يسم الله الرّحمن الرّحيم
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إلى أهل العمارة، والهندسة عامّة.
محبّي معرفة البدايات لكلّ علم.
/
فيما يلي مقالٌ حَول العمارة: تعريفها وبداياتها وتطوّر مراحلها.
/
:: العمارة ::
العمارة منشأة مؤلفة من كتلة وفراغات،
وظيفتها استيعاب نشاط إنساني، كالإسكان والعبادة والعمل والدفاع، وشرطاها المتانة
والراحة.
ابتدأت العمارة في العصر الحجري بدائية،
قوامها الحجر الضخم أو الخشب، وكان الهدف إيواء الساكنين وحمايتهم من العدوان،
وإلى جانب الحجر والخشب ظهرت مادة الطين (اللَّبِن) والطين المشوي (الآجر).
ومنذ بداية التاريخ أصبحت العمارة فناً
وعلماً، يتطلب دراسة هندسية واهتماماً جمالياً، بدا ذلك في العمارات الأولى في مصر
القديمة وبلاد الرافدين، وظهرت الأساليب والطرز المعمارية التي تحمل هوية متميزة
وجمالية خاصة.
…
لقد كان الهم الأول أن يقيم المعمار
الجدران، وعُثِرَ في المريبط (سورية) على جدران طينية مدعمة بالخشب، تعود إلى
الألف السابعة قبل الميلاد، وعثر في أريحا (فلسطين) على جدران حجرية مشذّبة تعود
إلى الألف السادسة قبل الميلاد. والهم الثاني أن يقيم المعمار السقوف، فكانت
السقوف في العمارة البدائية مسطحة أو أشبه بالقباب، ومثالها ما زال واضحاً في قباب
البيوت القروية في شمالي سورية، وكانت مادة هذه السقوف الأغصان والطين.
ثم تطورت عمارة القباب، فأصبحت مداميك
دائرية من الطين اللبن أو المشوي، أو من الحجر. وكذلك كان تطور عمارة القبوات
والعقود والأقواس.
ولحمل السقوف كانت الأعمدة عنصراً
إنشائياً إلزامياً، تحوَّل إلى عنصر جمالي تجمعت عبقرية المعمار في تصميمه، كما في
العمود المصري القديم الذي اعتمد على أشكال النباتات، اللوتس والسعف (الشكل ـ 1).
أو في الأعمدة الإغريقية والرومانية، وقد اعتمدت تيجانها على تشكيلات نباتية مؤلفة
غالباً من ورقة الأقنثة acanthe.
http://www.arab-ency.com/servers/gallery/6752-3.jpg
:: الشكل - 1 ::
…
ومنذ منتصف القرن التاسع عشر تطورت صناعة
الحديد الصلب، لكي تصبح المادة الإنشائية الأساسية في العمارة، سواءالتسليح مع
الإسمنت، أم التوليف المعدني ذي الأشكال الهندسية أم اللَّينة كما في برج إيفل.
وساعد الحديد على إنشاء عمارات سامقة أطلق عليها ناطحات السحاب،
مؤلفة من عدد متزايد من الطبقات، وفي المباني البرجية وصل ارتفاعها إلى خمسمئة
متر، معتمدة على الهيكل الحديدي أو الفولاذي الذي يدعم عمارتها.
كان الملاط في العمارة القديمة مؤلفاً من
الرماد والروث أو من الكلس والجص، ثم استعمل الإسمنت البورتلاند ملاطاً وتسليحاً
على يد المعمار مونييه Maunier الفرنسي منذ عام 1868، إذ ابتكر الحصيرة المعدنية التي تُسَلِّح
مادة الإسمنت. ثم أصبح في الإمكان صنع قوالب معدنية للإسمنت لصبّ الأنابيب
والأعمدة والخزانات وصوامع الحبوب، بل الجدران، مما أطلق عليه مسبق الصنع.
وأفادت القوالب المعدنية والخشبية في
تنفيذ تشكيلات معمارية جمالية، وساعدت على تطوير فن العمارة باتجاه الحداثة التي
تخلت عن جميع الطرز والقواعد السابقة في فن العمارة، وفسحت في المجال لحرية
التشكيل المعماري.
