النانو روبوت

ربما لو أخبرتك اليوم أننا وفي عصرنا هذا أصبحنا نمتلك “النانو روبوت”، لسخرت مني أو اعتقدت أنني أهذي، لكنها الحقيقة مهما رفضتَها…

nanotech10

ما هو “النانو روبوت” أصلاً؟… لا بأس… إنه وببساطة روبوت شديد الصغر، بل هو أقرب لحجم الذرة، لكنه روبوت متكامل قادر على تنفيذ المهام وتسجيل وتخزين المعلومات، كما يمتلك شريحة ذكاء صناعي تمكِّنه من التصرف في بعض المواقف، وفقًا لنوع برمجته… وهذا كله لا يؤثر في حجمه الذي لا يُرى إلا بالمجاهر الحديثة…

مرة أخرى لا تسخر من الفكرة أو ترفضها، وتذكّر…
أنت الآن تعيش في عصر الهواتف المحمولة بالغة الصغر، والشاشات التي تعمل باللمس، وكاميرات الإنترنت التي لا يتجاوز حجمها السنتيمترات، وكلها اختراعات لو تحدثت عنها قبل وجودها بعشر سنوات لأخبرك الكل وبصراحة أنك مجنون وأحمق!..

ثم إن مشروع “النانو روبوت” هذا، هو امتداد لأبحاث النانو تكنولوجي التي بدأت قبل أن تقرأ أنت هذه الأسطر، وتقدمت في عصرنا هذا؛ لتصبح “النانو روبوتات” حقيقة واقعة، تعيش في أجسادنا وتحافظ عليها من كل ما يتعرض له جسدك الآن ويتلف بسببه…

اليابانيون من فعلوها وهذه حقيقة أخرى اعتدناها من زمن طويل…!

دائمًا ما تأتي التكنولوجيا الحديثة من اليابان؛ ليصنعها العالم كله بعدهم، وكان العالِم “ياكاشي هوراشاكي” يردد وهو يتسلم جائزة نوبل عن إنجازه في هذا المجال:

  • (من اليوم ستحظى أجسادنا بالاحترام الذي تستحقه)…

وفي هذه النقطة كان محقًا، لكنه كان ضيق الأفق نوعًا ما…

بحقنة واحدة سيتم ضخ ملايين “النانو روبوتات” لتعيش في جسدك إلى الأبد، ولتحافظ عليه حتى تحين ساعتك لأسباب طبيعية بحتة، لكن وحتى هذه اللحظة المجيدة، يمكنك أن تنسى المرض والشيخوخة والفيروسات والبكتريا والسرطان والكوليسترول، وحتى الكسور والإصابات، فالروبوتات في جسدك تعرف ما عليها فعله تمامًا…

في عصرنا هذا يعيش كل واحد منا وفي جسده جيش يعمل على حمايته من أي عامل يضرّ به سواء أكان داخليًا أو خارجيًا، وهذا الجيش لا يتوقف عن العمل لحظة واحدة منذ أن يسري في عروقك…

كل شيء يتم مراقبته وقياسه وتسجيله، وكل طارئ يتم التعامل معه، قبل أن ترسل إشارة إلى جهاز عرض خاص، يبلغك بتطورات جسدك أولاً بأول، ولو حدث خلل ما -رغم أن هذا لم يحدث حتى الآن- سترسل إشارة أخرى لوحدة الأبحاث الصحية التكنولوجية، التي سترسل لك فريقاً قادراً على التعامل مع هذا الخلل، في دقائق معدودة…

هنا يبدو الأمر أشبه بحلم جميل نحياه على أرض الواقع، لكنني وكما أخبرتك اكتشفت أن في هذا ضيق أفق لا حد له…

بانتهاء المرض وبالقضاء على الشيخوخة أصبحنا نتزايد كالحشرات، وحتى جيوش “النانو روبوتات” لم تتمكن من حل مشكلة الماء والغذاء والسكن، لتعلن مشكلة التضخم السكاني عن نفسها بشراسة…

وهنا تحتاج المشكلة لتدخل البشر لحلها…
وأنا وجدت هذا الحل…
واليوم سأخبرك به…


حقيقة أخرى يجب أن تدركها عن عالمك الذي تحيا فيه، وهي أن كل شيء يحدث حولك يتوقف على كلمتين اثنتين لا ثالث لهما…
نسبة المشاهدة!..

