التوبة النصوحة

التوبة النصوحة
التوبة النصوحة هي الخلاص لما أنت فيه من إرتكابك للذنوب والمعاصي ولكن التوبة النصوحة لها أربعة أركان :-
الركن الأول : البعد عن الذنب فوراً والإقلاع عنه.
الركن الثاني : الندم علي إقتراف هذه الذنوب بشدة والإحساس بأنك كنت تعصي الله من جراء إقترافك لهذه الذنوب والحسرة علي ما فعلته لأن النفس التي تشعر بالندم والحسرة هي النفس اللوامة التي أقسم الله بها تعالي في كتابه فكن ممن يتصفون بهذه النفس.
الركن الثالث : العزم علي عدم الرجوع إليها مرة أخري.
الركن الرابع : إذا كان الذنب يتعلق بأحد من الناس فلابد أن تعمل مجتهداً علي رد الحقوق لأصحابها إن إستطعت.
والله عز وجل يقول في كتابه الكريم “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ” (سورة التحريم) هل رأيت جزاء التائبين إلي الله ولكن الذي تاب إلي الله توبة نصوحة لا رجوع فيها إلي مستنقع الذنوب الذي كان فيه من قبل وأيضاً يقول الله عز وجل في كتابه الكريم “وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ” (سورة الفرقان) هل رأيت أن الذي يتوب إلي الله ويقبل عليه ويلجأ إليه يبدل الله سيئاتهم حسنات هل رأيت فضل الله علينا وكرم الله جل في علاه علي عباده الذي يعصونه ثم يبادرون بالتوبة إليه واعلم أن الله يفرح بتوبة عبدة المؤمن أشد من الذي يفرح يإيجاد راحلته التي بها طعامه وشرابه وهذ ما أخبرنا به النبي صلي الله عليه وسلم ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة ، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها ، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها ، وقد أيس من راحلته ، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده ، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك ، أخطأ من شدة الفرح " فهل تري كيف أن رجل انفلتت منه راحلته وعليها طعامه وشرابه فكيف سوف يكون إحساسه بالفرح عندما يجد راحلته فالله عز وجل أشد فرحاً من هذا الذي وجد راحلته بعد أن ذهبت عنه فهل تري يا أخي أو يا أختي أن الله يفرح بتوبة عبده المؤمن وهو الغني عن العالمين فلو أنك عصيته ما نقص عصيانك وفجورك في ملك الله شيئا ولو أصبحت أتقي رجل علي وجه الأرض ما زاد تقاك في ملك الله شيئا ولكن الله عز وجل أرحم بعباده من رحمة الأم بولدها وقال أحد الصالحين " اللهم إنك تعلم أن أمي أرحم الناس بي وأنا أعلم أنك أرحم بي من أمي وأمي لا ترضي لي الهلاك أفترضاه لي وأنت أرحم الراحمين " فهل تري يا أخي أن الله أرحم بعباده من رحمة الأم بولدها وأنا أذكر كل هذا حتي تقبل علي الله وتتوب إليه وحتي لا تقنط ولا تيأس من رحمة الله فروي الترمذي في صحيحه بإسناد حسن من حديث أنس بن مالك أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " يا ابن أدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك علي ما كان منك ولا أبالي يا ابن أدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم إستغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن أدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفره " فهل رأيت رحمة الله أنها وسعت كل شيئ وأنا قمت بكتابة كلمات تخص هذا الشأن فتأمل معي هذه الكلمات :
نسيت الموت والموت لن ينساني
أدعو الله بالعفو والغفراني
سفري بعيد وزادي لن يكفيني
وذنوبي مثل الجبال الرواسي
أدعو الله ولا أسئم من دعائي
وأرجوه بالتجاوز عن سيئاتي
فرحمة ربي وسعت كل شيئ
وذنوبي هذه كلها شيئ
