دور العامل الاجتماعي عند تخطيط المدن

دور العامل الاجتماعي عند تخطيط المدن

المهندس والمخطط الحضري

نصير عبد الرزاق حسج البصري

تكمن مشكلة البحث في محاولة ايجاد الصلات الوثيقة بين مفاهيم التخطيط المتنوعة وعلاقتها بتخطيط المدينة مع التركيز على ابراز العامل الاجتماعي في تخطيط المدينة . واجراء دراسة شاملة حور تأثير ذلك العامل في العملية التخطيطية.

تأتي اهمية بحثنا هذا من خلال ما يتناوله من موضوعات تخطيطية هامة . فهو يبحث في المفهوم الاجتماعي في التخطيط ويستعرض مضامين التخطيط الرئيسة ويحدد الاهداف الموضوعية ذات الصيغة العملية النابعة من واقع البيئة المخطط لها .

يهدف الى اثراء موضوع التخطيط للمجتمع من خلال توضيح مراحل العملية التخطيطية ودور عامل الضبط والظغط الاجتماعي في تجسيد ونجاح العملية التخطيطية مما يسهم مساهمة فعالة في توجيه الدارسين والمهتمين بالتخطيط الجتماعي .

- المقدمة:
يعتبر التخطيط بشكل عام عملية تنظيمية لخدمة المجتمع ، يقوم بها مجموعة متكاملة من المتخصصين وذوي الخبرة لمسح منطقة عمرانية بها مشكلة ما يراد حلها وذلك للحصول على أفضل قدر ممكن لإنتاجها و لراحة سكانها وتنظيم السكن والعمران والاستفادة قدر المستطاع من طبيعتها و مواردها.وهو التخصص الذي يعنى بكافة مناحي المنطقة الحضرية ويشمل تخصصات متعددة مثل الإدارةوالسياسةوالقانونوالإقتصاد وعلم الإجتماع والهندسةوالبيئة وغيرها. التخطيط الإقليمي مشابه له إلا أنه يشمل منطقة أوسع من التخطيط العمراني أو الحضري. يصعب تصنيف التخطيط العمراني ضمن مصنف واحد لتعدد الإختصاصات المتعلقة ولكنه أكاديميا يصنف ضمن البيئة المبنية أو الهندسة.
يهدف التخطيط الحضري إلى تقييم الحياه العمرانية والريفية، وإيجاد حلول هندسية للمشاكل العمرانية مثل التضخم السكاني، العشوائيات، أزمات المرور، تنظيم الحركة بين السكان والخدمات. هناك نظريات متعددة للتخطيط الإقليمي والعمراني تهدف إلى تنظيم الحياة العمراني التخطيط هو سمة من سمات العصر ويؤثر بكل المجالات وبمختلف الابعاد . وهو يعتبر احد السبل الرئيسة المؤدية الى التقدم الذي تتسابق اليه كافة الدول من اجل تحقيق الحياة الافضل للفرد في شتى ابعاد الحياة الاقتصادية والاجتماعية والاعمارية والثقافية .
عندما حدث تجمع مسكن لإنسان بإنسان آخر بدأ يظهر ما يسمى بالمجتمع أو القرية الصغيرة مما جعل الاحتياج إلى تنظيم متطلباتهم ومن هنا ظهر التخطيط . التخطيط : هو استيفاء احتياجات المجتمع في مكان ما و زمن ما . هو المفهوم الاشامل لتنسيق المدينة من النواحي الوظيفية و البصرية والاقتصادية و الاختماعية . التخطيط في اطار خطة زمنية معينة مع مراعاة الامكانيات و المحددات الموجودة في المجتمع . اذن التخطيط ظهر من المجتمع ولإجل خدمة المجتمع فاصبح الزاما ان يكون العامل الاجتماعي من العوامل الرئيسية في تشكيل او بناء الهدف الاساس التي تهدف الية العملية التخطيطية وبالتالي ترفير الرفاة الاجتماعي كواحد من متطلبات التخطيط الاجتماعي.
