اعلم أبا مسعود!

بسم الله الرّحمن الرّحيم
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخواني وأخواتي روّاد مُنتدى المُهندس؛

:: مقال رائع ::
ومادة قيّمة، أسأل الله تعالى أن ننتفع منها.
في رحاب السنة المطهرة،
وأحاديث خير الورى؛ صلى الله عليه وسلم.

أ. حسن عبدالحيّ.

اعلم أبا مسعود

/

/

في “صحيح مسلم” وغيره عن أبي مسعود البدري - رضِي الله عنه - قال: “كنتُ أضرِب غلامًا لي بالسَّوط، فسمعتُ صوتًا من خلفي: ((اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود))، فلم أفهم الصوت من الغضب، فلمَّا دنا مِنِّي إذا هو رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا هو يقول: ((اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود))، فسقط السَّوْطُ من يدي من هَيْبَتِه، فقال: ((اعلم أبا مسعود أنَّ اللهَ أقدَرُ عليك منك على هذا الغلام))، فقلت: يا رسول الله، هو حُرٌّ لوجه الله، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((أمَا لو لم تفعل للفحتْك النارُ، أو لمسَّتْك النار))، فقلت: والذي بعثك بالحقِّ، لا أضرب عبدًا بعده أبدًا، فما ضربت مملوكًا لي بعد ذلك اليوم”؛ (جمعت بعض روايات أحمد والترمذي والطبراني لأصل روايتي مسلم للحديث).

الفائدة الأولى:
حفْظ الإسلام لحقِّ الضعيف، ودفْع الظلم عنه؛ كما في موقفه -صلى الله عليه وسلم- من أبي مسعود لَمَّا ضرب غلامه، وقوله له: ((إنَّ الله أقدَرُ عليك منك على هذا الغلام)).
وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الله لا يُقَدِّس أمَّة لا يُعطُون الضعيف منهم حقَّه))؛ (أخرجه الطبراني من حديث ابن مسعود، وصحَّحه الألباني في “صحيح الجامع”، ورواه ابن ماجه من حديث أبي سعيد بلفظ قريب)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((إني أُحَرِّج عليكم حقَّ الضعيفَيْن: اليَتِيم والمرأة))؛ (أخرجه الحاكم وغيره، وحسَّنه الألباني في “صحيح الجامع”).

الفائدة الثانية:
أهميَّة تَخوِيف المُخطِئ بالله وقدرته في الدعوة إلى الله، وهذا في قوله -صلى الله عليه وسلم- لأبي مسعود: ((إن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام))، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو لم تفعل للفحتْك النار، أو قال: لمسَّتْك)).
وهذا نوعٌ من الزجر منه -صلى الله عليه وسلم- لأبي مسعود - رضِي الله عنه - كي يَتوقَّف عن ضرْب غلامِه، وكي لا يعود لضرب غيره ثانية.
والزجر والتعنيف خِلاف الأصْل في النُّصْح والإرشاد في الدعوة إلى الله -تعالى- فالأصْل هو الرِّفق واللِّين، لكن أحيانًا تجد المرء لا يُرَدُّ عن الخطأ إلا بشيءٍ من الشدَّة في النُّصْح، فيجب حينئذٍ على الداعية بعض الشدَّة، كما أنَّ تَفاوُت الأخطاء وحال المُخطِئين مقاييسَ ينبغي أن تُراعَى في مَقام الشدَّة في النُّصْح الدعويِّ…

الفائدة الثالثة:
تصوُّر وُجود الخطأ ووقوعه من أصحاب المقامات العالية؛ فأبو مسعود معدود من عُلَماء الصحابة، وكان يُفتِي الناس في عصر عمر - رضِي الله عنهما - ويُقال: إنه شَهِد بدرًا، ومع ذلك وقع منه ما كَرِهَه النبي -صلى الله عليه وسلم- وعنَّفه عليه.
وتصوُّر وقوع الخطأ ممَّن يحسن فيهم الظن، أقربُ لمعالجة الخطأ والقُصُور، كما أنَّه دافِعٌ للمُعالَجَة المُتوازِنة والمبنيَّة على تقدير الأمور تقديرًا صحيحًا.
وفي المقابل:
ضعْف هذا التصوُّر يُصِيب الداعيةَ أو المُصلِح باليأس والإحباط، كما يدفع الواحدَ منَّا للمُبالَغة في تقدير الخطأ، وهناك فارِق كبير بين تَقرِير أنَّ الإنسان - أي إنسان - بشر غير مَعصُوم، وبين تثبيت هذا المعنى في المواقف والمحكَّات، فكثيرًا ما لا نتصوَّر أو نرضى أنَّ شخصًا صاحب مكانة عالية أو حميدة يقع منه أمرٌ يُكرَه في حقِّ مَن هو في مقامه، وإنْ كُنَّا في باب التَّنظِير المجرَّد نقرُّ بذلك ولا نستغربه.

