إلى العلمانية وما بعدها - بقلم/ حازم عرفة

[SIZE=4] إلى العلمانية وما بعدها - بقلم/ حازم عرفة

سنذهب الآن فى جولة تعريفية بالعلمانية وما بعد تطبيقها:
نشأتها - أشكالها - رأيى فيها - هل تحتاج مصر إليها

1- نشأة العلمانية

العلمانية كفكرة كانت علاج لمشكلة ظهرت فى أوروبا فى العصور الوسطى، حيث كانت الكنيسة قد سيطرت على كل مناحي الحياة العامة لمدة سبع قرون، ودخلت فى صراعات مع الجميع، مع الدولة والمفكرين والأدباء والعلماء، وكانت تعتبر كل جديد بدعة، حتى أن جاليليو لم يستطع تقديم إختراع التليسكوب إلى النور بسبب رفض الكنيسة (بإعتبار التليسكوب هرطقة وبدعة)، حتى الرسم كان مرفوضا ما لم يكن رسم للمسيح أو مريم عليهما أفضل السلام، حتى إختراع البنج في العمليات الجراحية ظل ممنوعا لقرنين من الزمان بإعتباره بدعة ! وقد وصل جبروت الكنيسة وقتها إلى إمتلاكها جيش خاص بها غير جيش الدولة، وفرض ضرائب غير ضرائب الدولة ! وكان التطرف والتعسف الديني السبب في ظهور فكرة فصل الكنيسة عن الدولة ونقل ممتلكات الكنيسة إلى الدولة في القرن السابع عشر ثم ظهور مصطلح العلمانية لأول مرة بقلم الكاتب الإنجليزى/ جورج هوليوك في عام 1851م.

2- تعريفات العلمانية

مبتكر مصطلح العلمانية (هوليوك) عرف العلمانية بأنها:
الإيمان بإمكانية إصلاح حال الإنسان من خلال الطرق المادية، دون التصدي لقضية الإيمان، سواء بالقبول أو الرفض.

العلمانية الماركسية
تعني التحرر من الدين وكانت فكرة تصادمية مع الدين حتى على المستوى الشخصي، فأن تكون متدينا هي أن تكون متخلف ! وكانت فكرة كارل ماركس هي أن الدين أفيون الشعوب وأنه ليس هناك من خالق للبشر وإنما البشر هم الذين إبتكروا فكرة الخالق ليعبدوه !

العلمانية القارية - نسبة إلى قارة أوروبا بإستثناء إنجلترا
حرية أن تؤمن بأي دين كيفما تشاء على المستوى الشخصي لكن ممنوع إنتشار أى مظهر من الدين فى الحياة العامة، لا مآذن ولا أجراس كنائس ولا حجاب ولا صليب ولا طاقية يهودية (اليمكة).

العلمانية الليبرالية - الإنجليزية والأمريكية
حرية إنتشار مظاهر الدين من مساجد وكنائس وحجاب وصليب وغير ذلك ولا تنحاز الدولة لأى دين من الأديان ولا توجد ديانة في البطاقة. ولا دخل لأى دين بالتشريع وسن القوانين. بإعتبار أن الدين عقيدة وليس شريعة … دين تعبدي وليس له صلة بإدارة الحياة الدنيا.

العلمانية العربية
هى علمانية رفض إستغلال الدين في السياسة، ومن يتبنى هذه الفكرة يرفض مثلا موقف صدام حسين عندما كتب على علم الدولة (الله أكبر) ليحشد الناس لغزو الكويت، ومثلما جعل السادات مبادئ الشريعة (المصدر) الرئيسي للتشريع ليقبل الناس تغيير فترة الرئاسة إلى مدد مفتوحة، وأيضا رفض الشعارات الدينية وإستخدام المنابر في الدعاية الإنتخابية لكى لا تثير عاطفة البسطاء، ويكون الإنتخاب بناءا على البرنامج ومدى كفاءة الشخص لتحقيقه وليس رفع راية الدين. كذلك إعتبار أن الدولة كـ (مؤسسات وهيئات ووزارات) ليس لها دين وإنما لها قانون مستمد من الدستور أيا كانت مرجعيته كما ترتضي غالبية الشعب وليس هناك مثلا وزارة داخلية (مسلمة) أو جهاز الكسب غير المشروع (الكافر). ولا يتعارض هذا مع كون الدولة كـ (وطن) لها هوية دينية معينة إذا إرتضت الأغلبية بشرط الحياد بين المواطنين بمختلف أديانهم. لاحظ أن بعض العلمانيين العرب ليسوا على هذا النهج وإنما متأثرين بالنهج الغربي الذى يفصل الدين عن السياسة تماما بما فيها التشريع.