في عصرك الذي تقرأ فيه هذه الأسطر، تعرف أنه لا يوجد منزل في العالم لا يوجد فيه تلفاز، وفي عصرنا نحن أدركنا أن كل شيء حدث في التاريخ كان يتوقف على نسبة مشاهدة هذا التلفاز…

“طالما أنت تشاهده سيظل موجودًا”… حكمة لا أذكر من قالها في عصرنا، لكنها صادقة للغاية…

لا تفهم ما أعنيه؟… سأحاول تبسيط الأمر… افترض أن هناك برنامجًا يُعرَض على التلفاز وأنه حقق نجاحًا شديدًا، وبالتالي نسبة مشاهدة عالية… ما الذي سيحدث؟…

ستنتبه كل الشركات العالمية لهذا البرنامج وستقوم هي والشركات الإعلانية بعرض إعلانات منتجاتها في هذا البرنامج… بالتالي سترى أنت هذه الإعلانات بصورة قادرة على تنويمك مغناطيسيًا حتى تشتري منتجاتها؛ ليحصل صناع البرنامج والإعلان والمنتج على نقودك، قبل أن يفتر اهتمام المشاهدين بهذا البرنامج، لتختفي منه الإعلانات التي كانت تساعد على استمراره -الجودة لا تعني الاستمرار!- ولينتقل الكل إلى برنامج أو فيلم أو حتى حدث إخباري يحقق نسبة مشاهدة أعلى…

أي أنك تشاهد لينجحوا هم، وليتمكنوا من أن يحصلوا على أموال من إعلانات عن منتجات ستشتريها أنت، وبالتالي يزداد ربحهم الذي يمكّنهم من عرض المزيد من الإعلانات التي ستحدد أنت ومن مثلك نسبة مشاهدتها، وكل هذا يبدو في النهاية وكأنه صنع لخدمتك أنت!..

ولا يتوقف الأمر عند هذه الحقيقة فحسب…
تخيّل لو أن هناك برنامجًا يناقش سلسلة جرائم مخيفة تحدث في بلدك؟… سيشاهد الكل البرنامج… ستعرض فيه الإعلانات… ستمنح أنت نقودك للكل إلا للقاتل صاحب الفضل الحقيقي في هذا النجاح…

ببساطة لو توقف أو قُبض عليه، سيفقد البرنامج بريقه وستقل نسبة مشاهدته…

والآن تخيل لو أنه ليس قاتلاً… بل هو تنظيم إجرامي… أو هي قضية فساد ضخمة… أو أسرار مشينة تعرض لأول مرة… أو مشاهد لا تجوز لمن هم أعمارهم أقل من 18 سنة… هل انتبهت لما أعنيه؟؟…

جميع ما سبق هو ما يحقق أعلى نسبة مشاهدة، ومهما حاولت أن تكذب على نفسك، لن تملك نفسك من الشعور بالإحباط لو توقف القاتل عن ارتكاب جرائمه التي كنت تتابعها كل أسبوع، أو لو انتهى الأمر بهؤلاء الفاسدين بمحاكمة هزلية تعيدهم لدائرة الظل مرة أخرى، لتعود أنت لروتين حياتك الذي لا يتغير…

هيا لنعترف معًا… نحن نحب أسوأ ما يمكن حدوثه للآخرين -على ألا نتعرض نحن له- ونحن على استعداد لمتابعته وزيادة نسبة مشاهدته؛ لتدور عجلات الأموال التي لا تسحق سوانا…
ما علاقة هذا كله “بالنانو روبوتات”؟…
الآن ستعرف…


في عصرنا هذا لم يعد هناك شيء مهم!..

في أرض لا يوجد فيها مكان للمرض أو الحرب لا توجد أي متعة… صدقني أو أصغِ لي حتى النهاية لترى بنفسك كيف ساء الوضع في عصرنا هذا…

أنت تعيش حياة مثيرة كل يوم دون أن تشعر… تستيقظ فلا تعرف إن كان هذا هو اليوم الذي سيفصح فيه جسدك عن مرض جديد أم لا… تتناول إفطارك بنكهة المبيدات وبالماء الملوّث دون أن تشعر بالخلايا السرطانية التي تحاول الاستيقاظ في أعضائك… ثم تخرج من منزلك لتواجه العالم بغير سلاح أو حتى الحذر…

قد تصيبك سيارة مسرعة… فيروس طائر… رصاصة طائشة… حفرة عميقة… جسم ثقيل يسقط من السماء… أداة حادة تخترق جسدك… أدخنة سامة… موجات محطات تقوية شبكات الاتصال… موجات الهواتف المحمولة… أشعة فوق بنفسجية…

