المعاهدات وأنواعها وشروطها

المعاهدة بحسب القانون الدولي هي اتفاقٌ أطرافه دولتان أو أكثر، أو غيرها من أشخاص القانون الدولي، وموضوعه تنظيم علاقة من العلاقات التي يحكمها هذا القانون، ويتضمَّن حقوقًا والتزاماتٍ تقع على عاتق أطرافه، ويكون هدفها تنظيم موضوعات تتَّصل بمصالح المجتمع الدولي.

كما يُطلق لفظ معاهدة على الاتفاقات الدولية ذات الصبغة السياسية؛ كمعاهدات الصداقة والتحالف، ويُطلق لفظ اتفاقية على الاتفاقيات المتعدِّدَة الأطراف التي تُنَظِّم التعاون بين الدول [1]، وهي عادةً وثيقة مكتوبة، وقد تكون شفاهة بموافقة ممثِّلي الدول [2].

المعاهدات الناجحة

ما أكثر المعاهدات في التاريخ! ولكن ما أقلَّ المعاهدات الناجحة! ذلك أن كثيرًا من المعاهدات إنما كانت صورةً من صور الهيمنة لا التواصل، ونتيجة يفرضها منتصر على مهزوم؛ فهي إملاءُ شروطٍ لا حوار بالمعنى المفهوم للكلمة، وبالتالي كانت المعاهدة تعبيرًا عن قهرٍ يُمارسه القوي على الضعيف؛ ولهذا لم تنجح معاهدة -بهذا الشكل- قطُّ، ذلك أن الضعيفَ ما يلبث أن يقوى، كما أن القويَّ ما يلبث أن يضعف، وحين ينهار ميزان القوَّة بين الطرفين تُصبح المعاهدة القديمة غير معبِّرة عن الواقع، فتُخترق وتُنتهك لحساب معاهدة جديدة.

شروط المعاهدات الناجحة

ليس هذا ما نعنيه في حديثنا عن المعاهدات، وإنما نعني المعاهدات التي تصلح لأن تكون رابطة وثيقة بين أُمَّتين أو شعبين أو دولتين، وهذه المعاهدات -برأينا- يجب أن تتوفَّر فيها ثلاثة شروط كبرى: العدل، الوضوح، الإرادة والقدرة على التنفيذ.

1- العدل

من البدهي لأيِّ معاهدة تتمُّ بين أطراف غير متكافئة، وتصنع واقعًا يُغَلِّب مصلحة أحد الأطراف على الأطراف الأخرى أن تكون مضطربة قلقة متوتِّرة، مُعَرَّضة إلى الانتهاء عند لحظة تغيُّر ميزان القوَّة.

وأبرز ما يُثبت ضرورة أن تكون المعاهدة عادلة، أنه قد أُلغيت بالفعل المعاهدات التي عُرفت بأنها «غير متكافئة» (Unequivalent Treaties)، وقد أُطلق هذا الاسم على نظام المعاهدات الذي بدأ بهزيمة الصين من بريطانيا، فيما عُرف بحرب الأفيون (1839-1842م)؛ فقد عقدت الصين بعد هذه الحرب معاهدة غير متكافئة مع بريطانيا أعقبتها معاهدتان مماثلتان مع الولايات المتحدة وفرنسا، وأهمُّ بنود هذه المعاهدات هي إعطاء امتيازات لرعايا بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا مع حقِّ قنصليات هذه الدول في الصين بمحاكمة رعاياها دون الرجوع إلى السلطات الصينية، وإعفاء صادراتها إلى الصين من التعريفة الجمركية، ثم أُضيفت امتيازات أخرى كثيرة؛ كحقِّ الملاحة الحرَّة في الأنهار الصينية، وحقِّ بناء السكك الحديدية، وإنشاء المؤسَّسات والمصارف المالية، ولقد وصف الصينيون هذه المعاهدات بأنها معاهدات غير متكافئة بسبب الإجحاف والغُبن، اللذين حلاَّ بالصينيين جرَّاء هذه النصوص، ثم ارتبط كثير من الأقطار الشرقية بمعاهدات أخرى غير متكافئة مع دول الاستعمار [3].

