شعبان بين السنة والبدعة

الحمد لله الباسط الديان، والصلاة والسلام على سيد ولد عدنان، نبينا محمد خير مبعوث للإنس والجان، وعلى آله وصحبه وكل من سار على منهج القرآن، وبعد:

شعبان… هو اسم للشهر، وسمِّي بذلك؛ لأن العرب كانوا يتشعبون فيه (أي: يتفرقون) لطلب المياه. وقيل: تشعبهم في الغارات. وقيل: لأنه شعب (أي ظهر) بين شهري رجب ورمضان. ويُجمع على شعبانات وشعابين.

ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان، فحسنٌ أن يكون فيه شيء مما يكون في رمضان من صيام… عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: “كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان”[1].

وعنها أيضًا قالت: “كان أحب الشهور إلى رسول الله أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان”[2]. قال الإمام ابن حجر رحمه الله: (وفي الحديث دليل على فضل الصوم في شعبان)[3].

وقال الإمام ابن رجب رحمه الله: (وأما صيام النبي من أشهر السنة، فكان يصوم من شعبان ما لا يصوم من غيره من الشهور"[4].

عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان. قال: “ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم”[5].

قال الإمام ابن رجب -رحمه الله- في بيان الحكمة من صيام شعبان: (وفيه معانٍ، وقد ذكر منها النبي أنه لما اكتنفه شهران عظيمان: الشهر الحرام وشهر الصيام، اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولاً عنه. وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيام شعبان؛ لأنه شهر حرام، وليس كذلك)[6].

ولقد ثبت علميًّا أن الجسم في أيام الصوم الأولى يبدأ باستهلاك مخزونه الاحتياطي من الدهون والبروتينات وغيرها، فينتج بسبب ذلك سمومًا تتدفق في الدم (هرمون الأدرينالين)، قبل أن يتخلص منها الجسم مع الفضلات؛ مما يؤدي إلى شعور الصائم ببعض الأعراض: كالصداع، والوهن، وسرعة الغضب، وانقلاب المزاج، وقد يشتم ويسب… إلخ؛ مما قد يضطره لأن يترك الصيام أحيانًا. وهذه الأعراض تزول بعد أن تعود نسب الهرمونات إلى وضعها الطبيعي في الدم خلال أيام من بدء الصوم بإذن الله تعالى. وهذا ملاحَظ لدى الصائمين.

فصيام شعبان ما هو إلا كالتمرين على صيام رمضان؛ حتى لا يدخل المسلم في صوم رمضان على مشقة وكلفة… والله سبحانه أعلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، حافظ السنة وحبيب المؤمنين، عن النبي قال: “لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين، إلا من كان يصوم صومًا فليصمه”[7].

ومثال من له عادة: أن يكون الرجل اعتاد أن يصوم يومي الاثنين والخميس مثلاً، فإنه يصومهما ولو كان ذلك في النصف الثاني من شعبان. كما نهى عن صيام يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان، إلا أن يوافق عادته في الصيام.

من بدع النصف من شعبان:
1- الاحتفال بليلة النصف من شعبان بأي شكل من أشكال الاحتفال، سواء بالاجتماع على عبادات، أو إنشاد القصائد والمدائح، أو بالإطعام، واعتقاد أن ذلك سُنَّة واردة.

2- صلاة الألفية، وتسمى أيضًا صلاة البراءة.

3- صلاة أربع عشرة ركعة أو اثنتي عشرة ركعة أو ست ركعات.

4- تخصيص صلاة العشاء في ليلة النصف من شعبان بقراءة سورة يس، أو بقراءة بعض السور بعدد مخصوص كسورة الإخلاص، أو تخصيصها بدعاء يسمى (دعاء ليلة النصف من شعبان)، وربما شرطوا لقبول هذا الدعاء قراءة سورة يس وصلاة ركعتين قبله، وكذلك تخصيصها بالصوم أو التصدُّق أو اعتقاد أن ليلة النصف من شعبان مثل ليلة القدر في الفضل.

وقد سُئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- عن ليلة النصف من شعبان، وهل لها صلاة خاصة؟ فأجاب: ليلة النصف من شعبان ليس فيها حديث صحيح، وكل الأحاديث الواردة فيها ضعيفة أو موضوعة لا أصل لها، وهي ليلة ليس لها خصوصية، لا قراءة ولا صلاة خاصة ولا جماعة. وما قاله بعض العلماء أن لها خصوصية فهو قول ضعيف، فلا يجوز أن تخص بشيء… هذا هو الصواب، وبالله التوفيق.

ا