سكن يشجع على الزواج

سكن يشجع على الزواج

“إن تخطيط المدن الإسلامية كان له أعظم الأثر في المساعدة في إتمام الزواج متى وصل الشاب والفتاة إلى سن الزواج”…
هل يمكن أن تقتنع بهذه العبارة؟!


هذا ما يراه الدكتور مختار الكسباني أستاذ العمارة الإسلامية بجامعة القاهرة ليقول: كان التخطيط الرئيسي للمدن مكونًا من شارع رئيسي تتفرع منه عدد من الحارات أو الأزقة بشكل يسمح بالامتداد العمراني بنفس الأسلوب، وكانت المدن تنشأ بالقرب من مصدر مائي كنهر أو منطقة آبار، وبمنطقة تصلح للزراعة حتى تسمح بسهولة العيش والبقاء بهذه المدن.

لكن كان أهم ما يميز تلك الحارات السكان الذين يتم توزيعهم بطريقة متميزة إلى حد بعيد؛ فقد كان أهم ما يضعه المخطط للمدن الإسلامية في اعتباره هو علاقات حسن الجوار؛ فكان يسكن في كل حارة أبناء قبيلة واحدة أو عائلة كبيرة واحدة؛ فنرى في القاهرة القديمة “حارة الروم، حارة الديلم، حارة برجوان، درب سعادة” وغيرها، وكلها تدل على أن من كانوا يسكنون تلك الحارات كانوا من نسيج واحد، أغنياء وفقراء من نفس العائلة الكبيرة؛ بحيث يعطف غنيهم على فقيرهم.

وتنشئ تلك الحارات لنفسها بذلك التركيب حمايةً طبيعية من اعتداء أحد الأفراد على الآخر، تحكمهم قواعد واحدة، وكان هذا النسيج المتماسك يسهل علاقات النسب والزواج فيما بينهم؛ فكل أسرة تعرف جيدا كل شيء عن الأسرة الأخرى.

وكان هناك “المحتسب” أو شيخ الحارة أو كبيرها أو كبير العائلة أو القبيلة الذي يسأله راغب الزواج عمن يتقدم لخطبتها؛ لأنه يعرف كل كبيرة وصغيرة في الحارة، وعلى يديه يتم القران حتى دون عقود أو توثيق؛ فالحارة كلها شاهدة على الزواج وضامنة لهذا الزوج ولهذه الزوجة أيضا؛ فلا خوف من جور أحدهما على الآخر، أو عدم وثوق طرف في آخر يجعله يحاول تكبيله بقيود مادية فوق طاقته كما يحدث الآن، ويؤدي إلى عدم إتمام الكثير من الزيجات.

ويتابع د. مختار: حاولنا في وقت من الأوقات أن نفعل أمرًا مشابهًا في بعض أحياء القاهرة، فتم إنشاء حي لأصحاب المهن الواحدة، مثل حي المهندسين، ومدينة العمال، ومدينة المبعوثين… وهكذا، لكن التجربة لم تنجح كما هو الأمر في حارات المخطط الإسلامي، لعدم وجود رابط اجتماعي بين أصحاب تلك المهن من جهة، ولدخول فئات أخرى بين السكان وتغيير شكل العمائر ودخول عناصر جديدة فيها؛ وهو ما يغير الشكل المميز لهذه الأحياء شيئا فشيئا من جهة أخرى.