ومن المعاهدات غير العادلة -أيضًا- معاهدة السلام الموقَّعة بين مصر والكيان الصهيوني في 1979م برعاية أميركية، وبرغم أن هذه المعاهدة قد مرَّ عليها أكثر من ثلاثين عام، فإنها ما زالت على صفيح ساخن، يُصِرُّ عليها السياسيون ولا تقبلها الشعوب.

ومن أبرز أسباب الرفض الشعبي -الذي يُبقي المعاهدة على قلق- ما ورد فيها من بنود؛ منها:

  • إلزام مصر باستخدام المطارات التي تركها الصهاينة بعد انسحابهم من سيناء في الأغراض المدنية فقط.

  • ألاَّ تتمركز أكثر من فرقة واحدة ميكانيكية أو مشاة من القوَّات المصرية داخل منطقة تبعد قرابة 58 كم شرقي خليج السويس وقناة السويس (أي 142 كم من الحدود بين مصر والكيان الصهيوني) في حين تتواجد أربع كتائب مشاة صهيونية على بعد أربعة كيلو مترات فقط من الحدود.

  • وتتمركز قوَّات الأمم المتحدة في الجانب المصري فقط وبعمق 20 إلى 40 كم، في حين يتمركز في الجانب الصهيوني مراقبون من الأمم المتحدة بعمق 3 كم [4].

هذا بالإضافة إلى ما حدث في خلال هذه الثلاثين سنة من انتهاكات خطيرة للاتفاقية من الجانب الصهيوني.

كما تُعَدُّ اتفاقية أوسلو نموذجًا للاتفاقية التي تجاهلت المطالب الرئيسة والجوهرية وركَّزت على تسوية التفاصيل، بل تفاصيل التفاصيل، وامتلأت نصوصها بـ«الدهاليز» -إن صحَّ التعبير- فهي تذكر بندًا ثم تُحيله إلى بنود أخرى، والبنود الأخرى بدورها تعود إلى أخرى؛ هذا ما يجعلها أشبه بالمتاهة [5]. ولهذا لم يُفلح الطرفان في تطبيق بنودها أبدًا، وقد تمَّ استبدالها بكثير من الوثائق والاتفاقيات والتفاهمات في مراحل التفاوض المختلفة.

2- الوضوح

ثمة مثال مأساوي يمكننا التوقُّف عنده في أمر الوضوح؛ ذلك هو قرار مجلس الأمن رقم (242) الذي صدر في 22/11/1967م، بعد قيام دولة الكيان الصهيوني بحرب الخامس من يونيو، والتي استولت فيها على كلِّ فلسطين، وأجزاء من سوريا، وشبه جزيرة سيناء من مصر.

نَصَّ قرارُ مجلس الأمن على:

withdrawal of Israel armed forces from territories occupied in the recent conflic
ومعناها بشكل دقيق «انسحاب قوَّات الجيش الصهيوني من أراضٍ محتلَّة في النزاع الأخير».
والمعنى في غاية الغموض؛ فهو يتحدَّث عن أراضٍ محتلَّة، وليس عن «الأراضي المحتلة»؛ وهذا ما يجعل انسحاب الكيان الصهيوني من أي منطقة احتلَّها تنفيذًا للقرار، هذا اللغم اللغوي –لا سيما أنه تُرجم في النسخة العربية بإضافة أداة التعريف- يُستند إليه في الصراع الدبلوماسي المستمرِّ حتى الآن.

هذا مع أن ديباجة القرار تُؤَكِّد على:

The Security Council, expressing its continuing concern with the grave situation in the Middle East, emphasizing the inadmissibility of the acquisition of territory by war and the need to work for a just and lasting peace in which every State in the area can live in security

وترجمتها: «إن مجلس الأمن إذ يُعرب عن قلقه المستمرِّ بشأن الوضع الخطير في الشرق الأوسط، وإذ يُؤَكِّد على عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالحرب، وضرورة العمل من أجل سلام عادل ودائم، تستطيع فيه كل دولة في المنطقة أن تعيش بأمان».
وإن التناقض ليبدو واضحًا بين بند القرار الذي يسمح بالانسحاب من أراضٍ محتلَّة، وبين الديباجة التي ترفض عدم شرعية الاستيلاء على الأراضي بالحرب.