تعريف المدينةمن الناحية الاجتماعية :
المدينة ظاهرة إجتماعية، وهي ليست مجرد تجمعات من الناس برأي روبرت بارك مع ما يجعل حياتهم أمرا ممكنا، بل هي اتجاه عقلاني ومجموعة من العادات والتقاليد إلى جانب تلك الاتجاهات والعواطف المتأصلة في هذه العادات والتي تنتقل عن طريق هذه التقاليد، وهي في النهاية مكان إقامة طبيعي للإنسان المتمدن ،ولهذا السبب تعتبر منطقة ثقافية ، تتميز بنمطها الثقافي المتميز. إن المدينة خلاصة تاريخ الحياة الحضرية ، فهي الكائن الحي كما عرفها لوكوربزيه ، فهي الناس والمواصلات وهي التجارة والاقتصاد، والفن والعمارة،والصلات والعواطف، والحكومة والسياسة،والثقافة والذوق، وهي أصدق تعبير لانعكاس ثقافة الشعوب وتطور الأمم ، وهي صورة لكفاح الإنسان وانتصاراته وهزائمه ، وهي صورة للقوة والفقر والحرمان والضعف .والمدينة هي تجمعات سكانية كبيرة وغير متجانسة ، تعيش على قطعة أرض محدودة نسبيا، وتنتشر منها تأثيرات الحياة الحضرية المدنية ، ويعمل أهلها في الصناعة والتجارة والوظائف السياسية والاجتماعية.
- وهي وحدة جغرافية مساحية يعيش فيها عدد كبير من السكان، تتباين مستوياتهم الاقتصادية والاجتماعية، ويترافق مصطلح المدينة مع مفهوم الحضر والتحضر، حيث أنهم أوجدوا المفهوم بابتعادهم عن الريف، والأعمال الزراعية، وأصبحت المجالات الصناعية رفيق التطور والمدنية. تعتبر المدينة بصفتها نموذج لمجتمع حضري ظاهرة قديمة، وهي تعتبر كذلك انعكاسا لتزايد التعقد الإجتماعي ، واستجابة لظروف إجتماعية وثقافية وجغرافية، وقد انعكس هذا على أساسه االوظيفي الذي يختلف بإختلاف الزمان والمكان، فوظائف مدينة 1950 تختلف عن وظائف مدينة 2000، بالرغم من احتفاظها بالمكان الذي تقوم فيه.الا ان المتغيرات الاجتماعية تكاد تكون متشابهة في نفس المدينة الواحدة وتتغير بتغير الزمان فقط اي ان المكان هو ثابت ولايظهر تأثير واضح على العامل الاجتماعي.
- خصائص المدن عند تطبيق شروط الظاهرة الإجتماعية عليها:
تمتاز المدينة بأنها ذات طبيعة إنسانية بثلاث طبائع (حيوية، نفسية واجتماعية).
المدينة تلقائية النشأة ، حيث تكون في البداية مجموعة متناثرة من المنازل التي بنيت لمجرد الإيواء، ثم تتجمع لتعطي القرية،وتتسع القرية نتيجة للتزايد السكاني وتنوع حرفهم ويزداد الدخل القومي في القرية لتتحول لمدينة صغيرةTown وعندما تتوافر فيها المصانع ووسائل المواصلات والخدمات تنمو لتصبح مدينة رئيسيةCity وهذا يعني أن المدينة كظاهرة إجتماعية ليست من صنع أفراد ،ولكنها من صنع لمجتمع ،وبوحي من العقل الجماعي .
والمدينة هي ظاهرة عامة منتشرة في كل المجتمعات، وتفرض نفسها على سائر أنحاء المجتمع.وتمتاز المدينة بموضوعيتها وشيئيتها،أي أن معرفتنا بها تستمد من الواقع فلكل مدينة تراث اجتماعي .وتمتاز المدينة بالترابط، بمعنى أنها تتصل بأجزائها عن طريق المواصلات المختلفة، على إعتبار أن النظام السياسي في المدينة مثلا يرتبط بالأنظمة التعليمية والاقتصادية والدينية وحتى النظام الأسري.
