وأمنية واجتماعية ضد نفوذ المؤسسة. ثم إن عنصر (العازل) هو فاعل في الحالة المصرية استغلالا للرهاب من الإسلاميين ومايحوزونه من قدرة تنظيمية وشعبية كبيرة.
ولهذا ـ فالنموذج المرجح أمريكيا وغربيا ـ هو نموذج ما بين الإثنين… يتم فيه ضمانة الملفات السيادية لصالح العسكر ، وفي نفس الوقت يجب إشرافه بشكل خلفي على المساحة السياسية التي يستوعب فيها جزء الحالة الإسلامية ولكن (بقدر).
الحل الثوري إلى أين؟
ذكرنا من قبل… أن هذا لايتم إلا بثلاثة متطلبات: التوافق الوطني - والزخم الثوري - تسوية مع المجلس والوعي بذلك.
وأود أن أوضح أن الذي ينقصنا الآن هو العمل لإنضاج هذه المتطلبات، و (تصفية العوائق).
التوافق الوطني (مشكلة المسار الإخواني وهذا سيحل إما بانخراط الإخوان بوضوح في نظام الوصاية - أو بتعرضهم لتحجيم العسكري مما يدفعه للانحياز للخيار الثوري التوافقي)… أما المكونات الليبرالية التي تورطت مع العسكر فقد تم حرقها ثوريا وستحرق سياسيا.
الزخم الثوري (وصل لأفضل ممانتوقعه ولكن يحتاج لعمل على الحاضنة الشعبية وسيكون فشل النظام المتشكل وعدم استيعابه للاحتقان الشعبي مهيئا لما نصبو) - وهذا واجب المجاميع الثورية أن تحتك بالجمهول أكثر وتكون لجان للمتابعة الثورية لتمديد الحالة الثورية سياسيا ومجتمعيا.
وهناك مسألة أخرى وهي الوعي بمنطق تسوية الأمر مع العسكر وأي ملفات لابد أن تحسم وأيها لابد أن يخضع لتدرج ولكن تحت القيادة السياسية والرقابة البرلمانية، وهذا وضح (بشكل عام) للنخب السياسية ولكن ينقصه المزيد من الإيضاح.
وماذا بالنسبة للانتخابات؟ لست معنيّا بها اللحظة.
هذه الثورة منتصرة عاجلا أم آجلا بإذن الله … في هذه الجولة ـ أو في جولة قريبة مقبلة.

’ باحث في الدراسات الاستراتيجية ـ جامعة ريدينج

ومصر حين تثور تقود على الحقيقة مشروع أمة.

ولهذا كان الخيار المعتاد في التعامل مع الثورة كما أي ثورة (غير مرغوبة) هو احتواؤها عبر إزالة الرأس وبعض مراكز القوة النظامية ومحاولة إنشاء نظام سياسي (جديد) … وهذا مايقصده نعوم تشوميسكي أن هذا من بديهيات السياسية المعتادة لأي قاري لسياسة القوة العظمي لتفكيك الثورات … وتحويل مغرمها إلى مغنم.

ولكن كونها سرية و فئوية (لا تمثل التوافق الوطني) فإنها مشكلة سياسية وأخلاقية.
إن بعض الظن إثم.

أن هناك ثلاثة متطلبات لابد من حصولها: توافق سياسي (فلا يستغل العسكر حالة التحارب السياسي للتنقل من طرف لطرف) وزخم ثوري داعم في الخلفية (كقوة ضاغطة)، ومنطق حكيم في التعامل مع المجلس يضمن إعفاءه من خروقاته أيام النظام السابق في مقابل تسليم السلطة كاملة.

أولا ـ في حالة أغلبية إخوانية يكون أمام المجلس خياران - وفي الأغلب سيجمع بينهما: احتواء الإخوان في ظل نظام سياسي يتحكم العسكر في ملفاته السياسية ويتركون ملفات (ما يسمى بمحور الإعمار والتنمية للإخوان)
هذا الأمر تم اتباعه في تركيا ومرت تركيا ديمقراطياً بثلاث مراحل حسب قرائتي لها وربما تكون خاطئة ولكنها لحد كبير مقبولة

المرحلة الأولى، وهي المرحلة الأولى من فوز أردوغان وحزبه الإسلامي والتي أعتقد أن الكثيرين لم يسمعوا عنها كثيراً، وفيها اعتمد أردوغان وحزبه الإصلاح الداخلي وإعادة بناء وهيكلة تركيا. وأنا مُصِرٌ أنه قد لا يكون أحد في مصر سمع عن أردوغان أو عن حزبه هذه الفترة والتي بدأت أعتقد من حوالي 9 سنوات.