ومثل هذا الغموض يبدو -أيضًا- في بعض التوصيفات الواردة في اتفاقيات جنيف [7]، وقد طالب رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر بضرورة مراجعة نصوص الاتفاقية للتمييز بوضوح بين المقاتلين وغير المقاتلين، بما أنَّ المواجهات باتت تتعلَّق أكثر فأكثر بـ«فاعلين مسلَّحين غير تابعين للدولة» وَفْقًا للنعت الذي تعتمده اللغة الدبلوماسية لوصف هذا النوع من المجموعات المُسلَّحة النـَّشطة [8].

ومثله -أيضًا- يبدو في قرار مجلس الأمن رقم 1838 الصادر في 7/10/2008م، بخصوص القرصنة قبالة السواحل الصومالية، وتحديدًا في البند رقم 4 الذي ينصُّ على:
«Urges States that have the capacity to do so to cooperate with the TFG in the fight against piracy and armed robbery at sea in conformity with the provisions of resolution 1816 (2008)» [9].

وترجمتها: «ويحثُّ (مجلس الأمن) الدول التي لديها القدرة على القيام بذلك (استخدام القوَّة الحربيَّة) للتعاون مع الحكومة الاتحادية الانتقالية في مكافحة القرصنة والسطو المسلح في البحر وَفقًا لأحكام القرار 1816 (2008م)».

فهذا النصُّ بصياغته العامَّة الفضفاضة يُتيح لأيِّ دولة مهما كان ابتعادها عن القرن الإفريقي أن تدخل بقوَّاتها إليه تحت عنوان مكافحة القرصنة.

إذا وُجد الغموض في نصِّ معاهدة أو اتفاقية، لا سيما إن كانت دولية ويترتَّب عليها تبعات مؤثِّرة، فإنه يكون أوَّل المنافذ التي تُفشل هذه المعاهدة، وحينئذٍ تتحوَّل المعاهدة من كونها وسيلة لتثبيت وترسيخ علاقة تفاهمية تعاونية إلى قنبلة موقوتة، تنتظر لبعض الوقت قبل أن يحدث الانفجار [10].

3- وجود الإرادة والقدرة على تنفيذها

إن التاريخ المعاصر -ولا سيما التاريخ العربي- يشهد كثيرًا من المعاهدات التي أُبرمت ثم لم تُنَفَّذ، وهذا ما يجعلها مجرَّد حبر على ورق، ولعلَّ أشهرها معاهدات الدفاع العربي المشترك؛ التي لم تدخل إلى حيِّز التنفيذ على رغم ما تعرَّضت له الدول العربية من تَعَدِّيَات واحتلالات كثيرة ومُؤَثِّرة، حتى إن بعضًا من أهمِّ المدن والعواصم العربية على طول التاريخ قد صارت في يد الاحتلال؛ مثل: القدس وبغداد، ومنذ 17 يوليو 1950م -تاريخ توقيع معاهدة الدفاع والتعاون الاقتصادي المشترك بين دول الجامعة العربية- بدأت اتفاقيات التعاون العربي؛ لكنَّها -حتى لحظة كتابة هذه السطور- لا تجد مَنْ يُنَفِّذها.