تتزود المدينة بصفة الجبر والإلزام، فالأفراد ملزمون بالحياة فيها عندما تكون لديهم الرغبة بالإستمتاع بمظاهر الحياة الحضرية الراقية والتعليم والترفيه.
تمتاز المدينة بصفة الجاذبية. وتمثل كل مدينة ظاهرة فريدة لاتتكرر، وبالتالي فمن الصعوبة تحديد سمات للمدن، إذ تفسر كل مدينة في ضوء ظروفها التاريخية وعوامل نموها، وقد حدد لويس خصائص التحضر في مقالته الشهيرة :“التحضر كأسلوب للحياة Urbanism as a way of life”- الحجم ،الكثافة و اللاتجانس، فترتبط هذه العناصر فيما بينها ارتباطا وثيقا مما يؤدي لوجود تجمع من الناس يتسم بكبر الحجم وشدة الكثافة واللاتجانس،وربما كانت خاصية التمايز واللاتجانس الاجتماعيين أبرز ما يميز الطابع الحضري نظرا لما تتصف به المدينة من اختلافات شديدة من حيث المهن والمراكز الإجتماعية والإقتصادية، يجعلنا نقول أن المدينة هي مكان يعمل سكانه في أغلب المهن ما عادا الزراعة وهي بيئة صناعية يتزايد تحكم الإنسان فيها وبحياته ووقته وإنتاجه.
- العوامل الاقتصادية والاجتماعية وتأثيرها في المدن:
تشير كلمة العوامل الاقتصادية إلى مجموعة من الظواهر التي تتعلق بالحياة المادية للمجتمع ،ووسائل تنمية موارد ثرواته ،وإنتاج هذه الثروات وتوزيعها واستهلاكها،وهي تضم الموارد الطبيعية،القيم الثقافية،رأس المال والموارد المتاحة،والتنظيم والعمل الذي يتمثل في مهارات الأفراد. وقد قسم جولد سميث مراحل النمو الاقتصادي إلى مرحلة الاقتصاد الذي يقوم على التجوال،ويلي ذلك مرحلة الاستقرار النسبي على الأرض،وصاحب هذا الانتقال تنمية المجتمع،وتشمل المرحلة الثالثة نشاطات معقدة مثل الزراعة والرعي ،وتتميز المرحلة الرابعة بنمو الزراعة وظهور فائض زراعي يعول سكان المدن، وأدى هذا النمو الاقتصادي إلى زيادة عدد السكان وبالتالي نمو المدن . وإذا ما عكسنا تأثيرها على القطر نجد أن: نمط التوزيع السكاني للزراعيين يختلف عن العاملين في الصناعة والتجارة، فالزراعيين يتمركزون في المناطق الريفية، وضمن مجموعات سكانية صغيرة الحجم، أما العاملون في التصنيع والتجارة، فيتمركزون في التجمعات السكانية الكبيرة والمتحضرة نسبياً.ومثال مدينة الثورة على تأثر المشاريع الاقتصادية في سورية على نمط التوزيع السكاني ،ومثال المشاريع الصناعية "مدينة بانياس"بعد تحول خط البترول العراقي إليها،وترتبط العوامل الاقتصادية بالعوامل الاجتماعية فالتجمعات السكانية المرتبطة بالتصنيع نجدها متحضرة بشكل يفوق التجمعات الزراعية لأن المدن الصناعية تتطلب وجود خدمات ملحقة بها كالنقل والترفيه والثقافة والخدمات العامة. وهناك موضوع اجتماعي اثر تأثير واضح على المدن وخاصة من النواحي الاجتماعية وهو مشكلة التحضر ان موضوع التحضر وما رافقه من زيادة في توقعات السكان الحضر نسبة الى سكان البلاد قد اثر وبشكل مباشر على جملة من العناصر الهيكلية للمدينة العراقية وبالتالي افقدها جزءا مهما في تحقيق التوازن المطلوب تنميته واعادة نشر هذا التوازن الى اجزاء اخرى من البلاد فالتحضر في الدول النامية ومنها العراق هو ليس ذلك التحضر الذي يسود الدول المتقدمة والذي غالبا مايكون تحضرا متدرجا وخاضعا لتوجهات وتأثيرات ونسب من النمو المترادف مع الحاجات المطلوبة للايدي العاملة، فالنمو الاقتصادي وتركز النشاطات الاقتصادية في الدول المتقدمة مرده الى وجود حاجة لجذب الايدي العاملة القادرة والماهرة على اداء تلك الاعمال والنشاطات . اذن هو يبحث في جانبه التنموي على ولوجه الجانب التكنيكي في سرعة وتطور الفعالية دون الاضرار بالمعايير الموضوعة لحصة الفرد من السكان او من المهاجرين من الخدمات وغيرها.