المرحلة الثانية، وهي المرحلة الثانية من تجديد الثقة الشعبية والوطنية لأردوغان وحزبه وهذه الفترة هي التي ذاع صيته فيها وانتشر بين الأوساط الدولية وفيها بدأ يكون له صوت دولي كممثلاً لتركيا وسعى خلالها لضم تركيا للاتحاد الأوربي بل واتخذ منتصف هذه المرحلة قراراً عسكرياً واستطاع فرضه على القيادة العسكرية في البلاد لأول مرة على حد علمي أن تفرض الزعامة الوطنية قراراً على الزعامة العسكرية في تركيا والتي اعتاد الشعب فيها أن العسكر هم من يسيرون أمر الحكومة بل ويعزلونها بحكم أنه هو الدستور الوحيد الذي ينص نصاُ صريحاً على أن الجيش رايعاً للشرعية، طبعاً كان هذا القرار هو قرار تعليق المناورات العسكرية والتعاون العسكري مع إسرائيل. وهذه المرحلة بدأت منذ خمس سنوات وبعد أربعة سنوات فقط من بداية توليه مسؤولية إدارة البلاد.

المرحلة الثالثة: وهذه هي المرحلة الوليدة والتي لم تتم عامها الأول حتى الآن ولكن هذه المرحلة بدأت فتية اعتماداً على الترسيخ الوطني الذي تم بناؤه في المرحلتين السابقتين واستهلها أردوغان وحزبه بعزل كل القادة العسكريين وتعيين قادة آخرين ليس لهم في القرار العسكري فضلاً عن السياسي لا ناقة ولا جمل، وأستمر أردوغان في فرض قرارته العسكرية كما أنها لو كانت قرارات دبلوماسية كما هو الحال مع فرنسا الآن وقطع العلاقات العسكرية معها. بل هناك تحركات وعزم على تعديل الدستور كلية لكي تنزع الصلاحيات الدستورية من الجيش ويبقى لدى تركيا دستوراً شعبياً مبني على أساس العدل والمشورة.

فأنا وإن كنت معترضاً على كثير من سياسات الأخوان المسلمين بل ومعارض لبعض توجهاتهم، إلا أن فكرة الإصلاح المدني والتعمير هي التحدي الأول (من وجهة نظري) في المرحلة المقبلة وبعد ذلك من كسب الثقة الشعبية والتهرب من شبح الاحتياج لدول الغرب يمكننا أن نشكل دولة مستقلة خارجياً وداخلياً من أي قوة تفرض رأيها سواءً كانت حزبية أو طائفية أو عسكرية، وساعتها سوف يجبر الجميع على تقبلها كدولة تحترم كما حدث الأمر مع تركيا ومع إيران ومع الصين.

بالمناسبة ـ نطرح سؤالا مهما… لماذا إذن رفض الإخوان صراحة المادتين 9 و 10 من وثيقة السلمي؟
أعتقد أن السلفيون والأخوان رفضوا الوثيقة شكلاً وموضوعاً وهذا الأمر صرح به صراحة على الأقل حزب النور وأعتقد أن الحرية والعدالة كانوا كذلك ولم يعترضوا فقط على 9 و 10 ولكنهم فقط استخدموا هاتين المادتين للرد على من صدع الأدمغة بالدولة المدنية ثم جاء ليقبل الدولة العسكرية وركل المدنية بقدميه، أما الوثيقة كلها فكانت مرفوضة.

هذه الثورة منتصرة عاجلا أم آجلا بإذن الله … في هذه الجولة ـ أو في جولة قريبة مقبلة.

خاتمة رائعة لا يمكننا التعليق عليها إلا بـ “آمين”

سمعت أمس عبارة منسوبة لوائل غنيم قال فيها: “أخشى أن يقال يوماً أنه كان في يوم 25 يناير ثورة ولكنها فشلت.” وأنا أقول لا تخشى يا وائل

هذه الثورة منتصرة عاجلا أم آجلا بإذن الله … في هذه الجولة ـ أو في جولة قريبة مقبلة.

فعلا الامر قد يتطلب بعض الوقت خصوصا للتعامل مع الجيش الذى يتحكم بكل شيىء الان ولا يخضع لاى قرار سياسى ولكن فى نفس الوقت هناك الكثير من الناس يثق ثقة عمياء فى الجيش ولذلك لابد الاول من انتزاع ثقة الناس ووضع ثقتهم فى الاغلبية وعندها يمكن السيطرة على الجيش بكل سهولة الا اذا اتجه الجيش الى النظام الباكستانى وقام بعمل انقلاب ولكن اعتقد فى حالة النظام الباكستانى اعتقد الخطا كان من الادارة السياسة التى تعاملت مع الجيش بصرامه زائدة وصلت لدرجة عزل لرئيس الاركان
ولكن النظام التركى عالج هذه المسئلة بصورة رائعة جدا ومثالا يحتذى وهو ما اتمنى ان تصير الاومور فى مصر مثله لنصل الى ابعاد كامل للجيش عن الحياة السياسية