أنواع المعاهدات

لعلَّ من الدلائل الواضحة على أهمية المعاهدات ما أسفرت عنه المسيرة الإنسانية من معاهدات واتفاقيات في كل المجالات، و«يمكن تقسيم المعاهدات إلى عدَّة أنواع، وفقًا لأغراضها» [11]؛ فمنها:

المعاهدات السياسية التي تتعلَّق بالأحلاف بين الدول وتسوية النزاعات، المعاهدات التجارية التي تشمل الاتفاقات المتعلِّقة بالرسوم والملاحة ومناطق صيد الأسماك والخدمات القنصلية، معاهدات الاتحاد التي تنشأ بموجب اتحاد المنظمات الدولية؛ كاتحاد البريد العالمي، معاهدات تبادل المجرمين التي تُعالج مسألة المجرمين الهاربين، معاهدات العدالة المدنية. تحمي هذه المعاهدات علامات البلد التجارية وحقوق الطبع وبراءات الاختراع في الدول الأجنبية، وتُنَظِّم بعضها حقوق الأجانب، المعاهداتالتي تتعلَّق بالحقوق الدينية للمجموعات التي تعيش في أقطار أجنبية؛ فبعض الدول تُوَقِّع معاهدات تُجِيز للأجانب ممارسة شعائرهم الدينية بحُرِّيَّة كما يُمَارسونها في أوطانهم [12].

وإلى جوار ذلك ثمة معاهدات للتعاون الزراعي والصناعي والقضائي والسياحي والفني، ومعاهدات للتعاون الإقليمي وغير الإقليمي… وهكذا.

وما زالت الإنسانية تكتشف وتبتكر أنواعًا أخرى من المعاهدات والاتفاقيات، التي تُنَظِّم وتُرَسِّخ العلاقات بين الشعوب على أساس من المصلحة المشتركة وسبيلها التعارف والتواصل والتعاون، وهي مدعوَّة إلى ابتكار المزيد من أنواع المعاهدات؛ فالمعاهدة رابطة وما أحوج البشرية إلى تنمية وإثراء الروابط فيما بينها.

المعاهدات ضرورة بشرية

إن عالَمًا شديد التشابك والترابط هو عالَم يشهد حروبًا أقلَّ؛ ذلك لأن الحرب في قطر مترابط مع غيره من الأقطار تُلقي بتأثيراتها السلبية على الجميع، ما يجعل من مصلحة الجميع منع اندلاع الحرب أو إيقافها، بعكس ما لو كانت البلاد منعزلة لا ترابط بينها، فهنا لن تجد دافعًا لدى كثيرين لمنع وقوع الصدام.

إننا يجب ألا نسعى إلى السلام فقط، ولكن إلى خَلْق بيئة تسمح باستمرار السلام؛ هذا الخَلْق هو احترام المشتركات الإنسانية، وترسيخ هذا الاحترام بشكل يصنع منه خطًّا أحمر، ويصنع من انتهاكه جريمة ليس لها مبرر.

أمَّا محاولة صُنع سلام مع وجود انتهاكات، فهي حالة لا يمكن أن تستمرَّ، وهو ما أُسميه «تدليس الزعماء»، ويجب علينا ألاَّ نُضيع الوقت في محاولة إقرار المستحيل، فلن يكون ثمة سلام في فلسطين يُطالَب فيه الفلسطينيون بالقبول باغتصاب أراضيهم وثرواتهم، وبأن تكون دولتهم قِطَعًا ممزقة الأوصال ليس لها جيش، ولا سيطرة لها على حدودها البرية والبحرية والجوية، هذا إذا نحَّيْنَا جانبًا جوهر هذه القضية؛ وهو احتلال المسجد الأقصى، الذي يُمَثِّل عمقًا دينيًّا غائرًا في الوجدان الإسلامي، فكيف إذا كان هذا العمق يُعطي الأزمة بُعْدًا ثائرًا من المقاومة والجهاد؟!
حتى حالة السلام بين مصر والكيان الصهيوني، وهي التي أكملت حوالي ثلث قرن، ليست إلاَّ حالة سلام قلق مضطرب، لا يُؤْمَن انهياره في أيِّ لحظة؛ ذلك أنه يتجاوز عن انتهاكات قائمة، ويُحَاول تجميدها أو نسيانها أو القفز عليها؛ لذا فهو سلام على المستوى السياسي فحسب، أمَّا على المستوى الشعبي فثمَّة أمور أخرى!

ومثل هذا يُراد من الأفغان والعراقيين، القبول بوجود أميركي يمتصُّ الثروات ويحكم من وراء الستار، ويتحكَّم بشكل فعلي في مسار ومصير البلاد.

