طـــائرة الرئيس

[CENTER] [CENTER] [RIGHT]طـــائرة الرئيس

لا يعتبر الصحفي في مصر كبيرا إلا لو ركب طائرة الرئيس. فالرئيس لا يصطحب معه في زياراته إلى الخارج إلا رؤساء التحرير في الصحف القومية, ولأن الصحف القومية هي صحف الكبار ـ في عرف البسطاء ـ فالصحفي الذي يركب طائرة الرئاسة هو الصحفي البريمو, أليس هو الذي يجلس بالقرب من الرئيس ؟ حتى لو كان يجلس في ذيل الطائرة .
ولأن السقف بالنسبة للصحفي في الأجيال الحالية أن يركب هذه الطائرة المباركة , فكل منهم يعود بالعديد من القصص والحواديت التى دارت على متن الطائرة , منهم من يحكى بتباه أن الرئيس قال له كذا وكذا , ومنهم من يعود من الرحلة مكتئبا ويظل على حاله حتى الرحلة التالية وذلك في حالة أن أبدى الرئيس أى ملاحظات على صاحبنا أو مقالاته , فيظل صاحبنا على هذا الحال ويحرص على الاستفسار من المسئولين القريبين من الرئيس : هل الرئيس غاضب منى ؟ وتستمر حالته النفسية من سئ إلى أسوأ إلى أن يتأكد أن الرئيس لا يحمل له أى ضغينة .
هكذا تجرى الأمور حسب ما سمعت , ومن هذه الحواديت الكثير , فالرئيس يكون له ملاحظات على العديد من المقالات أو التحليلات التى يقرأها , ففى إحدى المرات استاء من صحفى كتب وصفا عن الطائرة وكيف استقبله الرئيس وكيف وكيف …إلخ ومرة أخري أثير حديث عن صحفى يرأس جريدة كبيرة …لكن يبدو أن مجريات الأمور غير مواتية …فهو غير قادر على قيادة الجريدة بشكل مرضى للنظام أو التعبير عن توجهاته… وربما يكون ذلك بسبب نقص في الكفاءة أو بسبب طبيعته كشخصية مترددة غير قادرة على حسم مواقفها السياسية أو الصحفية .
وليس الهدف من حديثى الإشارة إلى صحفى معين ولكنى أتحدث هنا عن مثل هذه الشخصية الصحفية المترددة في مجتمعنا وأثرها السلبى على كل مناحى الحياة , هذه الشخصية يقول عنها علماء النفس أنها بسبب ظروف نشأتها لا تستطيع تحقيق التوازن بين كونها شخصية مطيعة إلى درجة الانصياع التام وبين تأكيد استقلالها وتحقيق قدرتها على التعبير عن نفسها دون أن تفقد احترام الآخرين . فالشخصية المترددة نشأت فى طفولة غير سوية , فهو يلتزم الطاعة حتى يضمن رضا الآخرين , ففى اعتقاده أن الطاعة وسيلة مضمونة لعدم إغضاب الآخرين ولو بإبداء رأى مختلف , خاصة لو كن الطرف الآخر صاحب سلطة على المتردد , لذلك نجد المتردد شخصية باهتة بدون لون أو طعم فهو فى سبيل الطاعة والانصياع يتنازل عن إرادته وعن قراره وعن شخصيته , وتتحير إذا كان هذا الشخص مهذبا أو هادئا هدوء الخوف أو ساكنا حتى يتمكن من التسلل وتحقيق أهدافه .
أعرف أحدهم , كثيرا ما عنفه رؤساؤه ومسحوا به البلاط لكنه لم يتأثر لأنه جبل على الطاعة والانصياع وهو ملتزم بمنهجه …الانصياع الكامل لنيل الرضا الكامل , وهو لا يمكنه اتخاذ خطوة جريئة أو غير تقليدية فهو تنتابه المخاوف فى كل خطوة يخطوها فى حياته , وينتابه دائما الخوف من المجهول والمستقبل , وهو يخشى التغيير أو التحول عما هو قائم , فهو لا يغير مسكنه مثلا ليس بسبب عدم توافر الأموال , لكن لطبيعة شخصيته المترددة , وهو يخشى تغيير وظيفته أو تطوير طريقة عمله …وهو يكبت أى رغبة لتأكيد ذاته كفرد أو شخص مستقل أو محترم , كل ذلك حتى لا يفقد القبول لدى الآخرين خاصة رؤسائه المؤثرين فى مصيره …لكنه فى نفس الوقت يحاول إيهام الآخرين بأنه إنسان كامل …لا يخطئ …بل إن له تاريخ مشرف يتفاخر به بين الحين والآخر .
وما يمارسه المتردد واحدة من الحيل التى يستخدمها لتزييف ماضيه…فيصف نفسه أو يصفه المحيطون به على نحو يبدو من خلاله كما لو كان المصدر الأساسى للعلم والمعرفة والأخلاق إلى جانب امتلاكه قوى خاصة تجعله قادرا على الإتيان بالمعجزات والقيام بأى مهمة وعمل أى شئ . الجدير بالذكر أن المتردد يعرف عن نفسه أكثر مما يعرفه الآخرون عنه …وهو يعلم أن قدراته أقل من المستوى العادى …وينتابه القلق بسبب وجود فروق بينه وبين الآخرين , لذلك يميل إلى التفكير فى نقاط ضعفه وأوجه القصور فى شخصيته , وهو يائس من إمكانية تطوير نفسه أو التخلص من الشعور بالنقص , لذلك يمارس الإسقاط على الآخرين , فهؤلاء فاشلون …جاهلون …أغبياء …مستغلون…وهو يقول هذا لكى يبعد عن الآخرين التفكير فيه بهذه الصورة …على طريقة والنبى أنا عتريس …أنا ستين عتريس فى بعض … وعلى طريقة أنا مش قصير أزعة …أنا طويل وأهبل …والمتردد دائما ما يكرر : أنا مش متردد …أنا مش متردد .

رفعت رشـاد [/right]

[/center]

[/center]

  [CENTER]abo Mohamed[/center]