التحضر:
مفهوم التحضر(Urbanization):
أ- تعريف التحضر: *تطلق على تلك العملية من النمو الحضري السريع التي يمكن مشاهدتها في مظهرها الكمي البحت، وبغض النظر عما إذا كانت هذه العملية تنبثق من عناصر النمو السكاني الطبيعي أو الهجرة الداخلية. والتحضر بصفة عامة شرط أساسي في عملية التحديث ويرتبط بالتحول من النظم الاقتصادية الريفية إلى النظم الاقتصادية الصناعية وكذلك بالانتقال من البيئة التقليدية إلى البيئة العصرية. وهو عملية من عمليات التغير الاجتماعي، تتم عن طريق انتقال أهل الريف أو البادية إلى المدينة، وإقامتهم بمجتمعها المحلي، أي إعادة توزيع سكان الريف على المدن.ويحدد د.محمد كيلاني مفهوم التحضر من خلال النقاط التالية:
1- حجم السكان في رقعة معينة، هو المؤشر الناجح للتمييز بين المجتمعات الريفية والحضرية، لذلك يعرف التحضر، بأنه تركز للسكان والأنشطة غير الزراعية في بيئة حضرية بأحجام وأشكال مختلفة.
2- التحضر هو مستوى العلوم والفنون، ودرجة التقدم التكنولوجي وأشكال التصنيع السائد.
3- هو الأنماط والروابط الاجتماعية، وأشكال التفاعلات الإنسانية والبيئية مع بعضهم البعض.
4- التحضر يعني: التمييز بين نمط الحياة البسيطة والمعقدة، أي انه انتشار القيم، والسلوك، والتنظيمات الحضرية في مجال جغرافي معين، وإضافة إلى ما سبق يعرف التحضر بأنه: عملية تركز سكاني يتم بوسيلتين:-
1- زيادة عدد أماكن التجمعات السكانية.
2- نمو حجم التجمعات السكانية.
اما مفهوم التجمع السكاني: هو تلك المجموعة البشرية المستقرة ضمن إطار عمراني معين على قطعة محددة من الأرض بحيث لا يفصل فيها بين الأفراد أو الجماعات منطقة انقطاع بشري أو عمراني،وتختلف هذه التجمعات من منطقة إلى أخرى،ومن أسباب الاختلاف: العوامل الجغرافية،الاقتصادية،الاجتماعية و الديموغرافية التي سبق ذكرها في الفقرات السابقة.
ب-مستوى التحضر(Level of Urbanization):
هو عبارة عن النسبة المئوية للسكان المقيمين في المدن من جملة سكان الدولة وعند نقطة معينة زمنيا.والتحضر بمعناه الديموغرافي: هو عملية التزايد في نسبة السكان المقيمين في المناطق الحضرية من جملة سكان الدولة، ‘أما التحضر بمعناه الشامل: بالإضافة إلى التعريف السابق هو حالة ملازمة للنمو الاقتصادي والتغير الاجتماعي.
