الاستشارة حضارة


الاستشارة حضارة …مقولة أول من احترمها وعزز أسسها هو الإسلام، عندما فتح باب الحوار والاستشارة بلا حدود، بل إن أول حادثة حوار حصلت في الكون هي حوار الملائكة مع رب العزة والجلال، ففي القرآن الكريم: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ للْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءكُلَّهَا ثُمّ َعَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قَالُواْسُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَاآدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْب السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ).
حتى الملائكة تحاور … وربنا فتح لهم الباب … سبحانه ما أعظم شانه …
ولم تقتصر المحاورة بين الملائكة ورب العالمين، وإنما حصلت مع الله تعالى ومع إبليس الخارج عن طاعة الله المخالف لأمر الله … أرجو من كل قارئ كريم أن يتأمل هذا الحوار بين رب العزة والجلال وبين إبليس، قال الله تعالى في القرآن الكريم:
(إِذْقَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِين ٍفَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِين َقَالَ يَا إِبْلِيس ُمَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ قَال َأَنَا خَيْر ٌمِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَ إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ قَالَ رَبِّ فأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ).
وما زال القرآن يحدثنا عن مبدأ الحوار بكل رقي وحضارة … ومن ذلك حوار دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين امرأة اسمها خولة، جاءته تستشيره في مشكلة عائلية، سطرها القرآن الكريم بكل عز وفخر، قالت السيدة عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم: تبارك الذي أوعى سمعُه كلَّ شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويَخفى عليّ بعضُه ، وهي تشتكي زوجَها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: “يا رسول الله، (زوجي) أَكَلَ شبابي، ونَثرتُ له بطني، حتى إذا كبرت سني، وانقطع ولدي، ظاهَرَ مني، (أي حرّمني على نفسه كما حرّم أمه) اللهم إني أشكو إليك”. قالت عائشة: فما بَرِحَتْ حتى نَزل جبريل بهذه الآية: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ).
-----------------------------------------------------
ولم يحجر الإسلام، ولم يضيق على الحرية في طرح الاستشارات، لأنه هو الذي قال: (شفاء العِيّ السؤال)، السؤال عن أي مسألة أو أي حالة، بدون أي تخصيص ولا استثناء ولا تضييق ولا حرج ولا خجل ولا حياء مذموم.