الإسكان العشوائي.. مشكلات ننتظر حلول المسؤولين العاجلة؟


صحيفة الاقتصادية الالكترونية

[SIZE=4]
الإسكان العشوائي… مشكلات ننتظر حلول المسؤولين العاجلة؟

محمد التويم من الرياض
المسكن هو الوعاء الذي يعيش فيه الإنسان فإذا كان هذا الوعاء مملوءا وغير صحي كانت حياة هذا الإنسان متأثرة بما حولها. ومن الواضح أن الإسكان العشوائي هو مثال صارخ على هذا النوع من المساكن التي لا يمكن أن تنتج إلا إنسانا متأثرا بتلك البيئة المحيطة به. مشكلة “الإسكان العشوائي” الذي تغلغل داخل المدن الرئيسة في المملكة كجدة ومكة المكرمة والغالبية العظمى من المدن، تبدو كالخلايا السرطانية التي تزدادا يوما بعد يوم، دون أن نرى خططا عملية للحد من توسعها والقضاء عليها.
إن الصور التي سنعرضها في هذا التحقيق ليست إلا تسليطا للضوء على عينة بسيطة، نقدمها للمسؤولين عن تخطيط المدن والشؤون الاجتماعية، لأن جميع الجهات الحكومية مشتركة بشكل أو بآخر، ومعنيون بمعالجة هذه المشكلة، ففي إحدى جولاتنا حاولنا الدخول إلى إحدى هذه المناطق العشوائية التي كان أغلب سكانها من الجنسيات الإفريقية، كان الوضع الأمني فيها لا يسمح لنا بالتعمق داخلها، فاكتفينا بالتجول حولها والتقينا مجموعات كبيرة من المتخلفين الذين لا هوية لهم، وكانوا نتاجا لتلك المشكلة التي أهملت وما زالت مهملة، فأصبحت مزرعة لتفريخ عصابات السرقة والجريمة، بل ومزاولة جميع الأمور المرفوضة.
حاولنا الحديث مع أحدهم واكتشفنا أنه لا يعرف العربية، أما الآخر وهو من إحدى الجنسيات الإفريقية فيدعي أنه سعودي واسمه محمد هادي رغم عدم امتلاكه أية هوية، يقول: ولدت في هذه الحارة، ولا أعرف إلا هذه المنطقة، فسألناه هل يعرف القراءة، فأجاب أنه تعلمها في المنزل، أي أنه لم يذهب إلى المدرسة، وعن منزله يقول: بناه أبي ومجموعة من العائلة قبل فترة طويلة، وبالنظر إلى المنزل يتضح أنه بني بطريقة عشوائية لم يراع فيها أي قانون من قوانين وقواعد البناء السليمة، فالمنزل آيل للسقوط في أي لحظة. يتحدث لنا محمد هادي عن الحالة التي يعيشها في هذه المنطقة فيقول: كثيرا ما تدهم الشرطة هذه المنطقة لقربها من أحد الأحياء السكنية، فيلجأ كثير من الشباب إلى أعلى الجبل الواقع خلف المنطقة، ولا تستطيع الشرطة الوصول إليه، إذ كثيرا ما تحدث عمليات سرقة في هذه المنطقة خصوصا من سكان هذا الحي، وأحيانا تتعدى هذه السرقات إلى المناطق السكنية المجاورة.
التقينا أحد كبار السن هناك وسألناه عن منزله الذي يسكن فيه، وهل يملك أوراقا رسمية، فأجاب: امتلك والدي هذه الأرض وأقام عليها منزلنا هذا ولا يوجد أي صكوك أو أوراق تثبت ملكية الأراضي في هذه المنطقة, ويعلق على هذا الأمر محمد عبد الله (أحد سكان العاصمة المقدسة) فيقول: من المؤسف أن يكون هذا الوضع والتخلف في العاصمة المقدسة، كيف تسمح الدولة بقيام مثل هذه المنازل العشوائية