ج- مفهوم النمو الحضري:
من الخطأ الشائع اعتبار أن التحضر هو مجرد نمو المدن City Growth،حيث يمكن أن تنمو المدن دون أن ينتج ذلك أي ارتفاع في درجة التحضر،ويحدث ذلك عندما ينمو عدد سكان الريف بمعدل مساو أو أكبر من معدل نمو سكان الحضر في فترة ما. أما النمو الحضري بمعناه الديموغرافي: فيعبر عنه النمو السكاني للقطاع الحضري دون الأخذ بعين الاعتبار النمو السكاني للقطاع الريفي،أو النمو العام للسكان، أما النمو الحضري بمعناه العمراني: فيعني التوسع أو الامتداد العمراني Physical Growth للقطاعات الحضرية بصفة عامة والمدن بصفة خاصة. “ويمكن القول : إذا تساوى أو قل معدل نمو سكان الحضر عن معدل النمو الإجمالي لسكان الدولة،فإن هذه الدولة تعرف نموا ًحضريا بالمعنى الديموغرافي،أما إذا ارتفع نمو السكان الحضر عن المعدل الإجمالي لسكان الدولة فإن الدولة تشهد ارتفاعا في معدلات تحضرها”. ويرتبط مفهوم النمو الحضري ارتباطا وثيقا بالتصنيع في البلاد الصناعية.إذ تتسم المدينة بقيام الإنتاج على المنتجات الصناعية .ويزداد النمو الحضري بازدياد المصانع والمنتجات الأدبية والفنية والأعمال الإدارية.
- المشاكل الاجتماعية الناجمة من التحضر السريع:
1- ان ارتفاع معدلات النمو الطبيعي لزيادة السكان ادى الى حصول زخم سكاني في المدن العراقية يفوق الاسقاطات والتنبؤات السكانية.
2- حصول الهجرة من الريف الى المدينة ادت الى تخلخل الميزان السكاني .
3- حصول التركز السكاني المفرط في مدن معينة وخاصة المدن الكبيرة ومنها مدينة بغداد التي تتوضح فيها هذه المشكلة خصوصا بعد ان اصبحت مدينة عملاقة وبحجم سكاني كبير يجعل عملية التخطيط صعبة لاحتواء هذا العدد وتأمين حياة آمنة وسعيدة وصحية ومريحة له
4- اختلاف مستوى الخدمات المقدمة بين المدن جعل هناك حركة في السكان وخصوصا من المناطق الريفية الى المدن ومن المدن الى العاصمة التي تستحوذ على افضل المستويات من الخدمات .
5- اختلاف المستوى المعاشي لافراد المجتمع الساكن في نفس المدينة يؤدي الى وضوح المشكلة وظهور حالة عدم التألف الاجتماعي وضعف العلاقات الاجتماعية الاشخاص الغرباء على المنطقة واستغلال الشوارع التجارية كمنفذ سهل لهم.
6- ظهور مشكلة السكن العشوائي والنقص الحاد في السكن ادى الى تجسيد المشكلة الاجتماعية .
7- اختلاف المستوى التكافئ بين هؤلاء الساكنين واختلاف اصولهم الحضارية أدت الا عدم الالفة بين افراد المجتمع.
8- الضغط على كفاءة الخدمات المجتمعية المقدمة للساكنين مما ادى الى جعل المشكلة الاجتماعية تظهر بصورة واضحة.
9- ظهور الجرائم وقلة الامن الاجتماعي وارتفاع معدلات الجريمة .
10- وجود المشاكل الاجتماعية في المناطق المتهرئة في المدينة العربية التقليدية واستغلالها كمنطلقات للمجرمين وماوى امين لهم.
