أبدا لم تكن رابعة العدوية في يوم من الأيام غانية ولا من أهل الفجور ولا ممن غرقوا في بحر الشهوات، كما صورها بعض الكتاب وأظهرتها شاشات السينما، بل كانت ومنذ طفولتها تقية تتحرى الله في كل تعاملاتها، وتشهد لها مقولتها، وهي مازالت طفلة، لأبيها: يا أبتِ لست أجعلك في حل من حرام تطعمنيه فقال لها : أرأيت إن لم أجد إلا حراما؟ فقالت: نصبر في الدنيا على الجوع خير من أن نصبر في الآخرة على النار.
</SPAN>
وكبرت رابعة وتوفت الأم ثم الأب وحدثت مجاعة في البصرة فتمزق شمل الأسرة وتفرقت أخواتها، وخرجت رابعة تهيم على وجهها حتى رآها من سولت له نفسه أن يأسرها ويبيعها بستة دراهم إلى شخص أخذها إلى بيته خادمة وأثقل عليها العمل وخرجت يوما تقضي مصلحة فتبعها رجل فخافت وهربت، وضلت الطريق فارتمت على الأرض تبكي وتناجي ربها أنها يتيمة وأسيرة، وأنها تائهة فهل كان ذلك لأن الله غير راض عنها.</SPAN></B>
وهتف بها هاتف من أعماقها :“لا تحزني لأنه في يوم الحساب فإن المقربين سينظرون إليك ويحسدونك على ما أنت فيه”، وأثلج صدرها أن تسمع ذلك ، فسعت إلى بيت سيدها وصارت تصوم وتخدم سيدها وتصلي لربها وتقوم الليل.
وفي ليلة استيقظ سيدها يقضي حاجة فنظر حيث رابعة فوجدها ساجدة وسمعها تقول يا رب لكم يتمنى قلبي طاعتك وأن أبذل عمري متعبدة لك ولو كان أمري بيدي لما توقفت عن هذه العبادة، ولكن أمري بيد سيدي.
ورآها سيدها وكأن هالة من النور تحيط برأسها وهي ساجدة تصلي حتى طلع النهار فنادى عليها وتحدث إليها واعتقها وسألها أن تبقى في بيته لو شاءت وسيكون الجميع في خدمتها وان تنطلق حرة إذا رغبت ومتى شاءت وودعت رابعة أهل البيت ورحلت وانقطعت للعبادة كما كانت ترجو.
تصلي الليل كله
وضُرب المثل برابعة في قمة الحب لله وتفانيها في عبادته والتقرب إليه، حيث وصفت عبده بن أبي شوال، وكانت تخدم رابعة، حالها بقولها : كانت رابعة تصلّي الليل كله، فإذا طلع الفجر هجعت في مصلاها هجعة خفيفة حتى يسفر الفجر، فكنت أسمعها تقول إذا وثبت من مرقدها ذاك وهي فزعة: يا نفس كم تنامين! وإلى كم تقومين! يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا لصرخة يوم النشور!
وأكملت: فكان هذا دأبها دهرها حتى ماتت، فلما حضرتها الوفاة دعتني فقالت: يا عبدة لا تؤذني بموتي أحدا، ولفيني في جُبتي هذه، فلما ماتت كّفناها في تلك الجبة وخمار صوف كانت تلبسه . ورأيتها بعد ذلك بسنة أو نحوها في منامي، عليها حلة استبرق خضراء وخمار من سندس أخضر لم أر شيئا أحسن منه . فقلت يا رابعة: ما فعلت بالجبة التي كفّناك فيها والخمار الصوف؟ قالت : أنه والله نزع عني، وأُبدلت به هذا الذي ترينه علىّ، وطُويت أكفاني وخُتم عليها ، ورُفعت في عِلّيين لتكمل لي بها ثوابها يوم القيامة. وسألتها : مريني بأمر أتقرّبُ به إلى الله عز وجل؟ فقالت: عليك بكثرة ذِكره، أوشك أن تُغبطي بذلك في قبرك!
وكانت رابعة تصلي ألف ركعة في اليوم والليلة، فقيل لها ما تطلبين بهذا؟ قالت: لا أريد به ثوابا وإنما أفعله لكي يسيرّ رسول الله يوم القيامة، فيقول للأنبياء انظروا إلى امرأة من أمتي هذا عملها!
وتصوم سبع أيام وليالي
وقيل إن رابعة صامت في إحدى المرات سبع ليالي وسبعة أيام على التوالي، فلم تكن تأكل شيئا ولا تنام في الليل وانقطعت للعبادة وفي الليلة الثامنة وقد شق عليها قالت في نفسها إلى متى هذا العذاب.
فسمعت لتوها صوت الباب، فلما فتحت ناولها أحدهم طعاما في صحن فأخذته ووضعته لتوقد المصباح فجاء قط وأكل ما في الصحن وتبينت رابعة ما حدث فقالت أفطر على حبة ماء وذهبت لتحصيل الماء فانطفـأ المصباح وسقطت جرة الماء من يدها فصرخت يارب. ماذا تريد بهذه المسكينة؟
فسمعت هاتفا يقول لها: يا رابعة لو شئت أعطيناك الدنيا ولكن في المقابل ينبغي أن تنزعي من قلبك حبك لله، لأن الحب لله وللدنيا لا يجتمعان!
وتقول رابعة : فعندما سمعت ذلك نزعت عن قلبي كل حب للدنيا وللدنيويات ومضت ثلاثون سنة لم أصل فيها لله دون أردد على نفسي أن صلاتي هذه هي آخر صلاة لي ولم أتوقف للحظة طوال ذلك أن أدعو الله أن يغرقني في حبه، فلا يشغل قلبي بحب آخر خلاف حبه.
