الدستور وقضية التوافق

كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد أثار البعض اعتراضًا على طرح مشروع الدستور للاستفتاء في “15-12-2012” مدعيًا أن الجمعية التأسيسية قد قررت ألا تضع في الدستور إلا ما تم التوافق عليه وأن رئيس الجمهورية قد وعد بأنه لن يتم عرض الدستور على الشعب إلا إذا كان قد تم التوافق عليه، وأن ما حدث خلف للوعد.
وردًا على هذا الذي أثاره بعض من يُحسبون على التيار الليبرالي وبعض من يحسبون على التيار الإسلامي كالأخ العزيز “د.عبد المنعم أبو الفتوح”، أقول لهم ولغيرهم:
أولاً: أنتم قد رضيتم مسيرة الديمقراطية التي تُقرر أن معنى التوافق هو توافق الأغلبية وليس المقصود بذلك الإجماع؛ فلماذا ترفضون ذلك الآن؟!
ثانيًا: يستحيل تحقق الإجماع بين البشر بحيث لا يشذ عنهم واحد، فهل سنظل بلا دستور إلا ما لا نهاية؛ لأن ما تريدونه نحن لا نقبله؟ أم أن التوافق هو بالضرورة أن توافق الأغلبية على رأي القلة “وليس الأقلية” التي نجزم أنها لا تعبِّر عن عقيدة الأمة وإرادتها والصناديق بيننا، والمليونيات شاهدة قبل موعد الصناديق.
ثالثًا: قانون الجمعية التأسيسية الموضوع بالتوافق كان ينص على محاولة التوافق ثم نسبة 67% ثم نسبة 57%! ومع كونها نسبة عجيبة غير موجودة -على حد علمي- في أي تصويت ديمقراطي في العالم، ومع ذلك قبلنا للتوصل إلى حل أكثر من 50% من مواد الدستور بالإجماع أو قريبًا منه، والباقي فوق الثمانين بالمائة ومادة واحدة 74 صوتًا من 86 أي أغلبية الثلاثة أرباع، فأي توافق تريدون إذن أكثر من هذا؟!
رابعًا: تم التوقيع على أكثر المواد إثارة للجدل والنزاع مع الكنيسة والقوى الليبرالية المنسحبة وكان بفرح شديد، وأذكر يوم الاتفاق على مرجعية الأزهر في تفسير مبادئ الشريعة وحق اليهود والنصارى في التحاكم إلى مبادئ شرائعهم جاء ممثل الكنيسة بحلاوة المولد لجميع أعضاء اللجنة فرحًا بهذا، ولما طالب “عمرو موسى” بإلغاء مرجعية الأزهر في تفسير المبادئ -مع أنه صاحب الاقتراح أصلاً!- اتفقنا على أن يرسل الأزهر التعريف ويوضع في الدستور، وتم ذلك بالتعريف الحالي الذي وقَّع عليه الجميع عدا “عمرو موسى” الذي ترك الاجتماع قبل نهايته وبعضهم كتب: “الحمد لله” موقعًا تحتها، ثم بعد ذلك انسحبوا وقالوا: “مادة كارثية!” بعد نحو شهر من التوقيع فماذا نصنع إذن؟!
خامسًا: ما تم في يومين هو المناقشات النهائية والتصويت دون مناقشة ليس لمنعها؛ ولكن لأنها قد تمت، ولا يوجد أحد يطرح شيئًا جديدًا إنما يؤكد وجهة نظره التي استمعت إليها الجمعية مرات ومرات “بعضها 10 مرات”، فلابد من نهاية بالتصويت بعد إغلاق باب المناقشة 5 أشهر ونصف من الجهد المتواصل متوج بثلاثة أيام ساعات العمل فيها بلغت أقصاها في آخر جلسة “22 ساعة من 24 ساعة والتي قبلها 14 ساعة متواصلة، المجموع يساوي جهد الجمعية في 4 أشهر بواقع جلسة أسبوعية 3 ساعات للجلسة” وكل هذا تتويج لما مضى وليس إنشاءً لشيء جديد.
وبعد حوار مجتمعي طويل جدًّا “160 مؤتمرًا على مستوى الجمهورية - أكثر من مليون اقتراح بالبريد الإلكتروني - وعشرات آلاف من الاقتراحات البريدية واليدوية - مشاريع دساتير كاملة”، وبالمناسبة كانت أكبر نسبة للاقتراحات 99% من المقترحات الواردة للجنة المقومات الأساسية كانت في قضية النص على: “الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع”، والثاني: السيادة لله وحده فوق 80%، وكلاهما لم يوضع في الدستور رغبة في التوافق مع أننا لم نكن نحتسب ذلك ولم نكن نريده وأثبتنا موقفنا كتابة وشفاهة في طلب موافقة الإرادة الشعبية، ولكن التصويت بالأغلبية كان لصالح ما كتب في مشروع الدستور.
سادسًا: المخالفون عندما انسحبوا وضعوا مشروعًا للدستور في نحو الأسبوع، فهل هذا هو النضج و"الشوي"، وما فعلت الجمعية في 6 أشهر بهذا الجهد الهائل هو “السلق”؟! إلى الله المشتكى.
سابعًا: التعجل قبل الشهرين المهلة؛ لأن قرار الرئيس كإعلان الدستور مطعون عليه ويمكن أن يطعن في دستورية المشروع المقدم من الجمعية بعد 6 أشهر كما نص على ذلك في استفتاء “19-3-2011” كما أن المحكمة الدستورية بالمرصاد لمؤسسات الدولة المنتخبة “مجلس الشعب قضي عليه مع أن ثلثيه محصن دستوريًّا في الإعلان الدستوري 30-3-2012، ومجلس الشورى على طريقه سريعًا، فحكم مماثل يجعل الجمعية التأسيسية على نفس الطريق”.
وكان لابد من حل وإلا امتدت يد الهدم لكل كيان الدولة المصرية مع أن الأمر كان قد أعد جيدًا عبر 6 أشهر، ومن كان يقول هناك عوار ومواد تحتاج لمناقشة فلماذا لم يأتِ بها أثناء المناقشة؟ كان ديدنه الغياب المتواصل وبلا عذر مقدم وأتى في النهاية يقول: “إما أن تناقشوني وإما أنتم مستعجلون في سلق الدستور!”، فأي استخفاف بجهد الآخرين ووقتهم وبمستقبل البلاد أكثر من هذا؟! واللهم إليك المشتكى…
ولنا عودة مع اعتراضات أخرى وأجوبة أخرى؛ ليعلم الناس أن هذا المشروع للدستور هو أفضل دستور كتب لمصر في عصرها الحديث “بالمقارنة بما سبق” وأنه جدير بالموافقة عليه.