العالم الرباني (صورة معاصرة)

[RIGHT]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تفاعلاً مع حال الزمن الذي نعيشه، وما فيه مما يجعل الحليم حيراناً، في زمن صدق فيه قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم (إن الله لا يرفع العلم ينتزعه من صدور العلماء ولكن يرفع العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبقي عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاًفضلوا وأضلوا)، وبالذات ما يحدث في مصرنا الغالية من أفعال نعجب لها أشد العجب أفي ذلك الحين يا شيخ الأزهر نبدع النقاب والمرابطين في الأقصى لا يستطيعون أن يغفلوا ساعة حتى لا يهدم المسجد الأقصى، أفي وقت يحارب المسلمون فيه اليهود فقط بأجسادهم تفاجئنا بهذا والله لا ندري من عدونا ومن حبيبنا من معنا ومن علينا من يغار على الإسلام ومن يحقد عليه.

في مثل هذه الأحداث أقدم لكم أخواني مثلاً راقياً معاصراً للعالم الرباني لآخر شيوخ الأزهر ازدهاراً، أقدم لكم عالماً لطالما وقف في وجه المحرفين لدين الله، اعتلى الكراسي كلها فلم يزحزحه كرسي ولم يغيره منصب بل كل المناصب ازدهرت به. والكلام الآتي بكامله منقول من أحد المنتديات.

[CENTER]

ولد الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق يوم الخميس 31 من جمادي الآخرة عام 1335 الموافق الخامس من أبريل عام 1917 ببلدة بطرة مركز طلخا بمحافظة الدقهلية، ونشأ الإمام الجليل نشأة دينية خالصة في أسرة كريمة، حيث كان والده رجلا صالحا معروفا بالأمانة وحملها، فكان أهالي القرية يودعون لديه أشياءهم الثمينة، خوفا عليها من الضياع، وقد أثرت هذه النشأة الصالحة علي الإمام الجليل ، حيث حفظ القرآن الكريم، وأجاد القراءة والكتابة في سن مبكرة جدا في كتاب القرية علي يد شيخها الراحل سيد البهنساوي، ثم التحق فضيلته بالتعليم الإعدادي بالمعهد الأزهري الأحمدي بمدينة طنطا عام 1930، حيث حصل علي الابتدائية الأزهرية عام 1934 والثانوية الأزهرية عام 1939م.

ثم التحق بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، وحصل منها علي الشهادة العالمية عام 1944، ثم حصل علي الإجازة في القضاء الشرعي عام 1954، وقد عين الشيخ الجليل فور تخرجه موظفا قضائيا بالمحاكم الشرعية في يناير 1964، ثم أمينا للفتوي بدار الإفتاء عام 1953 فقاضيا بالمحاكم الشرعية عام 1954، وفي عام 1956 عين قاضيا بالمحاكم بعد إلغاء ثورة يوليو للمحاكم الشرعية، ثم رئيسا للمحكمة عام 1971م.

وفي أغسطس 1978م عين فضيلته مفتيا للديار المصرية، وبعدها بعامين اختير عضوا بمجمع البحوث الإسلامية، وفي الرابع من يناير عام 1982م عين فضيلته وزيرا للأوقاف المصرية وبعدها بشهرين، وفي شهر مارس عام 1982م عين شيخا للأزهر ليصبح الإمام الثاني والأربعين للأزهر، وفي سبتمبر عام 1988م تم اختيار الامام الجليل رئيسا للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة.

كان الامام الجليل نصيرا للأقليات المسلمة المستضعفة في العالم، وكان في حواراته الصحفية وبياناته المتكررة في كل المناسبات الدينية ينبه إلي خطورة التحديات التي تواجه الأقليات المسلمة في العالم،

وكان فضيلته يؤكد دائما أن الأخوة الإسلامية تقتضي مؤازرة هؤلاء المستضعفين، والسعي لحماية حقوقهم، والحفاظ علي حياتهم وأموالهم

.فكان الامام الجليل عندما نشبت حرب إبادة المسلمين في البوسنة أول من أعلن أن حرب الإبادة صليبية في المقام الأول وهدفها إبادة المسلمين في البوسنة.