- الخصائص العمرانية الاجتماعية:-
لمزيد من الفهم والتعمق في ماهية (العمارة) يجد البحث انه من الضروري دراسة الجانب الاجتماعي للعمارة وذلك بأن العمارة هي “فن المجتمع” كما ينضم إلى وجهة النظر هذه (شكارة) حيث يعبر عن العمارة بأنها “نص اجتماعي وهي ليست مجرد تلبية لحاجات فيزيائية بل هنالك حالة أشمل من ذلك تأتي من الظروف المحيطة من طبيعة السياق الموجود فيه”…

أما (هيكل) فيذكر ضمن هذا السياق بأنها "مرآة للمجتمع وتعكس بيئته الطبيعية وهويته الثقافية. إن العمارة كفن تؤثر في المجتمع كونه عنصراً أصيلاً ومهم في تركيبة المجتمع، والفنان يسهم في تكوين التراث الجماعي لمجتمعه. والفن يبدأ نشطاً فرديا ثم لا يلبث أن ينسجم في سياق الحياة الاجتماعية بعد أن يتعرف على خصائص خبرته ويبدأ بتخزينها في وجوده الجماعي. ثم إن الغرض الأساسي للعمارة هو غرض اجتماعي، فالمجتمع يضع الأهداف ويقوم المختص بتحديد الوسائل والطرق لإنجاز وتحقيق ذلك الهدف.
وتؤكد (زوزان لنكر) فكرة إن العمل الفني لا يمكن أن يكون مجرداً تعبيراً عن رغبة ذاتية، بل هو خبرة تكون مشتقة من المجتمع وتوجهاته، ولهذا أصبح لكل حضارة فنها الخاص. كما إن النتاجات المعمارية والفنية تأخذ أبعادها الحقيقية والواقعية بقدر درجة ارتباطها مع مقومات المجتمع الذي أنتجها.

لقد أتضح لنا من خلال ما تقدم أهمية والتساق الجوانب الاجتماعية بالعمارة، وضرورة دراسة العمارة ضمن المحتوى الاجتماعي من خلال التأثير والتأثر المتبادل بين العمارة والمجتمع، فالعمارة هي بنية اجتماعية فلا يمكن دراسة أحدهما دون تأثير العامل الآخر.
- وحدة الجيرة (المحلة السكنية):
المجاورة السكنية: هي مجموعة سكنية متكاملة من المساكن بمرافقها العامة وخدماتها الضرورية على أساس خدمتها بمدرسة أساسية.
المجاورة السكنية هي نظرية أو فكرة اجتماعية تهدف إلى خلق بيئات سكنية صحية بمرافقها العامة وخدمتها الضرورية. وهي اطار مناسب لإعادة بناء المدن الحالية وتخطيط المدن الجديدة. والمجاورة السكنية قد تسمى وحدة الحي السكني أو الوحدة الاجتماعية أو الوحدة التخطيطية كلها أسماء مترادفة لعدد معين من المساكن لطبقات مختلفة من الناس تشغل مساحة من الأرض محددة, مزودة ببعض المرافق العامة والخدمات اللازمة للحياة الاجتماعية الصحية. هناك جدل كبير حول حجم هذه الوحدة سواء من ناحية عدد السكان أو مساحتها الجغرافية, ويمكن القول بوجه عام أن هذه الوحدة يجب أن تكون بحجم كاف ومناسب سواء من ناحية السكان أو المساحة, فتكون صغيرة للدرجة التي يسهل معها الوصول إلى الخدمات العامة وعلى خلق حياة اجتماعية مشتركة متوازنة اتزانا حسنا وعلى ممارسة الحياة الحقة, وفي نفس الوقت تكون هذه الوحدة كبيرة بالدرجة التي تساعد على أن تتحمل تكاليف إنشاء مثل هذه الخدمات العامة.المجاروة السكنية ليست إتجاهاً حديثاً ولكنها فكرة وإتجاهاً قديماً, بدأ منذ أن بدأت التجمعات السكنية في شكل وحدات صغيرة تمثل نوع من المجتمع أو وحدة سكنية مترابطة اجتماعياً ومحدودة طبيعياً. وكانت المدن في الماضي مثل المدن الفرعونية محدودة, كانت بحكم وظيفتها الإدارية والتجارية والعسكرية مقسمة إلى شبه وحدات أو تجمعات ترتبط بعمل السكان أو حرفتهم مثل: مجموعة قصور الحكام وكبار الموظفين-مجموعة التجار حيث المتاجر وأعلاها مساكنهم-مجموعة الحرفيين(نجارين-حدادين-غزالين)-ثكنات الجيش وتجمعاتهم. وكانت مدينة بابل بالعراق المشهورة بحدائقها المعلقة مقسمة إلى أجزاءكل قسم محاط بشوارع رئيسية وبحوائط المدينة من الخارج, وداخل كل قسم توجد الشوارع الفرعية والمساكن ويتوسط القسم المباني العامة التي تقدم خدماتها لسكان القسم.
