الوقوف في عرفات

              		 		[CENTER][IMG]http://www.bascota.com/up/uploads/135273468911.gif[/IMG]

[SIZE=5][FONT=Microsoft Sans Serif][COLOR=Blue] فريضة الحج هذه الفريضة التي قال عنها النبي صل الله عليه وسلم:
(( عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ قَالَ شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ نَاسٌ فَسَأَلُوهُ عَنْ الْحَجِّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجُّ عَرَفَةُ…)) [ الترمذي، النسائي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد، الدارمي ]

الوقوف بعرفة ركن الحج الأعظم وهو الحج الأكبر، أن يقف الإنسان في مكان ليلتقي بالله عز وجل هذا أعظم أيام حياته على الإطلاق، الله عز وجل في القرآن الكريم يقول: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ
[ سورة الكهف: الآية 110]

وكأن الله عز وجل سيلخص كل القرآن يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد، فما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، والتوحيد نهاية العلم، التوحيد أن لا ترى مع الله أحداً، أن ترى الله معطياً ومنعماً ومتفضلاً ومعزاً ومذلاً… فحينما يوحد الإنسان يتجه بكليته إلى الله عز وجل:
﴿ [COLOR=Red]فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً /color[ سورة الكهف: الآية 110]

حينما يستقيم الحاج على منهج الله ويعقد التوبة النصوح، وحينما يصلح عمله في كل مجالات الحياة، إذا جاء رده في عرفات ملبياً دعوته و واقفاً كما أمره النبي عليه الصلاة والسلام فلا بد من أن تحصل لهذا الحاج في هذا اليوم صلة لا توصف ينسى معها كل شيء
فلو شاهدك عيناك من حسننا الذي رأوه
لما وليت عنا لغيرنـــــــــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا
خلعت عنك ثياب العجب وجئتنــــا
ولو ذقت من طعم المحبة ذرةً
عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمة
لمت غريباً واشتياقاً لقربنـــــــا

أساساً الحاج حينما يقول لبيك اللهم لبيك يشعر باللذة، كأن الله سبحانه وتعالى يقول له تعال يا عبدي، تعال إلى بيتي الحرام لتذوق طعم القرب، تعال يا عبدي لأريحك من هموم كالجبال جاثمة على صدرك، تعال يا عبدي وذق طعم القرب مني، تعال يا عبدي.
تخلى عن كل شيء.
فكأن الله يدعوه يقول لبيك اللهم لبيك، موعد اللقاء الأكبر في عرفات لذلك من وقف في عرفات ولم يغلب على ظنه أن الله غفر له فلا حج له، تفتح مع الله صفحةً جديدة تعاهده على الطاعة تطلب منه ما شئت من خيري الدنيا والآخرة تقبل عليه، تبتهل إليه، تمرغ جبهتك في أعتابه، الحج حقيقته عرفة وهو اللقاء الأكبر مع الله عز وجل.
المقصود الأساسي من الوقوف بعرفة هو تحقيق هذا الاتصال بالله سبحانه وتعالى، حيث ترك الإنسان الدنيا ترك الأهل، ترك كل شيء، لم يبقَ في ذهنه إلا أن يتصل بربه فما هي طبيعة هذا الاتصال ؟
هذا الاتصال، النبي صل الله عليه وسلم في بعض الأحاديث قال:
((عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِفْتَاحُ الصَّلاةِ الطُّهُورُ….)) [ أبي داود، ابن ماجه، أحمد، الدارمي ]

يعني كل أمراض القلب التي تشقي الإنسان يوم القيامة يطهر منها بالاتصال بالله، كالحقد، والحسد، والكبر، والعجب، والاحتيال، والاستعلاء على الناس، والغطرسة، هذه الأمراض الوبيلة قال تعالى:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)[ سورة الشعراء ]

فالصلاة المحكمة التي أرادها الله والتي تبلغ ذروتها في عرفات هذه تطهر النفس من كل أدرانها، شيء آخر قال عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَْشْعَرِيِّ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:….الصلاةُ نُورٌ.)) [ الترمذي، الدارمي ]

تريك الحقيقة، أية حركة في الدنيا وراءها رؤية، فالمؤمن يرى بنور الله، قذف الله النور في قلبه، قال تعالى:
﴿ إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً [ سورة الأنفال: الآية 29]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ [ سورة الحديد: الآية 28]