وكان أول من دعا لعقد مؤتمر إسلامي في الجامع الأزهر عقب صلاة الجمعة لمناصرة شعب البوسنة والهرسك، ونجح الإمام الجليل من خلال منصبه كرئيس للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة وتأييده التام لحملة لجنة الإغاثة الإنسانية بنقابة الأطباء بمصر في أن يجمع ملايين الدولارات تم إرسالها للمجاهدين في البوسنة.

كما أوفد فضيلته وفدا من علماء الأزهر الشريف برئاسة الشيخ جمال قطب - عضو البرلمان المصري وقتئذ - إلي البوسنة ليستقصي أحوال المسلمين هناك، ويحث المجاهدين من شعب البوسنة علي مواصلة الجهاد وعدم التنازل عن شبر واحد من أراضيهم.

وقد قدم الإمام الراحل العديد من المنح الدراسية المجانية لأبناء البلدان الإسلامية المستضعفة حتي يعودا لأوطانهم دعاة للإسلام، وذلك من خلال الدراسة في الأزهر الشريف.

كانت قضية القدس تشغل حيزا كبيرا من عقل وقلب الإمام الراحل، وكان يذكر بها في كل المواقف والمناسبات مؤكدا علي أن القدس ستظل عربية إسلامية إلي قيام الساعة رغم أنف الإسرائيليين.

ورفض الإمام الجليل سياسة التطبيع مع إسرائيل ما استمرت في اغتصابها للأرض العربية، وكان مما قاله: (لا سلام مع المغتصبين اليهود، ولا سلام إلا بتحرير الأرض العربية)، ورفض فضيلته زيارة المسلمين للقدس .

وكان للإمام الراحل موقف واضح وقوي من رفض التطبيع فقد رفض أن يستقبل الرئيس الإسرائيلي عيزرا وايزمان إبان زيارته للقاهرة، وبعد عقد اتفاقية أوسلو عام 1993، مما سبب حرجا شديدا للحكومة المصرية وللرئيس الاسرائيلى.
ورفض الإمام الراحل ما تردد عن حصول إسرائيل علي مياه النيل من خلال مشروع ترعة السلام، وقال مقولته الشهيرة: إن حصول إسرائيل علي مياه النيل أصعب من امتلاكها سطح القمر.

وعن الأسري المصريين الذين قتلتهم إسرائيل عمدا إبان حرب يونيو 1967 وأثارتها الصحافة المصرية، قال فضيلته: (القتل العمد ضد أسرانا يستحق القصاص).

يعتبر موقف الإمام الجليل من المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، الذي عقد في القاهرة عام 1994 من المواقف الخالدة والشجاعة لفضيلته (رحمه الله) أعاد فيه للأزهر مكانته ومقامه الرفيع من القضايا الدولية باعتباره حامي حمي الإسلام والمدافع عنه ضد محاولات التغريب.

فقد أريد من قاهرة الأزهر أن تصدر قرارات تناقض تعاليم الإسلام والأديان السماوية، وتعتدي علي عفاف البشر وكرامة الإنسان،

وعندما ظهرت علي التو أول نتائج مؤتمر السكان في مصر بقيام وزير الصحة المصري بمنع ختان الإناث وتجريمه اتخذ الإمام الجليل قرارا جريئا بإعلانه بعد دراسة مستفيضة أن ختان الإناث من شعائر الإسلام ولا يجوز لأحد أن يمنعه، وتمسك الإمام الراحل بموقفه، بالرغم من الدعوي القضائية التي رفعتها ضده المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بمصر لإصداره فتوي تبيح ختان الإناث.

