حكايات المتخندقون.. والحناجرة !

بداخل كل منا أكثر من شخص. كل واحد منهم يري الأمور من زاوية مختلفة. وهذه ظاهرة إنسانية صحية. فالشك في كل الأمور أمر صحي وعلمي. والنقد يضمن لنا كبشر أن نستمر في التعلم. من أجل المزيد من النضج العقلي … وهو ما يعبر عنه الفيلسوف العظيم ¢كانط ¢ بقوله : ¢ النقد هو أفضل أداة بناء عرفها العقل البشري¢.
والإنسان - بطبيعته - قابل لأن يكون ضيق الصدر ورافضا. وفي أحياني اخري ¢معاديا ¢ لمن يختلفون معه في الدين والعرقِ والمعتقدات والعادات والمقدسات … وعبر التاريخ كانت هذه الاختلافات بمثابة الوقود. الذي أشعل الحروب والصراعات العديدة. التي تشغل حيزا كبيرا. من تاريخ الإنسانِ علي الأرض.
لكن البعض يعيش بداخله شخص واحد فقط. و للأسف متعصب أيضا… لذلك يرفض النقد ويعتنق رؤية: ¢من ليس معنا ¢ فهو ¢ ضدنا أو علينا ¢. وهي ثقافة كريهة. دخلت بلادنا خلال العصر المملوكي. الذي اتسم بالعنف والقسوة والدمِ. وما زالت آثار ذلك العهد قوية وحية في التفكير المصري. رغم انتهاء دولة المماليك في مصر. بمذبحة القلعة سنة 1811م… أي منذ 200 عام .
هؤلاء مازالوا ¢يتخندقون¢ داخل أفكارهم الخاصة. التي تتبع في الواقع مصالحهم الأنانية. لا مصلحة الوطن… رافضين التنازل عن المكاسب التي حققوها. في العهد السابق. حتي ولو كانت من دماء خلق الله الذين قهروهم ونهبوهم. رافعين شعار ¢ آسفين ياريس ¢. ولا أعرف علي أي جريمة ارتكبها الشعب يأسفون … يرسمون صورة مجيدة من صنعِ الخيال والوهمِ. لواقع كان في حقيقته بالغ المرارة. ويتحدثون عن تطوير ذلك الواقع المرير. ولكن بدون أي تغيير. فكيف إذن سيأتي ¢ التطوير بدون تغيير ¢ ؟!
والبعض الأخر أحادي التفكير أيضا. يعتنقون أفكارا ¢جوراسية¢ متحجرة… ويلعنون كل من يخالفهم في الرأي . رافضين مجيء الإصلاح والتطوير والتحديث من الخارج… خاصة إذا جاء من الغرب وثقافته الكافرة. مع أن اليابان عندما اجتاحتها رياحِ الثقافة الغربية. فإن التغيير الذي طرأ عليها جاء في القشور فقط. وكان يصب في خانة ¢ البنود الثانوية ¢. مثل تناول الوجبات السريعة وارتداء الملابس الأمريكية… لكن الثقافة الوافدة لم تستطع أن تقضي علي عشقهم للتفاني في العمل .
المشكلة أن الفريقين ¢ حناجرة ¢ أقوياء. يملكون أصواتا عالية. ويجيدون ثقافة ¢ الكلام الكبير أوي ¢. مع أن مقتلنا كعرب يكمن في لساننا. وكما يقول نزار قباني : ¢ فكم دفعنا غاليا ضريبةَ الكلام …¢
** حاول الفيلسوف الاسلامي ¢ ابن رشد ¢ منذ ثمانية قرون. إحياء العقل وإبراز قيمته الكبري. فضربه الجميع في مجتمعاتنا. وتبنته فرنسا ليكون منهجه أداتها الكبري. في التنوير والنهضة الكبري… فهل هناك أمل في ¢الخلاص¢ من ¢المتخندقين والحناجرة¢؟!!
منقول عن الكاتب صلاح حامد