كيف تبني حلمًا صناعيًا؟ دروس من قصة يوسف البلك والنصر للسيارات
بقلم: صلاح يحيى
مقدمة: رسالة إلى مهندس المستقبل
إلى كل مهندس شاب يقف اليوم على خط الإنتاج، أو خلف شاشة التصميم، أو في موقع عمله يتأمل المستقبل.. هل تساءلت يومًا كيف يمكن لمهندس أن يتجاوز دوره الفني ليصبح قائدًا يترك بصمة خالدة في صناعة بلده؟
هذه ليست قصة من كتب الإدارة النظرية، بل هي حكاية حقيقية من قلب مصانع مصر، بطلها مهندس بدأ مثلكم تمامًا: المهندس يوسف البلك. قصته في شركة النصر للسيارات هي خارطة طريق توضح كيف يمكن للإرادة الهندسية، المقترنة بالقيادة الحكيمة، أن تحول التحديات إلى إنجازات، وأن تبني حلمًا صناعيًا من رحم الواقع.
الدرس الأول: لا تنتظر الظروف المثالية، اصنعها بنفسك
(ملحمة التصنيع المحلي)
في وقت كانت فيه كلمة “مستحيل” تتردد كثيرًا، كانت “النصر للسيارات” أمام تحدٍ ضخم: إما أن تظل مجرد “مصنع مفك” يجمع المكونات المستوردة، أو أن تصنع قلب السيارة بنفسها. هنا، لم ينتظر المهندس البلك وفريقه وصول أحدث المعدات أو الظروف المثالية، بل قرروا صنعها.
- الدرس الهندسي: الابتكار في الموارد المتاحة (Resourcefulness). بدلًا من الشكوى من نقص الإمكانيات، قاموا بعبقرية هندسية بتعديل ماكينات محرك 125 حصان لإنتاج أجزاء محرك 65 حصان. هذا يعلمنا كمهندسين أن الحلول العظيمة لا تتطلب دائمًا موارد ضخمة، بل عقلية مبدعة ترى الفرص في التحديات.
- الدرس القيادي: تحدي الوضع الراهن. القيادة الحقيقية تبدأ برفض فكرة “هذا ما وجدنا عليه آباءنا”. لقد تحدى المهندس البلك وفريقه فكرة الاعتماد على الخارج، وأثبتوا أن الإرادة قادرة على توطين أعقد التقنيات.
الدرس الثاني: المهندس ليس ترسًا في آلة، بل هو قائد منظومة
(بناء شبكة الصناعات المغذية)
أدرك المهندس البلك أن نجاح “عنبر 2” لن يكتمل وهو معزول. المهندس العظيم لا يفكر في مشروعه فقط، بل في المنظومة (Ecosystem) الكاملة المحيطة به.
- الدرس الهندسي: التفكير المنظومي (Systems Thinking). عندما تولى رئاسة قطاع المصانع المغذية، لم يكن يدير موردين، بل كان يبني شبكة صناعية متكاملة. عمل مع المصانع المحلية مثل “حلوان للمسبوكات”، وقدم لها الدعم الفني، وساعدها على النمو. هذا يعلمنا أن نجاحنا كمهندسين يقاس بمدى قدرتنا على رفع مستوى كل من حولنا.
- الدرس القيادي: القيادة بالتأثير لا بالسلطة. لم يكن يمتلك سلطة مباشرة على هذه المصانع، لكنه قادها برؤيته ودعمه وثقته فيها. القيادة الحقيقية هي قدرتك على حشد الآخرين حول هدف مشترك، حتى لو لم يكونوا تحت إدارتك المباشرة.
الدرس الثالث: مسارك المهني هو قصة نموك الشخصي
(من مهندس إلى مستشار)
إن المسار الوظيفي للمهندس يوسف البلك هو في حد ذاته درس في التطوير المهني المستمر. انظر إلى رحلته الملهمة:
- مدير عام مصنع المحركات: هنا كان الخبير الفني الذي يتقن التفاصيل الدقيقة لعمله. (مرحلة التميز التقني).
- رئيس قطاعات المصانع المغذية: هنا أصبح الاستراتيجي الذي يرى الصورة الكبيرة ويبني العلاقات. (مرحلة التوسع الأفقي).
- مدير عام صندوق العاملين: هنا أضاف البعد الإنساني لمسيرته، مدركًا أن النجاح لا يكتمل دون رعاية الفريق. (مرحلة القيادة الشاملة).
- مستشار رئيس مجلس الإدارة: هنا وصل إلى قمة العطاء، حيث تحولت خبرته إلى حكمة يستنير بها الآخرون. (مرحلة الإرث).
- الدرس المهني: لا تتوقف أبدًا عن التعلم والنمو. مسيرتك الهندسية يمكن أن تكون غنية ومتعددة الأبعاد. لا تحصر نفسك في الصندوق الفني، بل اسعَ لتطوير مهاراتك الاستراتيجية، والقيادية، والإنسانية.
خاتمة: والآن، جاء دورك
إن قصة المهندس يوسف البلك و"النصر للسيارات" ليست مجرد حكاية من الماضي الجميل، بل هي دعوة مفتوحة ومسؤولية على عاتق كل مهندس مصري اليوم. العالم من حولنا يتغير، والتحديات جديدة، لكن المبادئ الأساسية للنجاح تظل ثابتة.
أنت أيضًا يمكنك أن تكون قائدًا في مجالك. ابدأ من مكانك، ابتكر في الموارد المتاحة، انظر إلى ما هو أبعد من مهمتك المباشرة، ابنِ فريقك، ولا تتوقف أبدًا عن تطوير نفسك. فكل إنجاز صناعي عظيم بدأ بحلم مهندس، والآن… جاء دورك لتكمل الحلم.
#هندسة_وقيادة #قدوة_هندسية #صناعة_المستقبل #مهندسون_ملهمون #النصر_للسيارات #يوسف_البلك #لا_تتخطى_عند_المنحنيات #بقلم_صلاح_يحيى