كما تصدي الإمام الجليل لقرار وزير التعليم المصري بمنع الحجاب في المدارس المصرية والابتدائية وضرورة موافقة ولي أمر الطالبة في المرحلة الإعدادية والثانوية علي ارتداء ابنته الحجاب، وأصدرت لجنة الفتوي بالأزهر برئاسة الإمام الجليل بيانا أعلنت فيه أن القرار الوزاري يخالف الشريعة الإسلامية ونصوص الدستور، واستند المحامين المصريين لهذه الفتوي عند التقاضي أمام المحاكم ضد وزير التعليم المصري حتي تم إلغاء هذا القرار، وعاد الوزير إلي رشده بعد حكم القضاء بإلغاء هذا القرار.

شهد الأزهر الشريف في عهد الإمام الجليل نهضة كبيرة لم يشهدها في عهد من قبله… فقد انتشرت المعاهد الأزهرية في كل قري ومدن مصر، كما لم تنتشر من قبل، فحين تولي الإمام الجليل مشيخة الأزهر عام 1982م كان عدد المعاهد الأزهرية لا يزيد عن ستمائة معهد، وبلغت عدد تلك المعاهد في عهده ستة آلاف معهد وبضع مئات، فقد زرع الإمام الجليل المعاهد الأزهرية في قري مصر، كما تزرع النخيل في الصحراء.

ولم يقف جهد الإمام الجليل علي نشر المعاهد الأزهرية في مصر، بل حرص علي انتشارها في شتي بقاع العالم الإسلامي، فأنشأ معاهد أزهرية تخضع لإشراف الأزهر في تنزانيا وكينيا والصومال وجنوب أفريقيا وتشاد ونيجيريا والمالاديف وجزر القمر… وغيرها من البلدان الإسلامية.

كما فتح الإمام الجليل باب الأزهر واسعا أمام الطلاب الوافدين من الوطن الإسلامي وخارجه، وزاد من المنح الدراسية لهم حتي يعودوا لأوطانهم دعاة للإسلام.

ونجح الإمام الجليل في فتح فروع لجامعة الأزهر في جميع أنحاء مصر وعقدت الجامعة في عهده لأول مرة مؤتمرات دولية في قضايا طبية وزراعية وثقافية مهمة تحدد رأي الأزهر والإسلام فيها.

وعندما أصيبت مصر بزلزال أكتوبر عام 1992م وتهدم أكثر من 1500 معهد وتخلت الدولة عن تقديم الأموال الكافية لترميم تلك المعاهد، بينما أنفقت مليارات الجنيهات علي إنشاء مدارس حكومية عامة لم ييأس الإمام الجليل ، وأخذ يجوب قري ومدن مصر لحث رجال الخير والمحسنين علي التبرع بالمال لترميم تلك المعاهد وبناء معاهد جديدة.

توفي الإمام الجليل قبيل فجر الجمعة 25 من شوال 1461- بعد أن فرغ فضيلته من مراجعة أوراق الأزهر وبريد الجهات الرسمية الأزهرية والبريد الوارد لمكتبه من كافة أنحاء العالم.

مات (رحمه الله) ومشاكل الأمة في صدره وأوراق الأزهر في يده يقلب فيها، ومات متوضئا وهو يشرع لأداء الصلاة في الساعة الواحدة والنصف من صباح يوم الجمعة، حيث شعر بدوار مفاجئ فجلس علي سريره ليستريح، ولكنه فارق الحياة بعد لحظات، وكانت وصيته أن يدفن بجوار مسجده الذي بناه في قريته بطرة، وأن يشهد غسله ويؤم صلاة الجنازة عليه الشيخ محمد متولي الشعراوي، وتم تنفيذ وصية الإمام الجليل، حيث صلي الجنازة عليه الشيخ الشعراوي الذي نعاه بقوله: لقد تعلمنا منه ألا نعصرن الدين، بل ندين العصر، فعصرنة الدين تعني أنه غير كامل حاشا لله.

رحم الله عالمنا الكبير وجزاه عن الأزهر ومصر والإسلام خير ما يجزي العلماء العاملين والرجال الصالحين المخلصين[/center]
[/right]