ولكن المشكلة والذى ذكرت فى المقال والتى يكسب منها الجيش قوته هو الفرقة والتشرذم بين التيارات السياسية فى الفترة الاخيرة والامر يحتاج الى حكمة كبيرة من الاخوان كاغلبية برلمانية وقدرة تنظيمية لاحتواء مختلف التيارات السياسية سواء الليبرالية او المحافظة لعمل الزخم الثورى فى وجه العسكر مثلما ذكر الكاتب فى هذه النقطة

التوافق الوطني (مشكلة المسار الإخواني وهذا سيحل إما بانخراط الإخوان بوضوح في نظام الوصاية - أو بتعرضهم لتحجيم العسكري مما يدفعه للانحياز للخيار الثوري التوافقي)…

والاختيار الاخوانى الذى سنعرفه ستتضح معالمه بعد تكوين مجلس الشعب واعداد الدستور

ردك يا أحمد في منتهى الجمال. أنا أجزم إليك أنه باستثناء ميدان العباسية فلا أحد يثق الآن في أن المجلس العسكري راع للثورة وأنه مخلص في تسليم السلطة كاملة على الأقل منذ وثيقة السلمي وما تعبها من أحداث محمد محمود. وآخر من أقروا بذلك في منطوق كلامهم علانية هم الإسلاميون وصرحوا به بعدما كانوا بيطنونه في أنفسهم ويخالفوه في تصريحاتهم، ولكن لما بدا أن الأمر لا يقبل سوى الرفض أو القبول من خلال الاعتراف بشرعية وثيقة السلمي.

ولكن مع كل هذا فلابد أن نتلاشى الاصطدام الواضح والصريح مع القوات المسلحة وأن نجنب الشعارات الهدامة “الجيش والشرطة إيد وسخة” و"يسقط يسقط حكم العسكر" والصور مثل هذه

وما هو من هذا القبيل في مثل هذا الوقت والذي يملك فيه المجلس العسكري كل الصلاحيات. ولا سيما أن في ذلك إضعاف لصوت البرلمان القادم مما قد يسلبه شرعيته وها نحن بدانا نرى بوادر هذا الأمر في وجود مجلس استشاري ودعاوى تقليص دور المجلس إلى جانب دعاوى بطلان المجلس ككل، على الرغم أن الحل الوحيد للتخاص من العسكري هو الوقوف صفاً واحداً مع قرارات المجلس والذي لا يملك أي قوة سوى الكلام والإطاحة به من أيسر ما يكون على خلاف العسكري. يعني ما أريد قوله هو أنه لابد علينا أن نرعى هذا الوليد الصغير لأنه هو “موسى فرعونَ” رباه الله طفلاً صغيراً ليقتل فرعون وينجي بني إسرائيل، فلابد علينا أن نرعى موسى الوليد لكي يقتل فرعون الشديد. أما لو أصبحنا ننتقد أن موسى من عائلة فلان وكان يجب أن يكون من عائلة فلان وأنه لو قتل موسى فرعونَ فإن ذلك سيقوي هذا السبط من بني إسرائيل على غيره من الأسباط 12 فلن يقتل موسى فرعونَ ولن ينجو بتوا إسرائيل، وكل لبيب بالإشارة يفهم.

كلامك يا ابو انس عقلانى جدا , الفكرة تكمن فى انتزاع الثقة المطلقة اللى كان الشعب بيكنها للمجلس العسكرى يعنى لا جدال على الاقل بالنسبة لى وللكثير من الناس ان اتمام الانتخابات هى السبيل الوحيد للنخلص من المجلس العسكرى وفق ارادة الشعب وان الجيش لا حل امامه سوى تسليم السلطة لمجلس الشعب المنتخب من الشعب رغما عن انف الجميع .
الفترة اللى فاتت المفروض يكون الجيش وصلته رساله ان رصيده عند الشعب خلص ومبقاش فى حد عاوزة تانى فى السلطة وان كنا ساكتين فده عشان الانتخابات تتم وبعدها …اما …او …ولا حل اخر

طبعاً باستثناء الجماعة بتوع “مستشفى العباسية” آسف “ميدان العباسية”، وأسأل الله أن يقدر لنا الخير ولا يحدث الشر إللي بعد “أو …” لا قدر الله حتى لا نرى سورية وليبيا أخرى في مصر. أسأل الله جل وعلا أن ينصر أخواننا في سورية وأن يخلصهم من عدو الله وعدوهم. فوالله لا يعدل عندي بعد الكنانة والحجاز مثل الشام وبغداد شئ.

الانتخابات فعلا هى تعنى تسليم السلطة ولكن نظريا اما عمليا فسيكون لها حسابات اخرى بناء على شكل الدستور الجديد وهناك ايضا فئة غير قليلة من الشعب المصري يثقون فى الجيش ليسوا بتوع العباسية فقط ولكن هناك الكثير من البسطاء الذين يريدون الاستقرار باى طريقة