التي لم تنجب للوطن إلا الجريمة والتخلف على مر السنين الماضية، لكن الأمل كبير فنحن الآن نسمع بخطط تطويرية من إمارة منطقة مكة المكرمة للسيطرة على هذه الأحياء العشوائية ويقول لا يكاد يخلو منزل من المنازل القريبة من هذه المناطق العشوائية من حادثة سطو أو سرقة سيارة وقليل هم الذين سلموا من هذه الجرائم, أما هشام فلفان فيقول: أصبت بحالة تبلد من كثرة ما أجد من حالات السطو على منزلي ولكن عزائي أني لا أملك أي شيء يستطيع السارق أخذه ويقول عندما أبلغ مركز الشرطة أجد تكاسلا وبطئا في الإجراءات، معللا ذلك بكثرة مثل هذه الأحداث في المنطقة، مشيرا إلى أن رجال الأمن أصابهم نوع من الخمول.
وفي جولة لـ “الاقتصادية” في أحد أزقة حارة البرماوية في مكة، وهي أكثر أمانا من المناطق الأخرى، التقينا إبراهيم البرماوي الذي تحدث لنا بإسهاب عن وضع المنطقة، وما عليه الحال من التخلف والانحدار للأسوأ يوما بعد يوما، فمياه المجاري تسير بين البيوت محدثة رائحة مزعجة وصناديق النفايات تظل بالأسابيع حتى تأتي سيارة البلدية لتنتشل النفايات بعد أن تمتلئ بطون القطط من الأطعمة وتمتلئ هذه الأزقة بالرائحة النتنة. وعن سؤالنا عن مستوى التعليم في هذه المنطقة أجاب إبراهيم قائلا: مستوى التعليم هنا متدن جدا حيث لا توجد إلا مدرسة واحدة في هذه المنطقة لا تكاد تكفي للأفراد النظاميين في نظام الجوازات فكيف بالمتخلفين؟! ويقول: أكثر من 50 في المائة من سكان هذه المنطقة لم يتلقوا التعليم الرسمي وهذا مؤشر خطير جدا، حيث إن من لا يملك شهادة أو تعليما لا يملك عملا فيكون عالة في هذه المنطقة ويدفعه للقيام بالجريمة، ويطالب إبراهيم البرماوي الجهات المختصة باحتواء هذه الفئة وتعليمها والاستفادة منها حتى لا تكون وباء ومصدرا للجريمة مع مرور الوقت, وعن وضع الأراضي في هذه المنطقة يقول إبراهيم هناك حركة في البيع والشراء في هذه المنطقة حيث تبلغ مساحة الأراضي في الغالب 100 متر مربع في الغالب، وتباع من دون صكوك من المحكمة بل يكتفي الطرفان بورقة تثبت عملية الشراء فقط ويرضى بها الطرف الآخر. وعن أسعار الأراضي يقول: تراوح الأسعار بين 15 و25 ريالا للمتر المربع، ويتم أخذ الكهرباء من منازل نظامية يصلها التيار الكهربائي، ويقول من لديه مسكن نظامي في هذه المنطقة يعد غنيا جدا، حيث يقوم بتأجير خطوط الكهرباء بـ 200 ريال كحد أدنى في الشهر للمساكن غير النظامية، ويقول المنازل هنا تكتفي بقدر بسيط من الطاقة الكهربائية.
إبراهيم قام مشكورا بدعوتنا إلى منزله، ومن النظرة الأولى تدهشك بساطة البناء ومدى رضا هؤلاء الأشخاص بهذا القدر من المسكن، فالجدار بدون تلييس والأسلاك مكشوفة والبيت مقسم بقطع من الأبلكاش وقطع من القماش، يقول: نحن سعداء بهذا المنزل الذي بنيناه بأنفسنا وعندما ننظر إلى من هم أدنى منا في الحارة نفسها, نحمد الله على هذه النعمة.

[/size]
.,._