كما كانت مدينة العصور الوسطى عبارة عن مجموعة من المدن الصغيرة لكل منها طابعها الخاص واستقلالها الذاتي, فكانت تقسم المدينة إلى وحدات تبلغ مساحة الوحدة ربع 1/4 أو سدس 1/6 المدينة, فمثلا كانت مدينة البندقية مقسمة إلى ست وحدات او مجاورات بكل منها الخدمات الضرورية اللازمة لحياة السكان وكانت هذه الوحدات تدعم وتصون وتدعم الحي المركزي (مركز وقلب المدينة) ولا تساعدعلى القضاء على وحدة المدينة.
- وحدة الجيرة والعامل الاجتماعي:
طالب رواد التخطيط العمراني بضرورة عمل دراسات مكثفة عن الوحدة الاجتماعية الأساسية (المجاورة) السكنية التي يتكون منها المجتمع الكبير, حيث أن هذا المجتمع (من القرية إلى المديتة حتى الأقليم) ماهو الا تجميع لهذه الوحدات الاجتماعية.
لذلك اقترح رواد التخطيط أن يكون حجم هذه الوحدة ليس بالكبير للدرجة التي تتحطم عندها الاتصالات والعلاقات الشخصية, ولا بالصغير للدرجة التي تفشل معها الوحدة في تحقيق التنوع والاختلاف, وأن تضم هذه الوحدة كل طبقات المجتمع ولا تجمل بين طياتها أي تمييز أو تفاوت.
واعتبر رجال الاجتماع أن مابين 5.000 إلى 10.000 آلاف نسمة حجم مناسب لوحدة اجتماعية, على أساس أن مثل هذا الحجم يبرر إنشاء مدرسة ابتدائية, وأن له مميزات مالية وإدارية ولا سيما أن كثير من التخطيطات سواء كانت بهدف توسيع أو إمتداد الحضر أو إعادة بناء المدن اتخاذ هذا الحجم كوحدة أساسية في عمليات التخطيط. كما أكدوا أنه يجب أن يؤخذ في الإعتبار أن هذه الوحدة الاجتماعية (المجاورة السكنية) هي نظرية لابأس بها وممتازة تحت ظروف وأحوال معينة, ولكن في نفس الوقت لا يمكن تطبيقها والأخذ بها بدون حدود وبدون قيد ولا شرط.في عام 1923م اقترح رائد من رواد التخطيط إسمه بيري وهو أمريكي فكرة المجاورة السكنية أساساً في كل من الميدانين الاجتماعي والإسكاني كوحدة أساسية في اعادة تخطيط المدن, وقال أن شعور الانتماء الولاء إلى الحي السكني أو المجاورة السكنية يمكن أن يحل كثير من المشاكل الاجتماعية. والمجاورة السكنية التي يقترحها بيري يحدها من الخارج شوارع رئيسية, وبالداخل شبكة شوارع فرعية توفر الهدوء والأمان, وبها مدرسة تسع مابين 300-400 تلميذ, يعتمد عليها سكان المجاورة الذين يبلغ عددهم حوالي 5000 نسمة, وموقع المدرسة في المركز الجغرافي للمجاورة, ويوجد بالقرب منها حديقة عامة وبعض المباني العامة ومجموعة من المحلات التجارية ودور العبادة والمركز الاجتماعي, وتبلغ مساحة المجاورة حوالي 808 دونم وتصميم المجاورة لا يسمح بأن يسير الطفل أكثر من نصف ميل حوالي 800متر.لذالك ان المضامين التي استندت عليها الوحدة السكنية تدل على عمق وحجم تاثير العامل الاحتماعي عند تصميم المدينة او اي مرفق من مرافقها.