وكانت رابعة كثيرة البكاء والنواح وما من سبب لذلك من ألم أو وجع. وسألوها عن ذلك فقالت إن علتها التي تتوجع منها ما من دواء لها سوى مشاهدة الله تعالى وان ما يعينها على احتمال علتها إنما هو رجاؤها في أن يتحقق لها ذلك في الآخرة.
قالت رابعـــة
روي عن رابعة العدوية الكثير من الأقوال المأثورة، منها أن الثوري قال لها يوما لكل عقد شريطة ولكل إيمان حقيقة فما حقيقة إيمانك؟ قالت: ما عبدته خوافا من ناره ولا حبا لجنته، فأكون كالأجير السوء، إن خاف عمل، أو إذا أُعطي عمل، بل عبدته حبا له وشوقا إليه.
وقيل كان صالح المرّى يقول كثيرا: من أدمن قرع باب يوشك أن يُفتح له، فقالت له رابعة: إلى متى تقول هذا؟ ومتي أُغلق هذا الباب حتى يُستفتح! فقال صالح: شيخ جهيل وامرأة عَلمت.
وكانت تقول يا رب كل ما كتبته لي من خير في الدنيا فأعطه لأعدائك وكل ما كتبته لي في الجنة فامنحه لأصدقائك، لأني لما أطلب إلا وجهك.
وسئلت رابعة عن المحبة فقالت: ليس للمحب وحبيبه بين، وإنما هو نطقُ عن شوق، ووصف عن ذوق، فمن ذاق عرف، ومن وصف فما اتصف، كيف تصف شيئا أنت في حضرته غائب، بوجوده دائب، وشهوده ذاهب، وبوحك منه سكران، وبفراغك له ملآن، وبسرورك له ولهان! فالهيبة تخرس اللسان عن الإخبار، والحيرة توقف الجبان عن الإظهار، والغيرة تحجب الأبصار عن الأغيار، والدهشة تعقل العقول عن الإقرار، فما ثم إلا دهشة دائمة، وحيرة لازمة ، وقلوب هائمة وأسرار كاتمة، وأجساد من السُقم، والمحبة بدولتها الصارمة وفي القلوب حاكمة.
وكانت تقول: يا رب لو كنت أعبدك مخافة النار فأحرقني بها ولو كنت أطمع في الجنة فاحرمني منها وإن كنت لا أعبدك إلا لوجهك فلا تحرمني مشاهدته.
وكانت تقول إن حبها لله لم يترك في قلبها مكانا لتكره، حتى ولو كان هذا الذي ستكرهه هو إبليس.
كـراماتها
وحفلت حياة رابعة بكرامات كثيرة آمن بها البعض ولم يصدقها غيرهم من أمثال الفيلسوف عبد الرحمن بدوي، ويرد عبد المنعم حفني في هذا الكتاب على هذا الإنكار بقوله إن الكرامات مجال من مجالات علم النفس الغيبي، والاعتقاد فيها من بين دراسات هذا العلم. والكرامة لا تكون إلا لولي والمعجزة لنبي، وقد شهد للكرامة وللمعجزة فلاسفة وعلماء كبار من بين المسلمين والمسيحيين واليهود.
وننتقل إلى بعض كرامات رابعة، حيث قيل أن لصا دخل حجرتها وهي نائمة، فحمل الثياب وطلب الباب فلم يجده فوضعها فوجده، فحملها فخفي عليه، فأعاد ذلك مراراً، فهتف به هاتف: دع الثياب فإن نحفظها ولا ندعها لك وإن كانت نائمة.
ويروى عنها أنها ذهبت للحج وكان لها حمار يحمل متاعها فنفق، وتطوع من كانوا معها من القافلة أن يحملوا المتاع على دوابهم، ولكن رابعة قالت إنها لما نوت الحج لم يكن اعتمادها عليهم بل على الله فرحلوا وتركوها فقالت تناجي ربها: أهكذا يفعل الملوك بالمستضعفين من عبيدهم؟ وهل من الممكن أن يسمح الله تعالى بأن ينفق حمارها ويتركها الجميع وحيدة في الصحراء وما كادت تنتهي من كلامها حتى نهض الحمار حيا يسعى فوضعت عليه متاعها وسارت في طريقها لتلحق بالقافلة.
ويروى أيضا أن الحسن البصري رآها يوما جالسة على شاطئ الفرات فنشر سجادته على الماء وطلب إليها أن تعبر إليه ليصليا. فتعجبت منه رابعة وقالت: شطارة أهل الدنيا تريد أن تظهرها لأهل الآخرة.
لو كنت تريد أن تظهر بشيء فافعل ما لا يستطيع الناس فعله. ثم ألقت سجادتها في الهواء وطلبت إليه الصعود حيث الأمان أكثر والعيون لا ترى عجيب فعلها. وأردفت تريد التخفيف عليه: يا سيدي ما فعلته أنت يفعله السمك وما فعلته أنا يفعله الذباب والمهم أن نبلغ درجة أعلي من هاتين الدرجتين اللتين بلغناهما أنا وأنت.
وروي أنه لما حضرتها الوفاة قالت لأصحابها: انهضوا واخرجوا ودعوا الطريق مفتوحة لرسل الله تعالى، فنهضوا جميعا وخرجوا فما أغلقوا الباب حتى سمعوا رابعة تقول الشهادة فأجابها صوت (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) (صورة الفجر 27-30)
</SPAN></B>منقووووووووووووول
يا رب اعطنا مثل رابعة…قبل الاجر و الثواب ايمانا عظيما و قلبا قادرا على محبة الله و رسوله الكريم …يا رب!</SPAN>