طرق جديدة للتنبؤ بمخاطر الهزات الأرضية في مختلف بقاع العالم

طرق جديدة للتنبؤ بمخاطر الهزات الأرضية في مختلف بقاع العالم

باحثون ألمان يوظفون الموجات الصوتية لمحاكاة مدى صمود مختلف الأبنية أمام الزلازل * دراسة طبقات باطن الارض والتاريخ الزلزالي لمنطقة ما يحدد نسبة احتمال وقوع الهزات الارضية في المستقبل في كل منطقة جغرافية

كولون: ماجد الخطيب
يتمنى العلماء بالطبع الحصول على برنامج كومبيوتري يتمتع بمزايا نوستراداموس التنبؤية، كي يتكهنوا باحتمالات حصول الكوارث الطبيعية. إلا أن حلم التوصل إلى جهاز مبكر للكشف عن مخاطر الهزات الأرضية ما يزال بعيد المنال، فالتنبؤ بموعد الهزات الأرضية لا يختلف عن التكهن بالحالة الجوية في يوم خريفي متقلب حسب تعبير البروفيسور يوخن زيشاو من مركز الأبحاث الجيولوجية في بوتسدام (شرق). واستعرض زيشاو وزملاؤه آخر نتائج أبحاثهم حول الانذار المبكر من الزلازل في المؤتمر الدولي الخاص بالموضوع الذي انعقد في العاصمة الألمانية السابقة بون في نهاية الاسبوع الماضي. وذكر العلماء في تقريرهم أمام المؤتمر أنهم استخدموا نظاما في حساب احتمالات الهزات الأرضية يعتمد عوامل التاريخ (تاريخ الهزات الأرضية في المنطقة المعنية) وحركة طبقات الأرض والقرب من البراكين والعوامل الأخرى. كما طور فريق العمل الذي يقوده زيشاو، برنامجا كومبيوتريا يتولى قياس مدى صمود المباني المختلفة أمام الهزات من خلال محاكات تأثير الموجات الصوتية عليها. وطبيعي فقد حرص العلماء في هذا البرنامج على تعريض هذه المباني كومبيوتريا إلى موجات صوتية تعادل بقوتها الهزات الأرضية من مقياس6 ريختر فما فوق.

وذكر زيشاو أن العلم تمكن حتى الآن من وضع برامج انذار مبكر تتولى جس نبض البراكين والتنبؤ بفترة انفجارها، وأخرى قادرة على التكهن بحدوث الزوابع الكبيرة، إلا أنه يقف عاجزا عن رصد حركة الطبقات «التحتانية»، أي طبقات باطن الأرض، والتنبؤ بفترة حصول الزلزال. ومن يقرأ الصحف التركية اليوم يجد إعلانات طريفة عن عروض لبناء البيوت المقاومة للهزات وأدوات الحفر المصغرة والمناضد الحديدية المتينة و«المضمونة» التي تتحمل ثقل الجدران في حالة حصول زلزال. إذ سبق للأبحاث الجيولوجية أن رشحت مدينة اسطنبول التركية إلى احتمال التعرض لهزة أرضية بدرجة 7 ريختر خلال السنين الثلاثين القادمة، إلا أن العلماء يقفون عاجزين عن التنبؤ ما إذا كانت ستحدث غدا أو بعد عشرين سنة.

وقاس زيشاو وزملاؤه حركة تداخل في طبقات الأرض التحتانية في منطقة تقع جنوب اسطنبول، تشي بتعرضها إلى هزة أرضية قوية قبل اكثر من 200 سنة. وقفز احتمال تعرض اسطنبول إلى هزة أرضية قوية من 30% إلى 60% بسبب تعرض مدينة ازميت (80 كلم إلى الجنوب من اسطنبول) إلى هزة أرضية من درجة 7.4 ريختر في اغسطس (آب) 1999، فقد ضاعفت هذه الهزة توتر طبقات الأرض تحت المدينة التركية الكبيرة وتضاعف بالتالي خطر تعرضها إلى الزلزال. وعلى هذا الأساس صنفت اسطنبول في المرتبة الثانية من قائمة اكثر المدن عرضة للزلازل التي أعدها معهد الأبحاث الجيولوجية في بوتسدام، تسبقها مدينة كاتمندو (النيبال).

وفي مدينة مكسيكو، التي تأتي بالمرتبة الثالثة، توصل العلماء الألمان إلى أن مركز الزلزال المحتمل، وهو موضع توتر الطبقات الأرضية التحتانية، يبعد مسافة كبيرة نسبيا عن المدينة. وهذا يعني، حسب تقديرهم، أن الهزة الأرضية ستحتاج إلى 90 ثانية حتى تصل المدينة. وهو وقت ذهبي يعتقد الباحثون أنه يؤهل سلطات المكسيك لتنفيذ برنامج إنذار مبكر يمكن أن ينقذ أرواح الآلاف، فهذا الوقت قد يكفي لإطلاق صفارات الإنذار واصدار أوامر وقف حركة السيارات على الجسور وإخلاء القطارات… الخ.

ومن خلال برنامج محاكاة صمود المباني المختلفة أمام الزلزال في اسطنبول توصل الباحثون الألمان إلى أن الالتزام ببناء المباني الجديدة حسب مواصفات الصمود أمام الهزات خلال السنين الـ15 المقبلة يمكن أن يقلل الخسائر البشرية بنسبة 25%. كما يمكن لبرنامج اسعاف مبكر للمستشفيات والمدارس والمصانع وغيرها أن يقلل الخسائر البشرية بنسبة أخرى. ولو خصصت الحكومة التركية مبالغ من المال لترميم وتعزيز بنيان 5% من المباني القديمة لتمكنت بالتالي من تقليل عدد الضحايا.

وعن احتمال تعرض ألمانيا إلى الهزات الأرضية توصل فريق البحث إلى أن ولاية الراين الشمالي فيستفاليا، وهي اكثف مناطق المانيا السكنية (20 مليون نسمة)، قد تتعرض بنسبة 10% إلى هزة أرضية بقوة 5.5 حسب مقياس ريختر خلال الخمسين سنة المقبلة. وتشي الفحوصات التي أجريت على المنطقة أنها تتعرض كل سنة إلى هزة أرضية بقوة 6,4 ريختر. وكانت آخر هزة بقوة 6.5 ـ 6.9 ريختر تعود إلى مثل هذا التاريخ.

وتوصل زيشاو أيضا إلى نتائج مماثلة من خلال فحص طبقات الأرض في مناطق بلجيكا الملاصقة لألمانيا، حيث تبين أنها تعرضت إلى زلزال بقوة 6.4 ريختر قبل نحو 1300 سنة. وهناك احتمال أن تتعرض مناطق الراين العليا في جبال الالب إلى هزة أرضية بقوة 6.5 ريختر خلال السنين الخمسين المقبلة. وقدر العلماء الخسائر المادية المترتبة على هذه الهزة بحوالي 90 مليار يورو.

وطبق زيشاو وزملاؤه برنامج محاكاة الهزات الأرضية بالترددات الصوتية على العديد من مباني ولاية الراين الشمالي فيستفاليا. وتوصل الباحثون إلى أن هناك لكل بناية «ترددها» الذي قد يؤدي إلى انهيارها في حالة تعرضها إلى حركة أرضية تعادل الموجات الصوتية التي تتعرض لها. وعلى هذا الأساس ستصمد كاتدرائية كولون الشهيرة (157 م) أمام هزات أرضية تزيد عن 6 ريختر، إلا أن ذلك لا ينطبق على جسور الولاية وطرقها السريعة وبعض مبانيها العالية.

منقول