فالصلاة فضل عن أنها طهور هي نور تهتدي، قلما يقع المؤمن المتصل بالله في حماقة، قلما يقع في انحراف لأنه يرى طريقة، لأن النور الذي أودعه الله في قلبه والذي تؤكده الآيات والأحاديث تهديه سواء السبيل.
حتى لو أخطأ سرعان ما يعود بسبب هذا النور الذي في قلبه ويرجع عن الخطأ.
يقول عليه الصلاة والسلام :
(( عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ قَالَ مِسْعَرٌ أُرَاهُ مِنْ خُزَاعَةَ لَيْتَنِي صَلَّيْتُ فَاسْتَرَحْتُ فَكَأَنَّهُمْ عَابُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَا بِلالُ أَقِمْ الصَّلاةَ أَرِحْنَا بِهَا )) [ أبي داود، أحمد]

وفرق كبير بين أرحنا بها وأرحنا منها، هذا الفرق بين الواجب والحب، فالصلاة التي تبلغ ذروتها في عرفات هي اتصال محكم بالله عز وجل تطهر النفس من أدرانها ويملؤها كمالاً، ومكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى فإذا أحب الله عبداً منحه خلقاً حسناً، وفضلاً عن ذلك فالصلاة سعادة وأي سعادة، ثم إنها قرب، قال تعالى:
﴿ [COLOR=Red]وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ /color[ سورة العلق: الآية 19]

ثم إنها ذكر، قال تعالى:
﴿[COLOR=Red] وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي /color[ سورة طه: الآية 14]
وقال تعالى:
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [ سورة العنكبوت: الآية 45]

يعني أكبر ما في الصلاة ذكر الله، وفي رأي آخر لبعض المفسرين، أنت تذكر الله في الصلاة لكن ذكر الله لك في الصلاة أعظم من ذكرك إياه، إذا ذكرك الله ملء قلبك نوراً، ملء قلبك أمناً، ملء قلبك سعادة، ملء قلبك رضاً، الناس يبحثون عن السعادة في الدنيا ولا يجدونها كمن يبحث عن شيء في غير مضانه.
الذكر يتحقق تماماً في هذا التفرغ في يوم عرفة، و الناس يشتغلون بذكر الله و بالدعاء، رأيت الناس قد شغلهم الدعاء من قلوبهم رأيناهم يذرفون دموعهم أثناء الدعاء كأنهم في حالة من السعادة الغامرة، ما طبيعة هذا الدعاء في يوم عرفة ؟
يقول عليه الصلاة و السلام:
((" عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لا إِلَهَ إلا اللَّهُ وَحْدَه لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ))
[ الترمذي ]
إنها فرصة لا تتكرر،، أن الله ينتظر أن تدعوه بالمغفرة، أن تدعوه بالرزق الوفير، بالسعادة الزوجية، بتوفيق الأولاد، لك أن تطلب منه من هذا الدعاء من خيري النيا و الآخرة، بل إن الدعاء يشعر الحاج شعوراً صارخاً أن دعاءه مستجاب، و قد قلت قبل قليل: من وقف في عرفات و لم يغلب على ظنه أنه غفر له فلا حج له.
ينبغي أن يغلب على ظنه أن الله غفر له، و عاد كيوم ولدته أمه، فالوقوف بعرفة فيه اتصال بالله، كي تطهر النفس من أدرانها، و كي تتجمل بالكمالات الإلهية، و كي تشعر بسعادة لا توصف، و فيه دعاء تطلب من مولاك الذي منحك نعمة الوجود:
﴿ [COLOR=Red]هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً /color [ سورة الإنسان: الآية 1]

و منحك نعمة الإمداد، و منحك نعمة الإرشاد، هذه النعم المتتالية تسأل الله من خيري الدنيا و الآخرة في عرفات.
ورد في الحديث:
(( " عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ )) [ الترمذي]

شعور الإنسان في عرفات أثناء الدعاء هذه العبودية، و قربه من الله سبحانه و تعالى ينعكس في نفسه بشكل إيجابي ؟
لكن في الحديث الدعاء هو العبادة:
﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي[ سورة غافر: الآية 60]

لم يقل عن دعائي بل عن عبادتي، معنى هذا تطابق الدعاء مع العبادة، فالدعاء هو العبادة، بل إن الله عز وجل يقول:
﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ [ سورة الفرقان: الآية 77]

لولا أن الله خلقكم كي تتصلوا به ما عبأ بكم، يعبأ بكم إذا دعوتموه، إذا تذللتم أمامه، و الحقيقة الدقيقة أن الإنسان بين موقفين، إما أن يقول أنا فيتخلى الله عنه:
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)﴾
[ سورة التوبة: الآية 25]
أو أن يقول الله:
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ[ سورة آل عمران: الآية 123]

فإذا قلت الله تولانا، و إذا قلت أنا تخلى الله عني، هذه قضية أساسية، فالدعاء في عرفة دعاء مستجاب، و قد أتيت من أطراف الدنيا و دفعت عشرات الألوف، و تركت العمل، و تركت الأهل و الأولاد من أجل أن تتصل، و أن تسال، و أن تجاب.

