القيادة الحكيمة لا تلعب بالكبريت

نعيش حالة مزاح سياسى مخيف، يقوم على ممارسة اللعب بالكبريت كنوع من التهديد والتهويش وإثارة الفزع واستدعاء الخطر لحبس الناس داخل جدران الخوف والرعب، بالطريقة ذاتها التى استخدمت فى محطات مهمة إبان بواكير الثورة.

وتبدو الأمور متشابهة إلى حد التطابق بين ما نمر به الآن وما كان قائما بعيد جمعة الغضب ٢٨ يناير، بل إنه يتم استخدام الوجوه والأصوات ذاتها التى طفحت على سطح المشهد فى ذلك الوقت تردد ما يملى عليها من تصريحات مفزعة، تحذر من أخطار تقسيم مصر وغزوها واحتلالها وتفجيرها من الداخل، تماما كما جرى فى المحاولة الفاشلة الأخيرة للحيلولة دون إزاحة المخلوع.

إن هذا الشعب كما أثبت تحضره ورقيه الإنسانى وحرصه على أمن واستقرار وطنه أكثر بكثير ممن يمتلكون مفاتيح الحكم والإدارة فى بدايات الثورة، سيثبت هذه الجولة أيضا تفرده الحضارى ورجولته فى حماية مقدرات مصر داخليا وخارجيا، وسيواصل ثورته البيضاء بالقدر ذاته من إدراك المخاطر وتحدى محاولات إشعال الحرائق بإصرار نيرونى غريب من قبل أولئك الذين يتعاملون مع البلاد وكأنها محجر أو منجم يريدون امتلاكه.

وخلال الساعات الماضية بلغ منسوب الترويع عبر الشائعات حدا مضحكا، صار مثيرا للسخرية والتندر أكثر من إثارته للخوف والهلع، حيث تحدثوا عن مخططات مزعومة تنفذها عناصر خارجية مزعومة ضد أهداف داخلية مزعومة بقصد هدم مصر وحرقها، وانهمرت رسائل الذعر على المواطنين عبر الرسائل القصيرة ووسائل إعلام قررت الانتحار مهنيا، والنكوص إلى عصر إعلام صفوت الشريف وأنس الفقى… وبالتوازى مع ذلك نشطت كائنات حزبية كاريكاتورية فى ترديد الأكاذيب على أوسع نطاق، وتسلق نسانيس وأراجوزات الصحف والفضائيات أسوار مملكة الدجل ليقذفوا القراء والمشاهدين بعبوات سابقة التجهيز من الأخبار المغلوطة.

ولكى نكون منصفين من المهم أن نسرد الأحداث كما وقعت دون تزييف، فالذى استصدر قرارا بضبطية قضائية عسكرية، وحل البرلمان بقرار فى منتصف الليل، ثم اتبعه بإعلان دستورى ليلى يحول رئيس الجمهورية إلى موظف تشريفات معروف، كما أن الذى أغرق أرضية الملعب السياسى بقرارات مثيرة للدهشة والعجب معروف، والذى يماطل ويضغط ويساوم ويناور ويراوغ فى إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية معروف أيضا، وعلى الذين كانوا يباهون بأن فرز الأصوات وإعلان النتائج لحظة بلحظة تم فى المرحلة الأولى على أعين الجميع وفوق أسرتهم وبمنتهى الدقة والشفافية أن يفسروا لنا سحب اعترافهم بهذه العلنية والشفافية فى جولة الإعادة وعدم اعتدادهم بالنتائج والأرقام المتطابقة التى أعلنتها فضائيات البث المباشر والصحف الالكترونية وأكدتها محاضر «قضاة من أجل مصر».

وعليه فإن هذه الألعاب المريبة هى وحدها المسئولة عن إشاعة هذا المناخ المكتوم، كما أن من قرر أن يلهو بأعواد الثقاب المشتعلة مع الجماهير يتحمل مسئولية الحريق ـ لا قدر الله ـ إن أفلت من يديه عود كبريت وسقط على بيئة تحولت بفعل إدارته العبقرية الحكيمة إلى حقول من الحطب الجاف.

وائل قنديل-الشروق