نقابة المهندسين علي كف عفريت

نقابة المهندسين علي كف عفريت محمد عبد اللطيف

x

ربما لم تشهد أي نقابة مهنية في مصر معارك قانونية وسياسية مثل التي تدور رحاها في نقابة المهندسين، التي دخلت مرحلة حرجة من مراحل أزمتها الممتدة منذ فرض الحراسة عليها عام 1995 وحتي الآن. فقد انتهت هذا الأسبوع مدة الـ 30 يوما، التي حددها القضاء الإداري، وألزم بها المستشار فاروق سلطان رئيس اللجنة المشرفة علي الانتخابات بالإعلان خلال تلك المدة عن تحديد موعد لإجراء انتخابات نقابة المهندسين. دون أن يتم الاعلان. الأمر الذي تسارعت معه وتيرة الأحداث وساءت علي خلفيته حالة من التخبط وعدم وضوح للرؤية لدي 380 ألف مهندس، يرغبون في تخليص النقابة من الحراسة القضائية، ورأوا في حكم محكمة القضاء الإداري، بارقة الأمل في ذلك إلا أن الجهة الإدارية أعلنت عن ارتياحها لبقاء الحراسة، كما هي، وتمت ترجمة ذلك. في تكليف هيئة قضايا الدولة (محامي الحكومة). بتقديم استشكال في الحكم أمام محكمة عابدين.

وفي المقابل يستعد تجمع «مهندسون ضد الحراسة»، في إعداد انذار لإرساله لأن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري واجب النفاذ مادام لم يصدر حكم آخر من الإدارية العليا.كما تم جمع نحو 100 توكيل من المهندسين لتقديم طلب إلي الحراسة القضائية ووزارة الري. لعقد جمعية عمومية، لمناقشة الميزانيات الخاصة بالنقابة وتقارير الجهاز المركزي حول أعمال الحراسة، ويبدو أن التحركات المضادة للجهة الإدارية لم تتوقف عند حدود الاجراءات القانونية، لكنها شهدت تحركا علي المستوي السياسي. من خلال تشكيل تكتلات هندسية في المدن الصناعية التي يعمل بها عدد كبير من المهندسين. بفرض الضغط علي الحكومة لإجراء الانتخابات.

المثير أن هذه التحركات تقابلها تحركات أخري من الحراسة القضائية في المحافظات (النقابات الفرعية)، لكن ما بين التحركات المضادة للأطراف المتصارعة في أزمة النقابة، ظهرت عدة مفاجآت تهدف لعرقلة تنفيذ حكم القضاء الإداري بإجراء الانتخابات. ومن بينها عدم الانتهاء من الكشوف الانتخابية، والتي بدونها لاتكتمل اجراءات العملية الانتخابية. وهو الأمر الذي من شأنه وضع الحكم خارج حيز التنفيذ.

الغريب أن التيارات السياسية الراغبة في إنهاء الحراسة ترفض إجراء أي أحاديث مع الحكومة مكتفين بتصور أن الجهة الإدارية ستقوم بتنفيذه. لكن الأمر تغير كثيرا بعد انتهاء المدة. ولم يغفل القائمون عن هذه التيارات في نفس الوقت. أن تحقيق الانتصار في المعارك القانونية. ليس سوي جولة في معارك سياسية متصلة. وخاصة أن الحكومة تلوح أيضا بأوراق أخري لعرقلة تنفيذ الحكم. مثل ورقة القانون 100 الخاص بالنقابات المهنية، لتطبيقه في انتخابات نقابة المهندسين، بعد اقرار تعديلاته في مجلس الشعب في دورته الحالية. وهو الأمر الذي سيزيد من حالة التخبط كمؤشر لبداية جديدة من المعارك التي لم تتحدد معالمها بعد.

وعلي خلفية الكوارث الاقتصادية التي جرت مشاهدها في النقابة، بدأت تتشكل جماعات من صفوف المهندسين بغرض إنهاء الحراسة القضائية، تلك الجماعات كانت تمثل التيارات السياسية المختلفة، ونجحت هذه التيارات في الحصول علي حكم قضائي، بعقد جمعية عمومية في 13/2/2006 وخرجت الجمعية العمومية بقرارات من بينها إنهاء الحراسة، وإجراء الانتخابات، لكن حدثت بعض التجاوزات والانشقاقات بين القوي السياسية. افقدت القرارات شكلها القانوني، ورفض وقتها الدكتور محمود أبوزيد وزير الري بصفته المسئول الدستوري والقانوني علي نقابة المهندسين، التصديق علي قرارات الجمعية العمومية. وقال لنا وقتها في حوار نشرناه بتاريخ 27/2/2006، بالرغم من أن قرارات الجمعية العمومية قد أجمع عليها الجميع إلا أن وجود أكثر من جماعة داخل النقابة تمثل أمرا مقلقا يؤدي إلي تأجيل الانتخابات لأن الأمن القومي وأمن البلد فوق كل اعتبار ولو كانت الانتخابات ستؤدي إلي خطورة علي أمن البلد ستؤجل، والانشقاقات والصراعات التي حدثت لا تخدم العمل النقابي.

فأثناء الجمعية العمومية التي انعقدت بحكم قضائي، حدث انشقاق القوي اليسارية، وعلي أثره تشكلت جماعات «المهندسون الديمقراطيون» و«المهندسون الأحرار» و«مهندسو المستقبل» في الاسكندرية، وكلها ترفع شعار إنهاء الحراسة والاعداد للانتخابات. هذه التيارات جميعها، دخلت في صراع سياسي وقانوني مع الحكومة، ومثلت جماعات ضغط، لكن أثناء الجمعية العمومية، أراد تيار الإخوان أن يثبت أنه الأقوي من كل تلك الجماعات التي تشكلت من القوي السياسية الأخري، ولديه القدرة علي الدخول في تفاوض مع الحكومة. وهو الأمر الذي دفع إلي المخاوف. لأن الذين خرجوا من الباب بعد إدانتهم في وقائع فساد أثناء توليهم أمر النقابة. هم أنفسهم الذين يريدون السيطرة علي النقابة ودخولها مرة أخري من الشبابيك.. بعد أن حققوا أغراضهم من التنسيق مع التيارات السياسية الناصري واليسار. بدأوا بعدها في حشد قواهم وامكاناتهم لارهاب التيارات والحكومة في نفس الوقت، وهو ما أدي إلي الانشقاقات.

تصرفات الإخوان جاءت منافية للغرض من تجمع «مهندسون ضد الحراسة» الذي يرفع شعاراً محدداً، وهو رفع الحراسة علي أن تكون النقابة ممثلة في مجلس قومي يعبر عن كافة الاتجاهات. ولايسيطر عليه تيار بعينه.

خلال هذه الازمات جرت مشاورات مع فتحي سرور رئيس مجلس الشعب منذ أكثر عامين، ووعد بإجراء اتصالات لرفع الظلم عن النقابة، ومراجعة القانون 100 ، إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث، وربما لهذه الأسباب وغيرها يرفض «مهندسون ضد الحراسة». إجراء حوار مع المسئولين في الحكومة، لوجود سوابق لم يحصلوا فيها إلا علي وعود لم يتم تنفيذها. حتي جاء حكم القضاء الأخير، ليكون الحد الفاصل بين إنهاء أزمة نقابة المهندسين.. أو اشعال الحرائق السياسية، بعد أن غابت النقابة 13 سنة عن المحافل الوطنية والعربية بوصفها الجهة الاستشارية الأعلي في الدولة وفق قانون تأسيسها.