اطلاق القمر مصر سات-1

لحظات فارقة

اطلاق القمر مصر سات-1

د.محمد بهى الدين عرجون



التاريخ 17 ابريل 2007 الزمان … الساعة 12:46 دقيقة بتوقيت كازاخستان الثامنة وست وأربعون دقيقة صباح القاهرة المشرق . المكان … قاعدة بايكونور الروسية لأطلاق الصواريخ .

أربعة رجال ينتظرون فى قلق من الساعة الحادية عشرة تقريباً عندما أقلتهم الحافلة الى مركز المراقبة هم أعضاء الوفد العلمى الذى يتابع عملية اطلاق القمر الصناعى المصرى الأول للاستشعار والبحث العلمى مصر سات-1 . مركز المراقبة غرفة خشبية حوالى 10 أمتار×6 أمتار يحتشد فيها حوالى أربعين شخصاً من مختلف الجنسيات معظمهم من الفنيين الروس . خارج غرفة المراقبة تترامى صحراء بايكونور الشاسعة وعلى بعد سبعة أميال يقبع الصاروخ دنيبر-1 فى صومعته تحت الأرض فى انتظار لحظة الاطلاق . منطقة بايكونور لا تظهر على أى خريطة متداولة .وحتى سنوات قريبة كانت قاعدة عسكرية لا يقربها مدنيون.

الصاروخ دنيبر -1 نفسه كان صاروخاً نووياً فى الترسانة السوفييتية الهائلة … وفى اطار معاهدات خفض السلحة الاستراتيجية تم الاتفاق على تحويله لقاذف فضائى ، وكان فى هذا التحول فائدة كبيرة للدول الصغيرة والنامية التى تريد أن تدخل عصر الفضاء من زاوية الأقمار الصغيرة إذ وفر هذا القاذف العملاق فرصة لوضع أقمار هذه الدول فى المدار بتكلفة زهيدة.

الأمر ليس بدون مخاطر . وليس الطلاق مضموناً بالمرة . فى الواقع فإن الإطلاق السابق لنفس الصاروخ فى 26 يوليو 2006 فشل وتم تدمير الصاروخ بعد 73 ثانية من اطلاقه . وفى 27 مارس أى منذ ثلاثة اسابيع كان نفس هؤلاء الرجال ينتظرون إطلاق القمر فى نفس الموقع وقبل الاطلاق بيوم تم اكتشاف عطل كهربى خلال العد التنازلى … وتأجل الاطلاق . لعل هذا يفسر حبات العرق التى كانت تتدحرج على جباه هؤلاء المصريين وهؤلاء الروس والأوكران الذين عملوا طويلاً ليصلوا الى هذه النقطة .

تقاس اعتمادية القاذف الفضائى بعدد مرات نجاح اطلاقه نسبة الى عدد المرات الكلى . حتى قبل 26 يوليو 2006 كانت اعتمادية القاذف دنيير 100%خمسة نجاحات فى خمسة اطلاقات (تجارية) .وبعد فشل الاطلاق السابق أصبحت %83.يجدر ألا نفكر بهذا الآن .

القمر مصر سات -1أو1Egypt satهو القمر الرئيسى على هذا الصاروخ ومعنى ذلك أنه هو القمر الذى يتحدد به المدار الذى يصل اليه الصاروخ وكان المدار الذى يصل اليه "قمرنا…"هو 668 كيلومتراً.

تقول الأستاذة آمال فهمى الاذاعية الكبيرة انها تجد متعة عندما تنطق كلمة “قمرنا…”.هناك احساس وطنى لا تخطئه النفس مع اطلاق الأقمار الصناعية … كنا نحس أننا اقتحمنا مجالاً كان مغلقا ًدوننا من قبل … والان الآفاق لايحدها الا ما يريد الانسان المصرى أن يقف عنده.

القمر المصرى مصر سات -1 قمر استشعار ذو دقة ثمانية أمتار (أى أن الأجسام ذات البعد 8 متر تظهر فى شكل نقطة يمكن تمييزها) يحمل حمولتى استشعار وحمولة اتصالات للرسائل الألكترونية . وهو باكورة برنامج الفضاء المصرى الذى يهدف الى تصنيع الأقمار الصناعية المصرية ذاتياً على ثلاثة مراحل . تعلم فى مدرسة القمر المصرى فى أوكرانيا خمسة وستون مهندساً هم اللبنة الأساسية لفريق تصميم وتصنيع القمر مصر سات -2 باذن الله .
مع القمر المصرى هناك ثلاثة عشر قمراً اخر . سعودى سات -3 وهو قمر استشعار وخمسة أقمار سعودية صغيرة للرسائل الالكترونية .وسبعة أقمار صغيرة لجامعات أمريكية.

بدأ العد التنازلى النهائى . خرجنا الى الساحة الخارجية ولفحنا هواء الصحراء البارد … عيوننا شاخصة الى موقع الاطلاق .وبعد قليل فتح باب الصومعة الحديدى والذى سيخرج منه القاذف الفضائى حاملاً القمر المصرى .يتم الاتصال بالصاروخ بعد الاطلاق من محطة متابعة فى سلطنة عمان وترسل الاشارات الالكترونية لتلك المحطة الى محطة التحكم فى أوكرانيا وإلينا فى غرفة المتابعة. العد التنازلى …دقيقة واحدة . بدأ الأخ السعودى فى غرفة المراقبة معنا يبث ارساله الى التليفزيون السعودى. بارك الله فى الأمة .هناك جهود فضائية فى السعودية والجزائر والمغرب . ولعل أكبر هذه الجهود هى ما يتم فى مصر .

ثوان…ثم ظهر الصاروخ فوق سطح الأرض .يخرج الصاروخ من صومعته بقوة دفع لخزان غازى … توقف ثانية أو اثنتين على ارتفاع نحو ثلاثين متراً حبسنا أنفاسنا وابتهلنا …ثم هدرت محركاته الصاروخية وانطلق دنيبر بجلال وكبرياء يحمل القمر مصر سات -1 . الحمد لله.

لا ينتهى الأمربالاطلاق .هناك عدة مراحل حرجة .مرحلة انفصال القمر عن المرحلة الثالثة للصاروخ بعد حوالى 900ثانية (خمسة عشر دقيقة) ،واذا نجحت هذه وتم انفصال القمر هناك مرحلة الاتصال به فى مداره الأول.

تابعنا وأنفاسنا محبوسة الثوانى التسعمائة… كل عشر ثوان يعلن المذيع حالة التحكم فى الصاروخ واستقراره وانفصال مراحله .وبعد مروره على القرن الصومالى بقليل ونحن نشاهده… انفصل القمر مصر سات -1 ونجح اطلاقه وأصبح سابحاً فى مداره المحدد.

فى 3 مايو 2007 تم التقاط أول صور للأرض بواسطة القمر مصر سات -1 .وفى 23 مايو 2007 تم التقاط أول صور لمصر …للقاهرة.

حمدنا الله كثيراً …لقد أصبح لمصر قمر استشعار فى المدار . وبدأنا فى مراحل تصنيع القمر الثانى .لقد دخلنا عصر الفضاء.

د. م. محمد بهى الدين عرجون
مدير برنامج الفضاء المصرى