فهل رأيت أن ذنوبك إذا بلغت عنان السماء فهي شيئ ورحمة الله وسعت كل شيئ فلا تحزن علي ما فاتك وإرجع وتب إلي الله ففي صحيح مسلم من حديث أبي موسي الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " إن الله تعالي يبسط يديه بالليل ليتوب مسيئ النهار ويبسط يديه بالنهار ليتوب مسيئ الليل حتي تطلع الشمس من مغربها " فهل رأيت رحمة الله وكل هذا لتحفيز العبد علي التوبة إلي الله في كل وقت بمعني أنك إذا قررت التوبة إلي الله ولكن فعلت ذنب مما كنت تفعله سلفاً ليس هذا معناه أن توبتك فسدت ولكن تب إلي الله مرة أخري ومرة ثانية ولا تيأس ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " أذنب عبداً ذنب فقال رب اغفر لي ذنبي فقال الله جلا وعلا أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رب يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد العبد فأذنب ثم قال يارب اغفر لي ذنبي فقال الله جل وعلا أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رب يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد العبد فأذنب ثم قال يارب اغفر لي ذنبي فقال الله جل وعلا أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رب يغفر الذنب ويأخذ بالذنب فليفعل عبدي ما شاء فقد غفرت له " وهذا الحديث لا يفتح لنا باب التجرأ علي الله وفعل الذنوب ولكن يفتح لنا باب الخوف من الله والرجاء في عفوه وطلب مغفرته فالله يبسط يديه لمن يريد اللجوء إليه والتخلص من سلاسل الشهوات والمغريات فلا تيأس من رحمة الله ولا تقنط فباب التوبة مفتوح ما لم تطلع الشمس من مغربها وفي ذات يوم " دخل سيدنا عمر بن الخطاب علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو ويبكي فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم ما يبكيك يا عمر فقال يا رسول الله بالباب شاب قد أحرق فؤداي وهو يبكي فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم ياعمر أدخله علي قال فدخل وهو يبكي فقال له رسول الله ما يبكيك يا شاب قال يا رسول الله أبكتني دنوب كثيرة وخفت من جبار غضبان علي فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم أشركت بالله شيئاً يا شاب قال لا قال أقتلت نفساً بغير حق قال لا قال فإن الله يغفر ذنبك ولو كان مثل السماوات السبع والأراضين السبع والجبال الرواسي " فهل رأيت مهما بلغت عظمة الذنوب وحجمها يغفرها الله لك ويتوب عليك منها ولكن إذا أردت أنت التوبة إلي الله وإعلم أن طريق الحق به أعداء ينتظرون لمن يمضي به حتي يوقعون به وطريق التوبة به أعداء يتربصون بك وهم ثلاثة شياطين الإنس وشياطين الجن ونفسك التي بين جنبيك فلابد أن تعد لهم العدة فشياطين الجن يخنسوا ويولون الدبر إذا ذكرت الله وقلت" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" أو إذا قلت أيضاً " رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون " وشياطين الإنس لابد أن تتخلص منهم وتتخلص من صحبة السوء حتي لا يشكلون سداً منيعاً أما التوبة فكلما كانت لديك نية التوبة وجدتهم يحطمون هذه النية ويزينوا لك المعاصي والذنوب والنفس هي الأمارة بالسوء لابد أن تلجمها بلجام الإيمان حتي لا تنفلت منك وتجرك إلي طريق الغواية لأن المرء عندما يتوب إلي الله ثم ينتكس يكون أفظع مما كان عليه في السابق فحاول أن تجر نفسك إلي الإيمان وأن لا ترضيها قط في إشباع شهواتها ورغباتها لأن هذا سوف يعرضك لعذاب الله الأليم فلابد أن تأخذ كل الحذر والحيطة بعد التوبة من هؤلاء الأعداء الثلاثة وبعد التوبة إن شاء الله يبقي لك أن تبذل جهدك في المحافظة علي هذه التوبة فالوصول إلي القمة سهل ولكن الحفاظ عليها صعب فلابد من التمسك بالتوبة بكل قوة ولا يغرنّك كثرة الفساق أو الفجار فأحد السلف قال " إلزم طريق الهداية ولا يغرنك قلة السالكين وأبعد عن طريق الغواية ولا يغرنك كثرة الهالكين " فلا تغتر بأن طريق الفساد يضج بالناس فاعلم أن طريق الحق شائك وبه بعض الشوك فلابد لك أن تتحمل هذا لأن الجنة سلعة الله الغالية فلابد العزم علي عدم العودة إلي طريق الذنوب مرة أخري والبدء في الأخذ بأسباب علو الهمة ونذهب الآن إلي المرحلة الأخيرة وهي العمل علي زيادة الإيمان.

منقول