وهنا يجب على كل حاج أن يخلو مع ربه في عرفة، أن ينزوي في مكان، أن يدعوه، أن يبتهل إليه، أن يعاهده، أن يسأله، أن يمرغ جبهته في أعتابه، لابد من خلوة مع الله في عرفات.
الإنسان يلبي دعوة الله، و قد تفضل الله علي بنعمة المغفرة، و نعمة قبول التوبة، و نعمة الاتصال به، و نعمة تطهير قلبه من الأدران، و نعمة ملء قلبه نوراً و حكمة و أمناً و سلاماً، شعر بهذا الفضل العظيم فينتقل من التلبية إلى التكبير، يقول: الله أكبر، أي أكبر من كل شيء أكبر من الدنيا و ما فيها، أكبر مما عرفت أيضاً، لذلك هذا الذي يقول الله و أكبر و يطيع شخصاً و يعصي خالقاً ما قال الله أكبر و لا مرة و لو رددها بلسانه ألف مرة، هذا الذي يغش الناس أحياناً ليأخذ دريهمات زائدة و قال الله و أكبر في العيد ما قالها و لا مرة و لو رددها بلسانه ألف مرة ـ إذا لم يكن هناك تكبير شعوري بأن يرى الله أكبر من كل شيء ـ فحكمة قطع التلبية إلى التكبير بان الحاج و قد حصل على هذه النعم الكبرى يقول: الله و أكبر دهشة لهذه النعم، و دائماً نحن أعيادنا و الحمد لله تأتي عقب عبادات كبرى، فعيد الفطر السعيد يأتي عقب الصيام، و عيد الأضحى المبارك يأتي عقب الحج، معنى ذلك الإنسان حقق أهدافه و حقق إنجازاً كبيراً أن الرد الطبيعي أن يقول: الله و أكبر على نعمة الهدى، على نعمة القرب من الله عز وجل، ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، و إن فتك فاتك كل شيء، و أنا أحب إليك من كل شيء.
ورد في كتاب مدارج السالكين لابن قيم هذا الأثر القدسي يقول:
(( إن الإنس و الجن في نبأ عظيم، أخلق و يعبد غيري، و أرزق و يشكر سواي، خيري إلى العباد نازل و شرهم إلي صاعد، أتحبب إليهم بنعمي و أنا الغني عنهم، و يتبغضون إلي بالمعاصي و هم أفقر شيء إلي، من أقبل علي منهم تلقيته من بعيد، و من أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري أهل مودتي، أهل شكري أهل زيادتي، أهل معصيتي ـ موطن الشاهد ـ لا أقنتهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم و إن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب و المعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها و أزيد، و السيئة بمثلها و أعفو، و أنا أرأف بعبدي من الأم بولدها ))
شيء جميل جداً.
إذاً يوم عرفة هو يوم التأمل الذي هو يوم الاستعداد لتلقي هذه المغفرة، و هذا الاستعداد الروحي لتلقي هذا الأمر العظيم كأنه هو مرحلة الامتحان الأخير في نيل الشهادة، شهادة المسلم الذي استطاع أن تتحقق فيه العبودية لله سبحانه و تعالى بكل معانيها فشعر أن الله أكبر من كل شيء و بالتالي بدأ في التكبير في أيام العيد، و العيد هو الفرحة التي يفرحها المؤمن بهذا الإنجاز كمن نال شهادة دنيوية بسيطة يقيم لها فرحة، و يقيم لها احتفالاً، و المسلم بذلك أيضاً كأنه نال هذه الشهادة التي هي مرتبة عظيمة يصبو إليها كل مسلم، و خاصة في أداء فريضة الحج.
أن الذي يحج بيت الله الحرام كما حج النبي عليه الصلاة و السلام مطبقاً تعليمات النبي الدقيقة، و مع إخلاص القلب، و مع ابتغاء رضوان الله يعد يوم عرفة أعظم أيام حياته على الإطلاق، يوم العتق من النار و الفوز بالجنة.
جميل جداً و الحج عرفة،

والحمد لله رب العالمين
[/color][/font][/size]
[/center]