تعريف أردوجان للعلمانية
الدولة العلمانية هى الدولة التى تقف على مسافة متساوية مع كل الأديان والأشخاص لا يكونوا علمانيين وإنما الدولة. والدولة العلمانية لا تنشر الكفر وإنما تقف على الحياد مع كل الأفراد أيا كان دينهم.

3- رأيى في العلمانية

إن نظرة هوليوك لإمكانية إصلاح حال الإنسان بغض النظر عن القضية الإيمانية، تعتبر نظرة قاصرة لأنها تفترض أن الإنسان إبتكر منظومة قيمية أفضل مما أتت به الأديان.

بالنسبة للعلمانية الماركسية فقد نشأت بسبب تربيته في بيئة برجوازية رأسمالية تحتكر كمية مهولة من الدخل ولا يثور الفقراء عليهم بسبب خداع الكنيسة لهم بأن الفقراء فقط اللذين سيدخلون الجنة ! وصدق الإمام الغزالي حين قال: إن إنتشار الكفر يحمل نصف أوزاره (متدينين) بغضوا للناس الدين.

أما العلمانية في أوروبا وأمريكا التي تسمح بكونك متدين لكن تفصل الدين عن التشريع تناسب المجتمعات المسيحية ولا تناسب المجتمعات ذات الأغلبية الإسلامية، ففى الإسلام يعتبر فصل الدين عن سن القوانين كفر مبين.

أما المقاصد التى وردت في تعريف العلمانية العربية فأراها تستقيم بشكل أفضل في مفهوم تنظيم العلاقة بين الدين والسياسة وليس فصل الدين عن السياسة.

رأيي في العلمانية بإختصار أنى ضد كل مفهوم مطاط له أكثر من تعريف، ولهذا أقول أن التصنيف هو المفتاح للتعميم، والتعميم عمى. أعطني المقاصد والتعريف ولا تعطنى المصطلح أو التصنيف.

أنظر الآن إلى المجتمع الذى نعيش فيه، فأجد فيه قسم يريد فصل الدين عن الحياة، وأجد قسم أخر متطرف يريد فصل الحياة عن الدين، فأجد نفسي وقد فهمت قيمة أن جعلنا الله أمة وسطا، وفهمت قيمة جهاد الباطل عندما تزداد الجبهات عددا وعمقا، سواء كان الجهاد الفكرى ضد التطرف الدينى أو التطرف بعيد عن دينى.

4- هل تحتاج مصر للعلمانية

يقول المفكر الإسلامي الكبير عبد الوهاب المسيري:
إن هذه الأفكار نشأت في أوروبا بسبب طبيعة المسيحية، باعتبارها عقيدة تفصل الدين عن الدولة وتعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله، وأنه للتحقق من معدلات العلمنة في مجتمع ما، فإن علي الباحث أن يتناول عمليات العلمنة الواضحة وآلياتها المباشرة ومؤشراتها الظاهرة، فإن وجدها، صُنِّف المجتمع باعتباره مجتمعاً علمانياً، وإن لم يجدها فهو، بكل بساطة، مجتمع إيماني!

ويقول الدكتور محمد البرادعي في إبريل 2010 بالمنصورة:
أن العلمانية من المفاهيم المغلوطة الغير دقيقة ومفهوم غريب لا صلة له بالشعب المصري. وقال في لقاء آخر أنه لا يؤيد التصنيفات ولهذا يريد التحدث عن المقاصد مباشرة ويدعو لحرية الإنسان فى العقيدة وحرية الرأي وأن يكون الإسلام هوية الدولة ومرجعيتها في سن القوانين. شريطة أن يحتكم غير المسلمين لشريعتهم فيما يتعلق بأحوالهم الشخصية. وأن ما يثار حول العلمانية وضرورة تطبيقها هي زوبعة فى فنجان.

ويقول الدكتور معتز عبد الفتاح في برنامجه أ ب سياسة:
إن العلمانية هي علاج سليم لمشكلة ليست لدينا.

رأيى أن ما تحتاجه مصر هو تفعيل قيم الإسلام. فإنى وجدت فى دستور بلدي أن الإسلام دين الدولة، ووجدت فى شوارع بلدي من يبحث فى القمامة عن اللقمة، وجدت بلدى أسلمت بلسانها ولم يفض الإيمان إلى قلبها، لا إسلام ولا دولة حتى يقام العدل. أريد تشريع لا يخالف ما أنزل الله ولا أريد سياسي يتكلم بإسم الله.

والله أعلم.
------------------------ بقلم/ حازم عرفة
[/size]