التوصيات:
1- يجب التخطيط على مستوى المدينة مع إقليمها ودراسة المحيط المؤثر فيها، وطريقة توجيه المدن الصغيرة المحيطة بها، وتخفيف العبء عن المدن الكبرى كنقاط الأولوية في تخطيط المدينة من الناحية الاجتماعية…
2- تنمية المناطق الريفية اجتماعياً وثقافياً وتعليمياً وصحياً وخدمياً،وتخفيف الضغط عن المدن الكبرى وذلك بتنمية المراكز الحضرية الجديدة والمدن الصغيرة والمتوسطة لاجتذاب سكان المدن الكبرى لكي لاتظر مشاكل نتيجة اهمال الجانب الاجتماعي .
3- تطوير صلاحية البلديات بخصوص خطوط التنمية الاجتماعية .
4- اتخاذ القرارات الخاصة بمستقبل التحضر والنمو الحضري من قبل مؤسسات التخطيط والإدارة وان يكون هناك تنسيق متكامل عند وضع الخطط التي تتعلق بالتنمية وتطوير المدن.
5- يجب تبني سياسة حضرية شاملة للحد من النمو الحضري الغير متوازن، الأمر الذي يتطلب العمل تطوير وسائل فعالة للسيطرة على الاتجاهات الحالية للنمو الحضري.
6- اقتراح البعض بأن أعلى حجم للمدينة يجب أن يكون 50000 ساكن لسباب الصحة والسلامة العامة والتخطيط الطبيعي. ولكن هذه المعايير لا تشير إلى الحجم المثالي لتأدية الخدمات البلدية وحركة المرور والحياة الاجتماعية بكفاءة لذلك يجب دراسة اختلاف الحجوم فهو الجواب للظروف المثالية للمعايير المختلفة ،وعلى أية حال يبدو أننا سنعتاد على مواجهة مشاكل نمو أحجام المدن والمشاكل الاجتماعية الناجمة عنها.
-الخلاصة:
إن المدينة بصفتها نموذج لمجتمع حضري فهي ظاهرة قديمة يرجع تاريخها لما يقارب ال 7000سنة وهي تعتبر كذلك انعكاسا لتزايد التعقد الاجتماعي واستجابة لظروف اجتماعية وثقافية وجغرافية وقد انعكس هذا على أساسها الوظيفي الذي يختلف باختلاف المكان و الزمان.وتركز المجتمعات الحضرية ليس وليد العصر الحديث، بل يرجع لعهود سابقة عندما قامت المدن بوظائف متعددة لخدمة إقليمها المجاور ولكن ارتبط هذا المفهوم الحديث بالحجم السكاني فقط طالما أن المركز الذي يحوي المراكز التجارية والصناعية جاذب للفائض السكاني ومن هنا تظهر الاولوية لاعتماد المبادئ الاساسية للمجتمعات وتجسيدها في المدن عند تخطيطها.

المصادر:
د.حيدر عبد الرزاق كمونة‘أهمية معالجة المشاكل الاجتماعية لظاهرة التحضر في البلاد دراسات – 13 ديسمبر 2006 ‘صحيفة التآخي‘بغداد.
د.النعيم – مشاري العبد الله- التراث العمراني تحت ضغوط التمدد الحضري "أركيولوجية " المدينة وذاكرة المستقبل –مجلة البناء –العدد196 –م.إبراهيم أبا الخليل –المملكة العربية السعودية –الرياض- 2007م-

حيدر كمونة‘ سياسات التحضر في الوطن العربي‘دار الشؤون الثقافية‘بغداد1990‘ص103

بارك الله فيك استاذ دائما مبدع

الله اكبر ،،،،،،،،،، جزاك الله خيرا