كذلك استفاد المعمار منذ عام 1851 من
الزجاج[ر] في إقامة منشآت حديدية زجاجية تبدو في قصور البلور التي ظهرت في لندن
وبوسطن وباريس، وما زالت مادة أساسية في كسوة العمارة الحديثة، ثم أصبحت الكهرباء
رديفاً للتطور المعماري، إذ ساعدت على عمليات التوصيل إلى الطبقات العليا في
ناطحات السحاب، وساعدت على تأمين التكييف، إلى جانب الإنارة الضرورية والتزينيية.
…
وإذا كان تطور الإنشاء في العمارة مهماً،
فإن المعمار لم يتخلَّ في جميع مراحل تطور العمارة عن ابتكار الشكل الفني، فالعمارة
حجم فراغي مؤلف من سطوح قائمة وأفقية، ومن ذروات مختلفة الأشكال، ومن فتحات تبدو
على شكل نوافذ أو أبواب، وكان على المعمار أن يستفيد من هذه التشكيلات الوظيفية،
لكي يحقق الانسجام والتآلف الجمالي الذي تحدث عنه فيثاغورث.
امتد تطور العمارة آلاف السنين، فقد ظهرت
العمارة في العصر الحجري على شكل أكشاك خشبية تغرز في ضفاف البحيرات والأنهار
وتسمى العمارة المائية Palafitte، ويصلها باليابسة جسر خشبي متحرك.
وفي الأماكن التي تتوافر فيها الصخور،
أُقيمت العمارة الحجرية Mégalithe،
وقد بدت في شكل مدافن ضخمة أو في شكل مسلات menhir،
أو في شكل بطاح محاطة بأنصاب حجرية، وتسمى cromlech .
وما زالت شواهدها ماثلة في غربي أوربا، ولايتحقق في هذه المنشآت
الحجرية من الشروط المعمارية إلا صفة الصلابة والديمومة.
…
على أن العمارة التي عُثِرَ عليها في
المريبط أو في وادي النطوف[ر] (فلسطين) والتي تعود إلى العصر الحجري الحديث؛ كانت
بداية ظهور فن العمارة الذي تجلى واضحاً فيما بعد في العمارة المصرية، التي
أُسِّست منذ بداية التاريخ على قواعد هندسية اهتمت بنسب الفتحات والأبعاد، ووحدة
الطراز، عدا عن الصلابة والديمومة، مما جعل آثار مصر المعمارية من أقدم شواهد
العمارة النظامية وأكثرها صموداً. ويتجلى ذلك في عمارة الأهرامات والمعابد، مثل
معبد أمون الكبير في الكرنك[ر]، ومعبدي أبي سنبل[ر] وغيرها.
إن ندرة الأحجار في بلاد الرافدين
(العراق) دفع المعمار إلى استعمال الطمي المحروق أو المجفف بالشمس، مستعيناً
بالصخور المقتلعة من الجبال الشمالية لإنشاء الأساسات.
…
وتفتقر بلاد الرافدين أيضاً إلى الغابات،
فلم تكن الأخشاب مادة متوافرة دوماً لعمليات الإنشاء، لذلك لجأ المعمار إلى ابتكار
الأقواس والقباب والقبوات الطينية عوضاً عن السقوف الخشبية المسطحة، وبسبب
الفيضانات كان لا بد من إقامة العمارة الرافدية على روابي صنعية، ولهذا قام
المعمار بإنشاء الزيقورات[ر] والعمارات الشاهقة كبرج بابل[ر] من الطمي المسلح
بالبوص والقصب، وبذلك استطاعت العمارة الطينية مقاومة العوارض الجوية حتى اليوم،
وتُرى في أور وبابل.
http://www.arab-ency.com/servers/gallery/6752-4.jpg
في شرقي سورية كانت العمارة تعتمد على
الطين أيضاً، يُرى ذلك واضحاً في حاضرة ماري (تل الحريري)[ر]. وقد عُثِر فيها على
نموذج طيني صغير (الشكل ـ2) يوضِّح شكل البيت في الألف الثالثة ق.م.
…
يتبع بحوله تعالى في الرّد القادم.