كذلك سيظلُّ التوتُّر قائمًا بين كلٍّ من ألمانيا واليابان وبين أميركا؛ إذ فُرِض عليهما البقاء بثروة دون قوَّة، وهذا في الواقع ضدّ الطبيعة الإنسانية؛ لذا سيظلُّ هذا الملف مصدر توتُّر شعبي وسياسي وإن كان مكتومًا.

ترسيخ ونشر قيمة الاحترام المتبادل…

إنه لا بُدَّ للبشرية لكي تجد أرضًا تتوافق عليها أن يُؤْمَن جميع البشر بأنهم متساوون في الحقوق والواجبات، وفي المسئوليات والتكاليف، وإذا كانت الأزمنة القديمة تسمح لبعض الحضارات أن تعيش منعزلة عن المسيرة الإنسانية لابتعاد المسافة، فإن الثورة التقنية الحديثة جعلت أمرًا مثل هذا في عداد المستحيل، لقد أصبح العالم بالفعل قرية صغيرة، وربما أصغر مما يتخيَّل، وصارت المسافة بين الإنسان وأخيه في عالم الهاتف المحمول والإنترنت، أقل بكثير من المسافة بين رجلين في قرية صغيرة في عصر ما قبل هذه الثورة.

هذا التباعد الذي كان قائمًا في الحضارات القديمة يمكن أن يُجيز للناس في هذه العصور ألاَّ يحفلوا بأمر «الاحترام المتبادل» بينهم وبين الآخرين في الحضارات البعيدة، غير أن هذا لم يَعُدْ من الممكن أن يستمرَّ؛ ذلك أن إنسانًا لا يُمكن أن يتعايش مع آخر وبينهما شعور مفقود من «الاحترام المتبادل»؛ ولهذا لا تستطيع العنصريات أن تتعايش مع غيرها أبدًا، كما لا تستقرُّ المجتمعات التي تُمارس التمييز العنصري.

وهذه الحقيقة أدركها الحكماء منذ الأزمنة القديمة؛ ففي التقاليد الصينية التي ترجع إلى خمسمائة عام قبل الميلاد سؤال «جونج – جونج» للمعلم كونفوشيوس عن «الفضيلة الكاملة»، فإذا به يقول: «الفضيلة الكاملة ألاَّ تفعل بغيرك ما لا تحبُّ أن يُفعل بك» [13].

كذلك نجدها في قول الطبيب والفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون [14]: «لا تتعامل باللامبالاة مع ما يُهَدِّد الآخرين» [15].

وفي الإنجيل نقرأ في رسالة القديس بولس إلى أهل رومية أنه «لا فرق بين اليهودي واليوناني؛ لأن ربًّا واحدًا للجميع غنيًّا لجميع الذين يدعون به» [16].

وفي القرآن الكريم نجد قول الله –عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11]. كما تحدَّث النبي –صلى الله عليه وسلم- عن هذا المعنى -أيضًا- فقال: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ -أَوْ قَالَ لِجَارِهِ- مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» [17].

إنه مبدأ أساسي للأخلاق، كما يقول إريك فروم [18]: ألاَّ تُعامل الغير بما لا تريد أن تُعامَل به؛ فإن ما تفعله من سوء للغير، هو كما لو أنك تفعله لنفسك ولإنسانيتك [19].

من كل ما سبق يتبين لنا أن المعاهدات ضرورة بشرية؛ إذ إن الاختلاف الذي بين الشعوب والأمم يجعل من المستحيل أن يُصبح الجميع شيئًا واحدًا؛ ومن ثَمَّ لزم أن يكون هناك نوع من التواصل المستمرِّ بينهم ليستفيد كلُّ طرف من الآخر، وليأمن كلُّ طرف على نفسه من الآخر، ولن يكون ذلك إلاَّ عن طريق التوثيق في معاهدة، وهو ما دفعنا إلى أن نقول: إن المعاهدات ضرورة بشرية لا مناص من إقرارها.

المصدر: كتاب (أخلاق الحروب في السنة النبوية) للدكتور راغب السرجاني.