وهذه هي الأشياء التي تسبب الحوادث فقط لا الجرائم!..
تواجه أنت هذا كله كل يوم؛ لتنطلق إلى عملك حيث تنتظرك آلاف الفرص الأخرى للهلاك، لكنك تخوّض بينها لتعود إلى منزلك في نهاية اليوم، ولينتهي يومك في فراشك على وعد بمغامرة جديدة غدًا…

أنت تستيقظ تخاطر… تجرّب… تسعى… تنجح أو تفشل… تهلك أو تنجو…
أنت تحيا…

أمّا نحن… فبفضل النانو تكنولوجي لم تعد الحياة كما كانت…

أي مرض ستقوم الروبوتات المجهرية في جسدك بالتعامل معه على الفور… أي إصابة سيتم وقف النزيف وإصلاح أو استبدال الأنسجة التالفة بأخرى يتم استنساخها فوريًا… حتى لو أطلقت على أحدنا رصاصة، ستخرج من جسده بعد لحظات دون أن تؤثر فيه إلا بقليل من الألم ستتغلب عليه “النانو روبوتات” على الفور، بتعطيلها للأعصاب الحسية…

أي شوائب تدخل أجسادنا تُنقى على الفور… أي أدخنة أو أبخرة تُصفى قبل أن تمتصها الرئتان… أي خلية سرطانية تتثاءب مستيقظة تقتل في مكانها على الفور… الكوليسترول يذاب أولاً بأول… الإنزيمات تفرز بحساب… الجسد كله يعمل في تناغم لا يمكنك حتى أن تحلم به…

بالتالي…
لم يعد هناك مكان لشركات الأدوية، فلم يعد هناك مرض لسوء حظهم!.. ومع الوقت بدأت المستشفيات والوحدات الصحية في الانقراض هي الأخرى؛ لتنضم لها شركات ومؤسسات الأدوات الصحية والعلاجية، وهذه كانت الضربة الأولى…

الأذكياء استبدلوا نشاطهم بتصنيع “النانو روبوتات” على الفور، ومن استغرقوا وقتًا في الدراسة والتأني أفلسوا على الفور … لكن هذا لم يكن كل شيء…

فمع الوقت أدركنا أننا نفعل كل شيء في هذه الحياة من أجل أجسادنا لا أكثر… نحن نعمل وننجح لنحصل على المال الذي نشتري به الطعام لأجسادنا… الملبس لأجسادنا… المكان الذي نؤوي فيه أجسادنا… المتع التي تستهلكها أجسادنا… حتى أنت تمارس هذا الخطأ كل يوم دون أن تشعر…

نعم… هناك اثنان منك الآن… من يقرأ هذه السطور ويفكر… ومن ينتظرك لتنتهي لتُطعِمه أو تسقيه أو تمنحه الراحة أو المتعة، وهذا الآخر هو أنت أيضًا!..

أنت تعمل من أجل أنت، ثم جاءت “النانو روبوتات” لتعلن لك أن جسدك لم يعد في حاجة لك…

هكذا يتناقص الإقبال على السلع الاستهلاكية… وهنا كانت الضربة الثانية…

الشركات الغذائية… الشركات الوقائية… الشركات الخدمية…

الأذكياء استبدلوا نشاطهم بتصنيع “النانو روبوتات” على الفور، ومن استغرقوا وقتًا في الدراسة والتأني أفلسوا على الفور…

ثم انتبهنا لحقيقة أخرى… لا أحد يموت مريضًا أو مصابًا أو مقتولاً أو مأسوفًا عليه… عليك أن تنتحر أو…
عفوًا لقد نفد رصيدك!..

وهناك كانت الضربة الثالثة…

لم تعد هناك حروب أو صراعات… انهار سوق السلاح… الشركات الأمنية… المؤسسات الدفاعية… لم تعد هناك جريمة… لم تعد هناك متعة… لم يعد هناك أمل…

ثم جاءت الضربة الرابعة مدوّية بحق…
لم تعد هناك منتجات… إعلانات… نسبة مشاهدة التي هي شريان الحياة في أي مجتمع!!!..
أصبحنا كلنا نعيش في أمان وسعادة ورخاء…
ويالها من حياة لعينة!..

هنا يأتي دور العباقرة أمثالي؛ ليجدوا حلاً لهذا كله…

وهنا أتفوق أنا على الجميع؛ لأنقذ عالمنا من تلك الهوة السحيقة التي سقطنا فيها…

والحل كان أبسط من اللازم لذا لم يره أحد سواي… فكّر…

لو ربطنا بين “النانو روبوتات” ونسبة المشاهدة… فما الذي سنحصل عليه؟!..

أنا عرفت إجابة هذا السؤال… وأنا دفعت ثمن هذه الإجابة!..