الفائدة الرابعة:
حُسْنُ الامتِثال لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- وتعظيم جَنابِه؛ فأبو مسعود - رضِي الله عنه - لَمَّا رأى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- سقط السَّوْطُ من يده هيبةً له، ثم إنَّه بادَرَ بإرضائه فأعتق العبد، وحلَف له ألاَّ يضرب مملوكًا له بعد ذلك أبدًا.
ونحن اليومَ نُعَظِّم جَنابَه -صلى الله عليه وسلم- بالامتِثال لِمَّا صَحَّ من أمره، وتقديمه على أمر غيره مهما كانت منزلته ومكانته، كما نُعظِّم جَنابَه -صلى الله عليه وسلم- بالاقتِداء به، واستِعمال الآداب الواجبة في حقِّ حديثه وسنَّته، بأبي هو وأمي - صلَّى الله عليه وسلَّم…

[color=Maganta]الفائدة الخامسة:

قُرْبُ تَفرِيج الله على عباده، فربَّما كان هذا العبد الذي كان يضربه أبو مسعود - في وقت لم يكد يرى فيه بصيص نور - لا يرجو سوى سكون غضب سيده وكفِّ أذاه عنه، فإذا الله -تعالى- يَمُنُّ عليه بالعتق والحريَّة!
وهذا من معاني ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5- 6]، وفي هذا بُشرَى لكلِّ إنسان لاحَقَتْه الكروب، ورَكِبَتْه الهموم والأحزان، وضاقَتْ به الدنيا بما رَحُبتْ، بشرى له ألا يجزع، وأن يعلم أن فرج الله -تعالى- يأتي من حيث لا يعلم، ومن حيث لا ينتظر. .[/color]

-الفائدة السادسة:
المُسارَعة في تَكفِير السيِّئة ومحْوها بالقيام بالحسنة بعدها؛ كما قام أبو مسعود - رضِي الله عنه - هنا بعتْق عبده الذي ضرَبَه، وقال له -صلى الله عليه وسلم-: ((لو لم تفعل للفحَتْك النار، أو لمسَّتْك النار))، فدلَّ ذلك على ضرورة عمل الصالحات بعد الوقوع في السيئات، كما قال ربُّنا - تبارك وتعالى -: ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114].
وفي حديث أبي ذر ومعاذ - رضِي الله عنهما -: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أَتْبِع السيِّئةَ الحسنةَ تَمْحُها))؛ (أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما، وحسَّنه الألباني في “صحيح الجامع”)…

الفائدة السابعة:

التعلُّم من الخطأ، وأخْذ النفْس بعدم تَكراره؛ فأبو مسعود - رضِي الله عنه - استَشعَر خطأه فقال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: “والذي بعثك بالحقِّ، لا أضرب عبدًا بعده أبدًا”، ثم قال: “فما ضربت مملوكًا لي بعد ذلك اليوم”.
والمرء إذا اعتَاد مُحاسَبة نفسه على الخطأ والقُصُور الذي يقع منه، ووضع عقوبات للمخالفة، فإنه حَتْمًا ستَستَقِيم له نفسُه على مَرضَاة الله - عزَّ وجلَّ - وكان ابنُ وهب - رحمه الله - يقول: “نذرت أنِّي كلَّما اغتبتُ إنسانًا أن أصوم يومًا، فأجهدني، فكنت أغتابُ وأصوم، فنويت أنِّي كلما اغتبت إنسانًا أن أتصدَّق بدرهم، فمِن حُبِّ الدراهم تركتُ الغِيبة”؛ (“سير أعلام النبلاء”)، وهذا أبو مسعود - رضِي الله عنه - يحلف ألاَّ يضرب عبدًا له ثانيةً، وهو بهذا يحمل نفسه حملاً عن البعد عمَّا يشينه.

المصدر/ شبكة الألوكة.

اللّهمّ أعنّا على ذكرك وشُكرك وحُسن عبادتك.

إعجابَين (2)

بارك الله فيك

إعجاب واحد (1)